انفصلت المملكة المتحدة أخيراً عن الاتحاد الأوروبي، أمس الجمعة، نحو مستقبل غامض لتدير ظهرها لمحاولات تكوين قوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية لتوحيد بلدان أوروبا التي حاربت بعضها بعضاً في السابق.
وخرجت المملكة المتحدة من الاتحاد في الساعة 2300 بتوقيت جرينتش في أكبر تحول جيوسياسي منذ خسارة إمبراطوريتها مترامية الأطراف، منهية بذلك عضويتها التي امتدت 47 عاماً، في خطوة وصفها رئيس الوزراء بوريس جونسون بأنها فجر لعهد جديد.
ولن يتغير الكثير في الممارسة العملية خلال فترة انتقالية مدتها 11 شهراً، حيث يسعى الجانبان إلى التفاوض حول علاقة مستقبلية تشمل التعاون التجاري والأمني والسياسي.
وحذر المسؤولون في بروكسل من أن الجدول الزمني طموح للغاية، لكن رئيس الوزراء بوريس جونسون استبعد تمديده.
واحتفل الآلاف من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في ميدان البرلمان في لندن وبالقرب من مقر الحكومة في داوننغ ستريت.
وفور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعدت الولايات المتحدة بتعزيز العلاقات الثنائية.
ووعد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتعزيز العلاقات الثنائية بين واشنطن ولندن.
وقال بومبيو في تغريدة بعيد وقوع الطلاق رسمياً بين لندن وبروكسل سنواصل تعزيز علاقاتنا القوية والمثمرة والمزدهرة أصلاً مع بريطانيا، في الوقت الذي تفتح فيه صفحة جديدة من تاريخها.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وجّه قبل ساعة واحدة من وقوع الطلاق بين لندن وبركسل خطاباً إلى الأمّة أكّد فيه أنّ “بريكست” ليس النهاية، بل بداية فصل جديد من مسيرتنا الوطنيّة الكبرى.
وقال جونسون الذي وعد ووفى بتحقيق بريكست بعد طول تأجيل: إنّ الأهمّ هذه الليلة هو أن نقول: إنّها ليست النّهاية، بل البداية، إنّها لحظة بزوغ الفجر وبدء فصل جديد من مسيرتنا الوطنيّة الكبرى.
وأضاف أيّاً تكُن العقبات على الطريق، أنا أعلم أنّنا سننجح، مشدّداً على أنّ بريكست سيُشكّل نجاحاً باهراً، في وقت تستعدّ بلاده لبدء مفاوضات صعبة مع الاتّحاد الأوروبي بشأن علاقتهما التجاريّة المستقبليّة.
وتابع نريد أن تكون هذه بداية عهد جديد من التعاون الودّي بين الاتّحاد الأوروبي وبريطانيا المفعمة بالطاقة.
وما أن تحقّق بريكست حتى بدأت حشود من البريطانيين احتفالات أمام البرلمان في ويستمنستر.
وقال مايكل بن المتقاعد البالغ 73 عاماً: كانت بروكسل تملي علينا ما يجب فعله، الأمور ستتغيّر، مسرور جداً لبريكست.
أما بيتر بنسون المحاسب البالغ 57 عاماً، فقال أمام البرلمان في لندن: بريطانيا تعزل نفسها عن باقي العالم (…) علينا تسميتها بريطانيا الصغرى.
خسارة حقوق
في أيرلندا الشمالية، رُفعت لافتة كتب عليها هذه الجزيرة ترفض بريكست، وقال دكلان فيرون، المسؤول في حركة الشعوب الحدودية ضد بريكست أمام البرلمان في بلفاست: نشعر بالحزن للخروج من الاتحاد وخسارة حقوقنا بسبب حكومة يمينية التوجه لا تكترث لما يحصل هنا.
وفي إسكتلندا، قالت رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن: إنّه وقت حزين جدًا تُواكبه مشاعر غضب، وأكّدت تصميمها على المضيّ قدمًا في تنظيم استفتاء على الاستقلال، رغم رفض لندن.
وسيظلّ العلم الأوروبي يُرفرف على برلمان إسكتلندا.
في بروكسل، أُنزِل العلم البريطاني الذي كان يرفرف أمام المجلس الأوروبي.
