أكد عدد من النشطاء والسياسيين الذين شاركوا في ثورة يناير على بقاء الثورة واستمرارها لما حققته من إنجازات على مدار عامين ونصف العام قبل التآمر عليها من قبل الثورة المضادة سواء بإسقاط نظام مبارك وسجنه، أو بإجراء انتخابات حرة أتت بأول رئيس مدني منتخب، مع زيادة مساحة الوعي لدى أجيال جديدة، وتجدد الأمل لدى الشعب المصري في إمكانية تحقيق العدالة والديمقراطية.
وفي المقابل أكدوا لـ”المجتمع” على دور الثورة المضادة في التآمر على ثورة يناير، وما يقوم به النظام الحالي من شيطنة للثورة والنيل منها في محاولة لمحوها من ذاكرة الشعب المصري؛ وهو ما يصعب تحقيقه لأنه ما زال هناك إيمان بها، وأنها ستعود سواء عاجلا أم آجلا كما حدث مع ثورات كبرى مثل الثورة الفرنسية، وهذه عبرة التاريخ حسب تصريحاتهم.
باقية في نفوس أبنائها وأعدائها
وفي تعليقه على هذا الأمر قال الكاتب الصحفي قطب العربي، إن ثورة يناير باقية في نفوس أبنائها وفي نفوس أعدائها على حد سواء ولكن بأشكال مختلفة، فهي بالنسبة لأبنائها لا تزال مصدر الإلهام، ودليل القدرة على التغيير.
لقد كانت هناك قناعة راسخة لدى غالبية المصريين أن تغيير نظام مبارك أمر مستحيل، ولا داعي للتفكير فيه، وكانت أكبر أمنية هي إجراء تعديلات وإصلاحات من داخل النظام، ولو أن مبارك وافق على إقالة حبيب العادلي وزير الداخلية في الأيام الأولى للثورة لعاد الثوار أو غالبيتهم إلى منازلهم، ولربما كالوا المديح لمبارك، لكن عناده قدم طاقة جديدة لشحنة الغضب التي أصرت على خلعه هو شخصيا، وكان لها ما أرادت.
وأضاف العربي لـ”المجتمع”: “والثورة وشهورها الثلاثون مثلت لأبنائها وأنصارها تجربة ثرية في التنعم بالحرية والعدالة والكرامة، فكانت أول انتخابات حرة يشارك فيها المصريون ويصطفون طوابير تمتد بمئات أو بآلاف الأمتار أمام اللجان في انتخابات البرلمان أو الاستفتاءات أو الانتخابات الرئاسية الحرة، وكان أول رئيس مدني منتخب بعد ستة عقود من الحكم العسكري، وكان التظاهر الحر دون إذن مسبق، وكان التعامل الكريم في أقسام الشرطة مع المواطنين، والاحترام الذي يحيط بالمصري في كل مكان داخل وطنه وخارجه، وكان الانبهار الدولي بما حققه المصريون، لقد مثلت شهور الثورة الثلاثون نموذجا ملهما قابلا للتكرار.
وأوضح العربي أن هذا النموذج يحتاج عند تكراره لدفع ثمن كبير، وهو ما يحدث حاليا بالفعل حيث يدفع المصريون الآن ثمن الحصول بشكل دائم على الحرية والكرامة والعدالة، فلم تتوقف مظاهراتهم على مدى السنوات الست التالية للانقلاب على الثورة، حتى إن خفتت وتراجعت إلى حواري وشوارع داخلية، وحتى إن نقلت مجال احتجاجها إلى صفحات التواصل الاجتماعي تجنبا للرصاص الحي، كما أن صوت الثورة لا يزال قائما عبر بعض المنابر الإعلامية التي أفلتت من قبضة النظام حتى وإن كانت تبث من خارج مصر، إلا أن صوتها يصل إلى الداخل المصري محملا بعطر الثورة ونبوءاتها، ومذكرا بمكاسبها وأيامها، ومبشرا بعودتها..
وأنهى كلامه بالقول: “لقد تركت لنا الثورة خارطة طريق للتغيير، إذا التزمنا بها نجحنا في مسعانا، وهذه الخارطة تقوم بالأساس على امتلاك إرادة التغيير، والاتفاق على هدف التغيير، ورص الصفوف الوطنية الممثلة لكل فئات المجتمع خلف هذا الهدف وإنكار المصالح الحزبية الضيقة، وترك الخلافات الفرعية، وباختصار العودة إلى شكل ميدان التحرير وليس بالضرورة إلى أرض الميدان؛ فميدان الثورة الحقيقي هو النفوس الحرة وليس قطعا من أراضٍ هنا أو هناك.
يكفيها إسقاط مبارك ومحاكمة الفساد
أما نائب رئيس حزب الجبهة مجدي حمدان فأكد على أن يناير ستظل ثورة شعب جاءت نتيجة تراكمات من حكم فاسد، ورغم ما تعانيه من تجاهل ومحاربة من جانب الثورة المضادة إلا أن درس التاريخ يعلمنا أن الثورات تؤتي أكلها بعد فترة طويلة كما هو الحال بالنسبة للثورة الفرنسية وغيرها من الثورات الأخرى خاصة أن النظام الحالي يعترف بها من خلال نص الدستور لأنه لولا هذه الثورة ما كان هذا النظام ولم يكن هناك هذه الحكومة أو مجلس النواب الحالي.
