لا يختلف أي من المحللين في الصحف الأمريكية بشأن الدور الخطير الذي يلعبه تيار “اليمين المسيحي الإنجيلي المتطرف” في توجيه سياسات الرئيس الأمريكي ترمب الخارجية والمعادية للإسلام والداعمة لإسرائيل (لأسباب توراتية)، ولكنهم يخشون أن ينتهي الأمر بهؤلاء المتطرفين لإشعال حرب أهلية في أمريكا نفسها خصوصا مع محاولات عزل ترمب الذي يرونه نبيهم الحالي وحامي تيار ما يسمي White evangelicals، أو “التيار الإنجيلي ذوي البشرة البيضاء”.
بول دجوبي، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة دينيسون في جرانفيل بأوهايو والباحث بمعهد أبحاث الديانة العامة (PRRI)كتب تحليلًا في صحيفة «واشنطن بوست»، يحذر من هذه الحرب الأهلية الداخلية القادمة في أمريكا، بسبب مخاوف اليمين المتطرف في أمريكا، ولاسيما الإنجيليين والمؤمنين بتفوق البيض، الذين يرون أن “الديمقراطيين” والملحدين سوف يجردونهم من حقوقهم، ويرون أن عزل ترمب قد يفقدهم هذه الحقوق.
وبحسب “دجوبي”، يعتقد المسيحيون المحافظون أن حقوقهم معرضة للخطر حال عزل الرئيس الأمريكي ترمب وأنهم يعتقدون أن حريتهم تعتمد على إبقائه وحزبه في السلطة.
الأغرب أن “بول دجوبي” حذر من ترويج وسائل الإعلام اليمينية من احتمالية نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودعوتها الإنجيليين إلى تخزين الأسلحة!
ونقل عن أحد هؤلاء المتطرفين (ريك ويليس)، وهو من الإنجيليين المحافظين الذي يروجون لنظريات المؤامرة قوله: “يجبرني الديمقراطيون على تخزين الذخيرة والغذاء والمياه والإمدادات الطبية؛ للدفاع عن أسرتي ومنزلي وكنيستي”!!
ويرى هؤلاء المتطرفون أن مضي مجلس النواب في إجراءات عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، هي أول طلقة في «الحرب الأهلية القادمة».
وفي خطاب ألقاه أمام «قمة ناخبي القيم – Values Voter Summit»، أشار ترمب إلى مثل هذا المعنى، وقال إن الديمقراطيين يعملون على الحد من حقوق المسيحيين، معلنًا مقاومة هذا النهج إذا بقي في السلطة.
ويدّعي زعيم الإنجيليين فرانكلين جراهام الذي سبق أن دعم الحرب في العراق بدعوى أنها إنجيلية، أن «القوى الشيطانية تضغط من أجل مساءلة شخص تعتقد نسبة كبيرة من الإنجيليين أنه الرئيس المبارك من الرب”!!
ويقول الكاتب: “البروتستانت الإنجيليين البيض يعتقدون أن الملحدين والديمقراطيين سوف يسلبونهم حقوقهم”.
ويضيف: أجريت أنا والعالم السياسي ريان بيرج دراسة استقصائية على عينة غير عشوائية (غير احتمالية) – Non–Probability في الفترة من 17 إلى 18 مايو 2019، مكونة من 1010 بروتستانتيين أمريكيين عبر الإنترنت، بالتعاون مع شركة «كوالتريكس» المتخصصة في برمجيات حلول إدارة البيانات والاستطلاعات والتسويق، وشكّل البروتستانت الإنجيليون البيض 60% من العينة التي أجري عليها الاستطلاع”.
وجاءت النتيجة لتؤكد أن 60% من البروتستانت الإنجيليين البيض يتخوفون من الملحدين، وأن 60% يعتقدون أن الملحدين لن يسمحوا لهم بالتمتع بحقوق وحريات التعديل الأول في الدستور الأمريكي وسيمنعونهم من تنظيم المسيرات والتعليم والتحدث بحرية، والترشح للوظائف العامة.
وبالمثل، اعتقد 58% أن «الديمقراطيين في الكونجرس» لن يسمحوا لهم بممارسة هذه الحريات إذا ما وصلوا إلى السلطة.