ومن بروكسل إلى برلين، مرورًا بباريس، عبَّر القادة الأوروبيون عن أسفهم، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إنّه مؤشّر إنذار تاريخي يجب أن يدفعنا إلى التفكير.
وعود ترمب
وسط أعلام المملكة المتّحدة وعلى وقع الأبواق، غادر نوّاب بريطانيّون عدّة مناهضون للمنظومة الأوروبية البرلمان الأوروبي في بروكسل صبيحة اليوم التاريخيّ لمستقبل المملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي الذي خسر 66 مليون مواطن بريطاني وثاني اقتصاد إقليمي. وهتفت النائب آن ويديكومب وداعاً! لن نعود.
ورغم تاريخيّة هذا اليوم، فإنّه لن يَقود فورًا نحو تغييرات كبيرة ملموسة، فلكي يتمّ الانفصال بسلاسة، ستُواصل المملكة المتّحدة تطبيق النظم الأوروبية، من دون أن تشارك في قرارات الاتّحاد طيلة الفترة الانتقاليّة الممتدّة حتّى 31 ديسمبر.
ولن تكون هذه النهاية سوى بداية فصل ثان من مسلسل بريكست الطويل، يتمثّل في المفاوضات المعقدة حول العلاقات التي ستربط لندن وبروكسل في مجالات التجارة والأمن، أو حتى الصيد.
وترغب لندن في الانتهاء من ذلك خلال وقت قياسي، قبل نهاية العام، وترفض أي تمديد للمرحلة الانتقالية إلى ما بعد عام 2020. وتعتبر بروكسل أنّ مهلة كهذه ضيقة جداً.
وتسعى الحكومة البريطانية لأن تكون 80% من مبادلاتها بموجب اتفاقات للتبادل الحر خلال السنوات الثلاث المقبلة. وستتمكن البلاد اعتبارا من السبت، من بدء مفاوضات مع دول أخرى كالولايات المتحدة بعد أن وعد الرئيس دونالد ترمب باتفاق رائع.
وسبق لرئيس الوزراء البريطاني الذي سيقدّم رؤيته التفصيلية في بداية الأسبوع المقبل، أن أعلن بوضوح أنّه يرغب بالتوصل إلى اتفاق تبادل حر على غرار الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وكندا، لا يشترط أن يكون متوائماً مع قواعد الاتحاد الأوروبي إضافة إلى رفض الضوابط الجمركية، بحسب وسائل الإعلام.
في المقابل، ثمة من يخشى في بروكسل من الوصول إلى منافسة غير عادلة، وحذّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي (رؤساء المجلس والمفوضية والبرلمان) في مقال نشر في الصحافة الأوروبية، من أنّه في غياب شروط عادلة في مجالات البيئة والعمل والنظام الضريبي ومِنح الدولة، لا يمكن أن تكون ثمة فرص واسعة للوصول إلى السوق الموحدة.
وقالوا: لا يمكننا الحفاظ على المكتسبات المنشودة من العضوية حين نفقد هذه الصفة.
من جانبه، حذر رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فرادكار من تهديد وجودي على الاقتصاد الأيرلندي في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد بريكست.
بدروها، اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنّ بريكست يمثّل تغييراً جذرياً للاتحاد الأوروبي، وفق ما نقل عنها المتحدث باسم الحكومة شتيفان سيبرت في مؤتمر صحفي.
وعبّر سيبرت أيضاً عن رغبة برلين في أن تبقى المملكة المتحدة شريكاً وثيقاً وحليفاً، مضيفا نأسف (لبريكست)، ونعتقد أن غالبية الشعب الألماني يشعر بالأسف أيضاً، لكننا نحترم قرار الشعب البريطاني.
ويُشكّل تحويل بريكست إلى واقع ملموس انتصارًا لجونسون الذي نجح حيث فشلت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي التي خاضت مفاوضات طويلة وصعبة مع الاتحاد الأوروبي ولم تتمكن من إقناع البرلمان بتمرير الاتفاق.
وبعدما أعاد التفاوض على النص في الخريف مع بروكسل، تمكن رئيس بلدية لندن السابق من تمريره في البرلمان في نهاية يناير بعد حصوله على غالبية برلمانية قوية، قبل أن يصادق عليه أيضاً البرلمان الأوروبي في جلسة كانت مؤثرة جداً للنواب البريطانيين الأوروبيين عند رحيلهم.