اشتعلت النيران بأربعة مساجد في إثيوبيا، وتعرّض أكثر من 150 من المحلات التجارية والممتلكات التابعة للمسلمين للتخريب والسرقة،
في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفق تقرير للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البلد الإفريقي.
رغم هذه الفاجعة، قال خبراء سياسيون وسكان محليون، إن الحكومة لم تحرّك ساكنًا، وسط موجة من جرائم الكراهية تجتاح إثيوبيا.
وشددت المصادر على أن البلاد تسودها أجواء من الخوف والهلع، في خضمّ نزاعات عرقية ودينية مستمرة.
وتوجد بإثيوبيا ما لا يقل عن 80 جماعة عرقية وأربعة أديان، وهناك جدل واسع استمر لعقود حول النظام البيروقراطي المنحاز سياسيًا الذي يحكم البلاد، بحسب منتقدين.
وقام مهاجمون مجهولون بتخريب المحلات التجارية والممتلكات التابعة للمسلمين وتدميرها، وخطوا شعارات كراهية على سيارات متوقفة.
واكتفت الحكومة بمجرد استنكار هذه الأفعال دون أن تتخذ أية إجراءات قانونية ضدها.
انشغال بقضايا ثانوية
قال إدريس يابا، محلل سياسي مقيم في العاصمة التركية أنقرة، إن الحكومة الإثيوبية “مشغولة بقضايا ثانوية، بدلًا من تحمل مسؤولياتها في الحفاظ على القانون والنظام”.
وأضاف: “كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مشغولًا بتفكيك المؤسسات الحزبية وترسيخ سلطة الدولة، بدلًا من إعادة بناء المؤسسات، والاستجابة للمطالب الشعبية”.
فيما قال يارد غيتاشو، أحد سكّان العاصمة أديس أبابا وأقام سابقًا في مدينة “هرر” بإقليم أمهرة (وسط)، التي شهدت جرائم الكراهية، للأناضول، إنّ هذه المدينة “معروفة بالتآلف والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحين”.
وحذّر غيتاشو من أن الأوضاع تزداد سوءًا، لا سيما بعد الحادثة الأخيرة.
وحدثت هذه الجرائم أثناء تحضيرات الاحتفال بعيد الغطاس في إثيوبيا، عندما منعت مجموعة من الأشخاص المحتفلين المسيحيين من رفع أعلام على جدران مساجد قبل يوم من المناسبة.
وأضاف غيتاشو: “يتلاعب أصحاب النفوذ بالأوضاع على حساب الشعب”.
وشدد على أن الناس كانوا يعيشون بسلام رغم الاختلافات الدينية والعرقية.
تدهور الأوضاع
قالت نيما صالح ( 25 عامًا)، مواطنة إثيوبية، إن الدين لطالما كان “خط أحمر” احترمه الجميع لسنوات عديدة.
وتابعت: “تُعتبر مسألة احترام الدين في بلادنا أمرًا مثيرًا للإعجاب، لكنها الآن أصبحت على المحك”.
وأرجعت ذلك إلى النزاعات الدينية والعرقية “المقيتة”، التي تسببت بالإحباط من الأوضاع، رغم الإصلاحات الإيجابية.
وكان يطلق على إثيوبيا، العام الماضي، لقب “بلد الديمقراطية”، عندما أجرى آبي أحمد، رئيس الوزراء الحائز على جائزة نوبل للسلام، إصلاحات كبيرة، لا سيما إطلاق سراح السياسيين والصحفيين المعتقلين، وبناء علاقات دبلوماسية مع دول الجوار، وإجراء تعديلات على مجلس الوزراء، ما جعله يشمل كافة الأديان والأعراق وكلا الجنسين.
لكن الحوادث الأخيرة بولاية أمهرة ذات الغالبية المسيحية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جعلت من مسألة التطرّف الديني عاملًا أساسيًا في تشويه الصورة الإيجابية للإصلاحات السياسية، لاسيما بعد أحاديث بين المسيحيين عن إحراق “متطرفين مسلمين” لكنائس.
ومرّر مجلس الوزراء، في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، مشروعات قوانين إلى البرلمان للحصول على موافقته، وينصّ أحدها على التعامل مع مسألة الجريمة المنظّمة التي انتشرت مؤخرًا في البلاد.
وقال سياسي إثيوبي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هذه المشاكل يمكن معالجتها بإعادة هيكلة النظام الأمني، مؤكدًا على أن هذه الظروف تستوجب “الانتقال السياسي”.
تورط رموز دينية
قل بيدرو حسين، داعية ديني ذائع الصيت، إن الزعماء الدينيين “هم من خطّطوا ودبّروا لجرائم الكراهية”.
وكان حسين ضمن مجموعة من 17 زعيمًا إسلاميًا طالبوا الحكومة في 2011 بتقديم حلول لمشاكل البلاد عبر طرق مختلفة تتضمن اجتماعات مع المسؤولين.
وتسببت ادعاءات كاذبة بشأن حسين بسجنه لأكثر من خمس سنوات، على حد قوله.
وعلّق حسين على جرائم الكراهية في أمهرة وأعمال الشغب في حرار بقوله إن “مجموعة من رجال الدين ومسؤولين حكوميين كارهين للإسلام خططوا لهذه الجرائم للحصول على مكاسب سياسية”.
وأضاف: “انتشر مؤخرًا خطاب الكراهية عبر فيديوهات معادية للإسلام تُعرض في الكنائس، وهذا ما حرّض الشباب على التعبير عن كراهيتهم للإسلام”.
أيد آبا ميشيل غابرو، رجل دين مسيحي إثيوبي يعمل في كنيسة بولاية قونيا التركية، وجهة نظر حسين، بقوله إن كثيرين يعملون على ضرب العلاقات الراسخة بين المسلمين والمسيحيين في إثيوبيا.
واعتبر غابرو أن إثيوبيا تقدّم نموذجًا للتعايش والتسامح، وأنّ الأحداث الأخيرة ما هي إلا محاولة بائسة من السياسيين للحصول على مكاسب سياسية.
وشدد غابرو على خطأ الحكومة في أنّ “تلتزم الصمت في مثل هذه القضايا الحساسة”.
إرث النظام الاستبدادي
رأى حبيب يوسف، خبير سياسي وطالب دكتوراه في القانون الدستوري، أن إثيوبيا تعاني من آثار النظام الاستبدادي السابق قبل البدء بالإصلاحات الحكومية.
وأضاف يوسف للأناضول أن سوء الإدارة من جانب الحكومة “أدّى إلى تفاقم النزاعات الدينية والعرقية، التي خلّفها النظام الاستبدادي الذي حكم البلاد 30 عامًا”.
وتابع: لم يتم تطبيق الفيدرالية الدستورية الحقيقة في البلاد.. الفيدرالية تُستخدم “كوسيلة لتفريق الناس وتحزيبهم”.
وندد بمسألة التعبئة الدينية والعرقية لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الأقليات؛ ما يزيد حالة الفوضى والانقسام.
وأفاد يوسف بوجود تناقض بين سياسات “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” (الحاكمة) والمثل العليا لحقوق الإنسان والديمقراطية المنصوص عليها في الدستور.
ويوجد، وفق مراقبين، فريقان سياسيان يقفان وراء الأحداث الأخيرة، وهما الجماعة القومية العرقية، التي تدّعي أنها جماعة محافظة، والفريق الفيدرالي الذي يحمل أفكارًا انفصالية، بدلًا من الإيمان بحق تقرير المصير، وتمثيل كافة الجماعات العرقية.