وحول ما تبقى من ثورة يناير قال حمدان ل ” المجتمع” يكفي يناير أنها وضعت مبارك الفاسد في السجن وبالتالي أسقطت منظومة استمرت ثلاثين عاما وحققت قدرا كبيرا من الحرية والوعي الذي جعل شبابا لم يشهدها يؤمن بها ويعملون على استرجاعها مهما حدث من تجاهل لها أو محاربة فستظل حتى قيام الساعة ومهما قيل عنها؛ فإن التاريخ قادر أن ينصفها هذه وهو ما حدث مع ثورة 1919 عشر والثورة العرابية.
وحول إمكانية استعادتها مرة أخرى قال نائب رئيس حزب الجبهة: “للأسف لم تعد السلطة الحالية تسمح بخروج جماهيري بعد سيطرة شاملة على الحياة السياسية؛ حيث لم يعد هناك سياسة أو أحزاب، كذلك لا يوجد شخصيات مؤثرة بعد اعتزال العديد من الشخصيات المعروفة بسبب مضايقات السلطة، وكذلك هناك من هم بالسجون وهناك من هم خارج مصر. وبالتالي فالأمور فيها قدر من الصعوبة، على الأقل في الفترة الحالية، لكنه في المقابل أكد على أن الأيام ستجلي هذا الأمر، ولن يطول الزمن بصدده وأنه مهما كان من انكماش فلا بد أن تنتهي هذه الفترة، وفي ظل حالة من الاستقطاب الحاد من قبائل عربية وتيارات سياسية مختلفة من إسلاميين وليبراليين؛ فالأمور مرشحة لكل الاحتمالات وسينفجر الوضع في أي وقت.
بطش النظام يؤكد بقاءها
أما الناشط د. أحمد رامي الحوفي -عضو ائتلاف شباب الثورة إبان ثورة يناير- فيرى أن الثورة لم تنته لكنها كسبت جولة وخسرت جولة، وهناك شواهد كثيرة على استمرار الثورة وبقائها والدليل على ذلك ما يمارسه النظام من بطش وهو ما يؤكد أن الأمور لم تستتب له، ونتيجة ذلك هناك الآلاف في السجون وآلاف المشردين ومصادرة الحريات بشكل عام، ولو الأمور استقرت له لم يكن يمارس هذا القدر من الاستبداد.
وأضاف الحوفي لـ”المجتمع”: “أزعم أنني واحد من جيل يناير، وكنا مخلصين وأوفياء لشعارات يناير، وأشعر بالرضا عن هذه التجربة، واختبار قدرتنا، وعرفنا مواطن قوة الخصم، وقدمنا هذه التجربة للأجيال القادمة، وسنكمل الطريق معه حتى يكتب لنا النجاح”.
وحول موقف النظام الحالي من الثورة قال الحوفي، إن الثورات لا تنتظر إذنا من النظام؛ فكونه يقبل أو لا يقبل بالثورة لا يغير شيئا؛ حيث ما زالت خبرات الثورة قائمة، والظرف مواتٍ لعودتها مرة أخرى لكن يبقي أن نحسن الفرصة المناسبة والتوقيت.
باقية رغم التشويه
أما حسام المتيم -أحد شباب ثورة يناير وعضو حركة غربة- فيقول: إنه خلال تسع سنوات، تعرضت فيهم ثورة يناير والشباب الحر الذي خرج ينادي بحقوق الحرية ومطالب العدالة والكرامة للتشويه المتعمد في ظل أجواء ثورة مضادة تغذيها وتقوم عليها أعمدة السلطة الحاكمة في مصر وبعض البلدان العربية. ويمكننا القول بأن كل ما سبق من محاولات تشويه لم تنل من الثورة عند عموم الشعب، ولم تفلح في تشويه شبابها الحر الواعي؛ لأن عدالة مطالبهم وعظيم تضحياتهم كانت أسمى وأرقى أن ينال منهم إعلام موجه بتوجيه وأمر النظام العسكري وحلفاؤه بالمنطقة.
وأكد المتيم لـ”المجتمع” أن “الثورة بنقاء مطالبها وصدق عزيمة شبابها ما زالت حية وباقية في القلوب، ربما لم يسعفها الماضي القريب أو الحاضر لكننا نؤمن بأن المستقبل القريب لها. ومن سنن الكون أن يحدث التغيير، وإن خسر جولة أو اثنتين فهو قادم لا محالة، ومحاولات النظام الحاكم في مصر بالتشويه والطمس والتهميش لثورة يناير المجيدة لم تؤتِ أكلها حتى اضطُر صاغرا للتعبير عن نُبل مطالبها وصدقها في محاولة منه لاحتواء الغضب العامل في قلوب جموع المصريين تجاهه وتجاه كل من يحارب نداء الحرية الذي أطلقته الثورة، وما زال عالقا في القلوب والنفوس.