لا تتوقف “لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي”، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن إثارة الجدل في صفوف الفلسطينيين فمنهم من يرفض أنشطتها ويعتبرها نوعا من “التطبيع المجاني”، فيما يرى آخرون أن اللجنة “جزء من المنظومة الفدائية التي تهدف إلى حشد الرأي العام في إسرائيل لدعم خيار حل الدولتين وتحقيق السلام”.
وتصاعد الجدل فلسطينياً حول أنشطة اللجنة، عقب لقاء نظمته في تل أبيب، في 14 فبراير الماضي، بمشاركة وزراء فلسطينيين سابقين، وأعضاء بلديات بالضفة الغربية، وممثلين عن أحزاب إسرائيلية وأعضاء بالكنيست، ووزراء إسرائيليين سابقين.
ودار النقاش في اللقاء، بحسب بيان صادر عن لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، حول “صفقة القرن” الأمريكية المزعومة، وسبل التصدي لها، ودعم حل الدولتين.
وبعد يومين من اللقاء في تل أبيب، نظمت لجنة التواصل اجتماعاً آخر في رام الله، وسط الضفة، شارك فيه صحفيون ونشطاء إسرائيليون، للحوار مع قيادات فلسطينية حول حل الدولتين وتحقيق السلام.
وعبرت غالبية الأحزاب الفلسطينية إضافة لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضهم لعقد اللقاءين وطالبوا بحل اللجنة، فيما بررت حركة “فتح”، كبرى فصائل منظمة التحرير، تنظيم اللقاءين بأنهما “محاولة لاختراق المجتمع الإسرائيلي واستقطاب أصوات تساند الحق الفلسطيني”.
يذكر أن لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي شكلت بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عام 2012، وتعتبر من دوائر منظمة التحرير، ومهمتها كما تقول “التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بهدف نقل الموقف الفلسطيني لهم”.
ورقة خطيرة
وتقول حركة مقاطعة “إسرائيل” وبضائع المستوطنات (BDS): إن “التطبيع الرسمي الفلسطيني ورقة خطيرة لتمرير وتبرير التطبيع الرسمي العربي”.
وفي بيان سابق لها، شدّدت حركة المقاطعة الدولية على أن “مناهضة التطبيع بما في ذلك لجنة التواصل التطبيعية، تعدّ ضرورة نضالية لحماية قضيتنا وثوابتها”.
وشهدت مدينة رام الله، فبراير الماضي، مسيرة نظمها نشطاء فلسطينيون، شارك فيها العشرات ورفعوا خلالها شعارات ترفض التطبيع مع “إسرائيل” وتطالب بحل لجنة التواصل.
كما تعرض مطعم فلسطيني وسط رام الله، للرشق بعبوات حارقة، في 17 فبراير، عقب لقاء جمع قاضي قضاة فلسطين، محمود الهباش، مع وفد صحفي إسرائيلي.
اللجنة لا تخدم التوجه الشعبي
عضو التجمع الديمقراطي الفلسطيني (يضم 5 فصائل يسارية وشخصيات مستقلة)، عمر عساف، قال لمراسل “الأناضول”: إن “المطلوب حل لجنة التواصل لأنها عملياً لا تخدم التوجه والنبض الشعبي الفلسطيني”.
وأضاف عساف: المشاركون في لقاءات مع إسرائيليين يخدمون بشكل أو آخر التوجهات التي تعادي شعبنا، ويدعمون “صفقة القرن”.
وشدد على ضرورة قطع العلاقة مع الاحتلال تنفيذاً لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير.
ونهاية أكتوبر 2018، قرر المجلس المركزي، تعليق الاعتراف بدولة “إسرائيل”، لحين اعتراف تل أبيب بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما قرر المجلس وقف التنسيق الأمني مع “إسرائيل”، ووقف العلاقات الاقتصادية معها.
وفي السياق، قال عساف: من الواضح عدم وجود إرادة أو نوايا لإنهاء عملة لجنة التواصل، في ظل الخطاب الذي قدمه الرئيس (الفلسطيني محمود) عباس في مجلس الأمن، ومحاولة العودة للتفاوض مع “إسرائيل”.
وشدد على أن هناك توجهاً لفعاليات احتجاجية قادمة، وللضغط نحو المطالبة بإنهاء عمل اللجنة وحلها.
والتجمع الديمقراطي، تحالف يضم خمسة فصائل يسارية فلسطينية هي: الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والمبادرة الوطنية، وحزب الشعب، وفدا، إلى جانب مجموعة من الشخصيات الوطنية المستقلة.
