رغم أن بنجلاديش وميانمار وقّعتا اتفاقات إعادة الروهنجيا إلى الوطن، فإن قليلاً منهم عادوا إلى وطنهم ميانمار، معظمهم يكرهون العودة إلى الوطن بسبب عدم الضمان على أمنهم هناك وعدم الاعتراف بحقهم في المواطنة، فالذين غادروا بنجلاديش وعادوا إلى ميانمار طوعاً لم يتمكنوا من الوصول إلى قراهم الأصلية لكونها مهجورة، ليس فيها بيوتهم ومنازلهم.
ورغم هذا الاتفاق، فقد أعلنت المنظمات الحقوقية عن قلقها من تعرض الروهنجيا لتطهير عرقي مرة أخرى في حال عودتهم إلى ميانمار، وشددت على أن عودة مسلمي آراكان ليس حلاً، وإنما سيكون فخًا، إذ إن هناك قسماً قد عاد بالفعل إلى ميانمار، وقد تعرضوا لأهوال أخرى، كأن هذه المأساة لا نهاية لها، والحكومة الميانمارية توقع من جانب اتفاقية إعادة الرهنجيا إلى الوطن وتعرض من جانب آخر الحائط بضمان أمنهم، حتى لا يتمكنوا من العودة إلى وطنهم.
وقد كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تعرض العائدين من بنجلاديش إلى ميانمار للتعذيب والسجن، حيث علقت المنظمة: إن سوء معاملة الحكومة الميانمارية للعائدين يدل على أنهم لا ينبغي لهم العودة إلى ميانمار بدون توفير الحماية الدولية لهم.
واقترحت المنظمة أن يتم نشر مراقبين تابعين للأمم المتحدة في أماكن عودة الروهنجيا، مؤكدة أنه أمر أساسي قبل أن ترسل الروهنجيا من بنجلاديش إلى ميانمار.
قرى مهجورة
أمام هذه الحالة المرعبة، وردت الأخبار بأن عدداً قليلاً عادوا من بنجلاديش طوعاً إلى ميانمار، فحاول مراسل “المجتمع” ببنجلاديش أن يجري مكالمة هاتفية مع الذين عادوا أو مع أقربائهم، وبعد محاولة عدة مرات استطاع أن يتكلم مع امرأة غادرت مخيمات بنجلاديش قبل أيام ووصلت إلى قريتها بعد عامين ونصف عام.
وصفت المرأة لـ”المجتمع” قريتها بأنها مهجورة لا تعرفها، حيث قالت: عندما وصلتُ إلى قريتي صعب عليَّ أول مرة معرفتها هل هذه هي قريتي؟ وجدتها مهجورة لا تعرفها، فلم أستطع العيش هناك، ولا يمكن لي استئجار منزل في المدينة مما أجبرتني على العيش في الغابة بدون طعام وشراب أياماً طويلة، ثم اضطررت أن أعود إلى بنجلاديش مرة أخرى.
وأضافت أنها تحاول توحيد الآخرين الذين يعيشون في مخيمات بنجلاديش حتى يتمكوا من إعادة بناء قريتها بعد العودة إليها مرة أخرى.
وأوضح فيل روبرستون، نائب رئيس قسم الشؤون الآسيوية لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أن تعذيب الحكومة الميانمارية للعائدين يدل على أنها ليست مخلصة في وعدها.
وأردف بالقول: رغم خطاب ميانمار الذي يضمن العودة الآمنة للروهنجيا وكرامتهم، فإن الحقيقة هي أن الروهنجيا الذين يعودون ما زالوا يواجهون الاضطهاد والانتهاكات التي أجبروا على الفرار منها.
وقال اللاجئون للمنظمة الحقوقية: إنّ قوات الأمن (في ميانمار) عذبتهم خلال فترة احتجازهم التي سبقت الحكم على كل منهم بالسجن 4 سنوات، بتهمة عبور الحدود بشكل غير شرعي.
وكذلك وردت في الصحف المحلية قصة رجل آخر من الروهنجيا باسم محمد شوري الذي فر من ميانمار من الآخرين، وبعد قضاء عام عاد إلى ميانمار بمفرده قبل عام بعد الاتصال بسلطات ميانمار؛ ولكنه لم يجد قريته ولا منزله؛ بل يعيش الآن في منزل مستأجر في بلدة منغو، ويكافح من أجل دفع الإيجار الشهري البالغ 100 ألف كيات (67 دولارًا أمريكيًا) وقال: لا أستطيع تحمل ذلك، لقد دفعت الإيجار عن طريق بيع مجوهرات زوجتي، الآن نفد تقريباً كل المال.
وقال سو أونغ، مدير مقاطعة منغدو: إن اللاجئين الذين عادوا ليسوا من بين الذين تمت الموافقة على إعادتهم إلى وطنهم بموجب اتفاق بين ميانمار وبنجلادش؛ بل العائدين الطوعيين الذين اتصلوا بالمكتب الإداري للمقاطعة للترتيب للعودة بمفردهم.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش البورمي شن عنفًا مخططًا ضد مسلمي الروهنجيا في راخين، في 25 أغسطس 2017، ومارس التعذيب اللاإنساني، بما في ذلك الإبادة الجماعية والاغتصاب مما أجبرت أكثر من 740 ألف روهنجي إلى اللجوء إلى بنجلاديش، وذكرت “إذاعة آسيا الحرة” أن 624 فقط من الروهنجيا عادوا إلى ميانمار أمام هذا العدد الكبير من السكان.