عندما ظهرت مجلة «المجتمع» عام 1970م، ظهرت وسط صحافة قومية يسارية ليبرالية سيطرت على العالم العربي والإسلامي، قادت الرأي العام لصدورها اليومي الكثيف، والأسبوعي المنوع، وكانت الصحافة آنذاك -وما زالت- صراعاً بين التجار والحكومات، ولا تنشر من القضايا الإسلامية إلا النزر اليسير.
وكانت الساحة الإسلامية تفتقد لصحافة تنشر قضاياها ومشاريعها، حيث كانت معظم المجلات الإسلامية آنذاك تختص بنشر المقالات الفكرية والبحوث العلمية، وهذا جهد مشكور، فبقي النقص قائماً فيمن يتابع قضايا الأمة من زوايا إنسانية وسياسية وفكرية وحقوقية بشكل مستمر.
فكان ظهور مجلة «المجتمع» بمثابة قفزة صحفية كبيرة على مستوى العالم الإسلامي، فلا تبقى شاردة ولا واردة إلا وتنشر فيها، وكانت المتنفس الوحيد لهواء الفكر الإسلامي المتجدد، حيث حوت على تغطيات لقضايا المسلمين، والاهتمام بالأقليات المسلمة في العالم، بالأخص التي تتعرض للظلم والاضطهاد، وفضح مخططات أعداء الدين، وتقديم بدائل ومشاريع واقتراحات، حتى لا تكون مجلة ناقدة دون مشاركة في الحل.
وفي الوقت الذي تفتخر فيه الصحف اليومية والأسبوعية بانضمام كاتب عالمي أو مفكر أو أديب إليها؛ فإن «المجتمع» ضمت بين دفتيها كتابات ولقاءات وأبحاث مئات العلماء والمفكرين والأدباء الذين أثروا الساحة الإسلامية، فكانوا منارات للاعتدال والفكر الوسطي، وعشرات التربويين الذين أصَّلوا المناهج التربوية على التسامح والعفو، رجالاً ونساء، من مختلف جنسيات العالم.
وأضافت الكتابات النسائية في شؤون الأسرة والطفل والمجتمع خطوة جديدة شجعت الصحف النسائية الأخرى للعمل مثلها، وارتفع عدد متابعي المجلة من الجنسين، ومن مختلف الأعمار.
ولأي زيارة لأرشيف «المجتمع» ترى عشرات الآلاف من الوثائق التي تحتاج من يبحث فيها، التي يمكن أن يستخرج منها آلاف الأبحاث والدراسات للعالم الإسلامي.
كما واكبت المجلة التقدم التقني، فخصصت لها موقعاً إلكترونياً، ورخّصت صحيفتها الإلكترونية، فزاد انتشارها في العالم، وسهل وصولها مجاناً لجميع القراء، وزادت أخبارها اليومية بعد أن كانت أسبوعية ثم شهرية مطبوعة، وما زالت أرقامها ترتفع يوماً بعد يوم على مستوى الصحافة الإلكترونية المحلية والدولية.
ودخلت عالم التواصل الاجتماعي عبر «فيسبوك»، و»تويتر»، و»إنستجرام»، وبدأت مؤخراً بإنتاج مقاطع فيديو توعوية وقصصية وفكرية، تنشرها عبر الموقع الإلكتروني و»يوتيوب».
رؤساء التحرير
أما رؤساء التحرير، فقد كانوا قامات صحفية راقية، اتسمت بالفكر المتزن، والطرح الرزين، والرأي العميق، والنظر إلى مصلحة الأمة، والحرص على وحدة الوطن؛ فلم يثيروا الفتن، ولم يؤلبوا الشعب على الحكومة، ولم يتاجروا بالمواقف المبدئية، وكان كل واحد منهم إضافة للساحة الصحفية المحلية والدولية بفكره وإدارته.
وقد التقيت خلال 30 سنة مضت بعشرات المسؤولين في مراكز إسلامية بالعالم، عرباً وغيرهم، في زيارات ومناسبات متفرقة، في الكويت وخارجها، فكانوا يجمعون على أنهم تربوا وتتلمذوا وتعلموا على مجلة «المجتمع» مذ كانوا شباباً في المرحلة الثانوية، حتى غدوا قيادات إدارية وتربوية.
مضى نصف قرن على صدور مجلة «المجتمع»، حققت من خلالها آلاف الإنجازات الصحفية والفكرية والثقافية والتربوية والعلمية، وما زالت تنافح وتكافح رغم النقص المتوالي لميزانيتها وطاقاتها البشرية، وما زالت «مجلة المسلمين الأولى على مستوى العالم»، وستبقى كذلك بإذن الله.
فالحمد لله على هذا النجاح الكبير لهذه المجلة العريقة والعميقة، وجزى الله خيراً من أسسها، وكل من قام عليها ودعمها مالياً وفكرياً وشارك فيها، خلال نصف قرن، وأدعو الله لهم التوفيق والنجاح في مرحلتهم المقبلة.