لقاءات لن تقدم شيئاً
وجهة النظر ذاتها يتبناها حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي (البرلمان) المحلول، فهو يعتبر أن “اللقاءات مع الإسرائيليين لن تقدم شيئاً للحل السياسي ولن تغير انطباعهم تجاه الفلسطينيين”.
وأصاف خريشة، لـ”الأناضول”: “كل الأطياف والأحزاب في “إسرائيل”، على اختلافها متفقة على المشروع الصهيوني القائم على الاحتلال والاستيطان ومناهضة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، والكل يعلم أن مشروعهم نقيض للمشروع العربي والإسلامي”.
وتابع: “اللقاءات لا جدوى لها، وغطاء الرئيس عباس لها تكريس لأمر يناقض مصلحة الجمهور الفلسطيني، وحتى قيادات وازنة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ترفض تلك اللقاءات”.
واعتبر خريشة أن “الأَوْلى توطيد العلاقات مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والشتات، لا مع الإسرائيليين”.
حشد الرأي العام الإسرائيلي
لكن صالح الحكواتي، مساعد رئيس لجنة التواصل، اعتبر أن “اللقاءات مع الإسرائيليين، تهدف لحشد الرأي العام الإسرائيلي، لدعم حل الدولتين وتحقيق السلام، والإقرار بالحقوق الفلسطينية”.
وأضاف الحكواتي لـ”الأناضول” أن اللجنة نجحت عبر لقاءاتها المتعددة مع الإسرائيليين، في إثارة النقاش حول السلام وإنهاء الاحتلال، وتجاوز الأصوات المتطرفة داخل المجتمع الإسرائيلي.
وذكر أن المشاركين الإسرائيليين في اللقاءات هم في العادة وزراء سابقون ونشطاء سلام وصحفيون، وغالباً ما تلتقي وجهات النظر حول رفض الاحتلال والاستيطان.
وأردف: هذه اللقاءات ليست تطبيعاً، فنحن لا نتساوق مع الرأي الآخر ولا نسلّم به.
فدائيون
متوافقاً مع الحكواتي، وصف القيادي في حركة “فتح”، عبدالله عبد الله، المشاركين في تلك اللقاءات من الجانب الفلسطيني بـ”الفدائيين”.
وقال عبد الله، لمراسل “الأناضول”: “منذ انطلاق الثورة الفلسطينية، كان أحد نشاطاتنا اختراق جبهة العدو، ونجحنا في استقطاب العديد من الشخصيات اليهودية، ومنهم إسرائيليون، وأصبحوا يقفون مواقف مبدئية مؤيدة للحق الفلسطيني”.
وتابع: “من أبرز من نجحنا في كسب مواقفه، المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابيه، الذي كرس جهده وفكره لتقويض فكرة الاحتلال، وفضح ممارساته، وغيره الكثير”.
ورفض القيادي في “فتح”، وصف تلك اللقاءات بـ”التطبيع”، قائلاً: “التطبيع هو عندما تساير العدو، ولكن مواجهته بالكلمة أو العقل أو السلاح ليس تطبيعاً”.
وفي 26 فبراير الماضي، وعقب تصاعد الانتقاد الداخلي لعمل لجنة التواصل وأعضائها، استقبل الرئيس عباس أعضاء اللجنة في مقره بمدينة رام الله، واصفا أنشطتهم بأنها “عمل وطني بكل المقاييس”.
وأردف عباس، خلال اللقاء: ” يجب علينا كلنا أن نعرف أن هذا العمل قد لا يفهمه الآخرون، فهم يأخذون القشور ولا يأخذون الحقيقة، لذلك يتصرفون مثل هذه التصرفات”.
وتابع مخاطبا أعضاء اللجنة: “أنتم تعملون بقرار من القيادة، ولأن هذه اللقاءات تتم بأوامر، فأنتم لا تذهبون بشكل منفرد.. لذلك على الجميع تقديم كل الاحترام لكم، ونرفع لكم القبعة”.
التناغم مع المسارات الأخرى مطلوب
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، جهاد حرب، أن أنشطة لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، “جزء من مسارات العمل الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.
وقال حرب، لـ”الأناضول”: “لا بد من تجنيد تأييد داخل “إسرائيل” لحقوقنا، في مواجهة إدارة احتلالية تقوم على احتلال الأراضي الفلسطينية”.
لكنه استدرك بالقول: “الأمر بحاجة إلى التناغم مع المسارات الأخرى في عملية المواجهة، المتمثلة في المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية والدولية لـ”إسرائيل”، والمسار السياسي على مستوى دولي وقانوني”.
وأضاف حرب: “ليس سهلا اختراق مجتمع إسرائيلي بهذا الحجم، مما يتطلب عملية تناغم وإيجاد خطط ومحددات واضحة، للتعامل مع كل المعطيات”.