الإنجيليون عماد “الصهيونية المسيحية”
والصهيونية المسيحية التي يقودها المذهب الإنجيلي لها أثر جوهري على سياسة الولايات المتحدة الخارجية قبل الداخلية.
وسبق أن زعم وزير الخارجية الأمريكي “مايكل بومبيو” في مقابلة مع شبكة الإذاعات المسيحية «سي بي إن» CBN News الأمريكية أن هناك “أسبابا توراتية” وراء اعتراف ترمب بالجولان والقدس “إسرائيلية!
وكان ترمب قد جمع دائرة من المستشارين الإنجيليين للمرة الأولى خلال حملته الانتخابية، وكان هو المرشح المفضل لدى الناخبين الإنجيليين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وغالبية الأمريكيين هم من المهاجرين البريطانيين من أنصار حركة الإصلاح البروتستانتي (الإنجيليين) وهؤلاء يؤمنون بما يطلق عليه “العصر الألفي السعيد”، القائم على حتمية عودة المسيح المنتظر والدورة الكاملة للتاريخ التي سيعود من خلالها اليهود للأراضي المقدسة في القدس وإقامة الهيكل ودولة بني صهيون، وفق زعمهم.
ولأن منفى اليهود الذي عادوا منه للقدس -كما يزعمون- كان “بابل”، فالبروتستانت الإنجيليون (الأصوليون الأمريكيون) -ومنهم الرئيس السابق بوش الأب والابن وجراهام وفالويل وما يسمي (التحالف المسيحي) الذي يضم قرابة 20 مليون أمريكي، ويعد داعما قويا للحزب الجمهوري (حزب بوش وترمب)- يؤمنون بأن العراق جزء من أراضي “الكتاب المقدس” لأنها الموقع الجغرافي للبابليين السابقين وأن عودة اليهود للقدس والسيطرة على بابل (العراق) علامات على اكتمال دورة التاريخ (الأيام الأخيرة) أو (نهاية العالم) كما يقول بيلي جراهام.
ويؤمن أعضاء هذه المنظمة بـ”النظرية الدائرية للتاريخ”، ويعتقدون وفقا لهذه النظرية أنه بعد 2520 سنة، فإن نوعية معينة من الأحداث ستتوالى وتتكرر بانتظام ومنها عودة اليهود كلهم للقدس والسيطرة على أرض بابل.
لذلك فخطورة هذا التيار الديني الأمريكي تتمثل في أنه يقدم مصالح الدولة الصهيونية على أي شيء اعتمادا على ما يسمونه “رؤى إنجيلية” تؤمن بضرورة مساندة اليهود للسيطرة على فلسطين وعودة اليهود كلهم للقدس، وكذلك السيطرة على أرض بابل (العراق) في سياق النظرية الدائرية للتاريخ وفكرة “هرمجدولين”.
وسبق أن جاء في مقال بمجلة “فورين بوليسي” أن السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، تتسم بطابع مسيحي أصولي معاد للتعددية الديمقراطية، وذلك على خلاف كل عهود الرؤساء السابقين في الولايات المتحدة.
وقال الباحث في الأديان والأستاذ بجامعة ساوث فلوريدا كريستوفر ستروب في مقاله إن من يرسمون السياسة الخارجية الأميركية الآن هم من الأصوليين المسيحيين الذين يضمرون حقدا دفينا على الإسلام والمسلمين.
ويرى ستروب أن ظاهرة الخوف من الإسلام (المعروفة اصطلاحا الإسلاموفوبيا) التي يروج لها في منابر الوعظ الديني الكنسي في الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، والأوهام القائمة على رؤى تنذر بنهاية العالم، هي التي تقود السياسة الخارجية الأميركية اليوم.
ويضيف عاملا آخر قال إنه يستحوذ على اهتمام إدارة ترامب، ألا وهو “الخوف من اضمحلال سلطتها ونفوذها وسط المحافظين من المسيحيين البروتستانت البيض”.
وروى الكاتب كيف أن كبير الكهنة في الكنيسة التي درج على ارتيادها في شبابه بمدينته كارميل في ولاية كاليفورنيا، كان يزرع فيهم كراهية الإسلام والمسلمين.
وذكر أن الكاهن -واسمه ماركوس وارنر- كان يقول لهم إن “المسلم الحقيقي هو الذي يريد قتل المسيحيين واليهود”، وكان يشدد على أن هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي خلص إليه من قراءة متعمقة للقرآن الكريم.
ويؤكد ستروب أن الإسلام الذي نشأ وترعرع على الخوف منه، هو الذي يشكل حاليا سياسة واشنطن الخارجية، حتى إن التصريحات والبيانات التي تشي بالعداء لهذا الدين تمر دون انتقاد في الحياة العامة.
تاريخهم الأسود في أمريكا
في محاضرة ألقاها (نورتن ميزفنسكي) – وهو أستاذ تاريخ (متقاعد) في جامعة كونيكتكت، وكاتب يهودي مناهض للصهيونية ومؤازر للشعب الفلسطيني -في صيف 2012، بالمعهد الدولي للفكر الإسلامي في هيرندن، فرجينيا بتاريخ 12 يونية 2012، فضح الرجل تاريخ الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة وتأثيرهم في السياسة الأمريكية وعداء الصهيونية المسيحية الموجه ضد ليس العرب ولكن أيضاً الإسلام والمسلمين.
وأكد أن تأثير الصهيونية المسيحية في سياسة الولايات المتحدة -خاصة فيما يخص “إسرائيل” والفلسطينيين- منذ وقت إدارة جورج دبليو بوش إلى الوقت الحاضر يمكن إثباتهما بالوثائق.
ويقول المفكر اليهودي إن “أكثر زعماء الصهيونية المسيحية -بالإضافة لدعمهم لإسرائيل- كانوا وما زالوا متحدثين صراحة وسراً عن عدائيتهم للإسلام والمسلمين، ويتبنون إعلان الرؤساء الأمريكان “الحرب على الإرهاب” ليست حربا ضد ما يسمى “الأصولية الإسلامية” و”المتطرفين المسلمين” فقط، بل حرب ضد الإسلام الذي يعتبرونه “دين شرير” وضد معتنقي الإسلام أنفسهم.
وشرح كيف أن متطرفين إنجيليين -مثل الكاتب (مايكل إيفانز)- أصر في كتابه أن العراق والإسلام والمسلمين هم ممثلو الزمن الراهن لقوى الشيطان، وزعم أنه “كما أمر الله، يجب أن يُسحقوا”(!)، ولذلك يبررون غزو الولايات المتحدة للعراق كمقدمة لمجيء هرمجدون، وقصف أمريكا لدول عربية وإسلامية ودعمها لإسرائيل واعترافها بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، باعتبار أن ذلك من مقدمات تجميع اليهود في الأرض المحتلة ومجيء المسيح واندلاع معركة هرمجدون بين قوى الخير (يصفون أنفسهم) وقوى الشر (التي يقصدون بها المسلمين).
فاليهود يستندون إلى النص العبري الوارد في سفر الرؤيا 16 بأن المعركة المسماة معركة “هرمجدون” ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين، وأن المسيح سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على “الكفار”، ويقولون إن النبي يوئيل قال في العهد القديم عن هذا اليوم: “انفخوا في البوق في صهيون، اهتفوا في جبلي المقدس، ارتعدوا يا جميع سكان العالم، يوم الرب مقبل، وهو قريب، يوم ظلمة وغروب، يوم غيم وضباب”!
وقد ردد زعماء مسيحيون صهاينة أنجليكان كبار آخرون، الأفكار التي عبر عنها إيفانز، فهم عادة قد استخدموا مصطلح “الإسلام المحارب” بشكل سلبي ليصوروا الإسلام بأنه عدو محارب، مثل (جون هاجي) مؤسس الكنيسة المركزية في سان أنطونيو، تكساس، الذي كان يقول في خطبه: “إن الإسلام دين شرير وخطير، وإن المسلمين المحاربين ملتزمون بشن حرب مقدسة في الشرق الأوسط وعبر العالم كله ضد الأعداء غير المسلمين “.
وكان فرانكلين جراهام ابن الواعظ الأنجليكاني بيلي جراهام يخطب قائلا: “إنني أعتقد أنه (الإسلام) دين شرير وخبيث جداً”.