يشكل فشل رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، في تشكيل الحكومة المؤقتة التي كان يفترض أن تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية لما بعد التظاهرات الجماهيرية، تحدياً خطيراً للساحة السياسية العراقية، وهو ما ينذر بعودة زخم الاحتجاجات بشكل أكبر للشارع والتي لم تتوقف منذ أكتوبر 2019.
وكانت جلسة البرلمان العراقي تعثرت، الأحد الماضي؛ بسبب عدم تحقق النصاب القانوني لعقدها للمصادقة على حكومة علاوي، بعد تعذر انعقادها، يوم الخميس الماضي لذات السبب، حيث منعت القوى المعارضة لعلاوي نوابها من حضور الجلسة التي تتطلب وجود ما لا يقل عن 166 نائباً ليتحقق النصاب القانوني.
وحضر جلسة الخميس 137 نائباً، فيما حضرها يوم الأحد 108 نواب فقط، هذا التراجع في عدد المؤيدين للحكومة الجديدة، دفع المراقبين إلى التأكيد على عدم قدرة علاوي على تمرير حكومته، وهو ما دفعه لطلب إعفائه من المهمة، بعد أن تأكد من استحالة تحقيقها.
خلافات مستحكمة
وحول الأسباب التي أدت إلى وصول علاوي إلى طريق مسدود، يقول الصحفي سيروان عبدالصمد، المتابع لجلسات البرلمان العراقي: إن كتلاً سياسة رأت في دعم كتلة “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، وكتلة “الفتح” بزعامة هادي العامري، لحكومة علاوي محاولة للانفراد بالسلطة والخروج على مبدأ المحاصصة المعمول به منذ عام 2003.
وأضاف عبدالصمد، في حديثه لـ”المجتمع”: أن الكتل التي عطلت عقد البرلمان هي تحالف القوى العراقية، بزعامة محمد الحلبوسي، والكتلة الكردية المكونة من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والقائمة الوطنية بزعامة إياد علاوي، وكتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، ونواب يبلغ عددهم نحو 20 نائباً عن كتل سياسية متفرقة.
وأشار إلى أن الأقليات شعرت بالخطر بسبب تغييب المحاصصة التي فرضت لهم كوته في الحكومة والدولة، لذلك أنضم نواب كتلة الرافدين المسيحية إلى المعطلين لعقد الجلسة.
واعتبر عبدالصمد أن الكتل المعطلة اعتبرت رئيس الوزراء المكلف منحازاً لكتلتي سائرون والفتح اللتين تدعمانه بلا حدود، الأمر الذي جعله يخسر أكثر من نصف قوى البرلمان، حتى من نواب بعض الكتل الشيعية مثل نواب تحالف البناء بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حدير العبادي.
ردود الفعل
وفور اعتذار رئيس الوزراء العراقي المكلف عن تشكيل الحكومة، توالت ردود الفعل المحلية على الأمر، فالتيار الصدري الذي تبنى ترشيح علاوي، وجابهت قواته المدعوة بـ”القبعات الزرق” المتظاهرين المعترضين على ترشيحه، سجل موقفاً اعتراضياً شديداً، على لسان زعيمه مقتدى الصدر، الذي اتهم معارضيه بـ”الفساد والتلاعب بمصالح الشعب”.
وقال الصدر، مخاطباً علاوي عبر حساب غير موثق في موقع التدوينات القصيرة “تويتر”: إن “حب العراق أوحى لك بالانسحاب فجزيت عن العراق خيراً”.
وتساءل في منشوره: “إلى متى يبقى الغافلون ممن يحبون المحاصصة، ولا يراعون مصالح الوطن، ويتلاعبون بمصالح الشعب؟ وإلى متى يبقى العراق أسيراً لثلة فاسدة؟ وإلى متى يبقى العراق بيد قلة تتلاعب بمصيره ظانين حب الوطن وهم عبيد الشهوات؟”.
كتلة “صادقون” التي تمثل الجناح السياسي لكتائب عصائب أهل الحق، أحد أهم تشكيلات الحشد الشعبي العراقي، دعت إلى “التصرف بحكمة” مع مسألة تشكيل الحكومة.
وقال النائب عنها عدي عواد في بيان: إن “الحل يكمن في التشاور مع رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، والتمديد لحكومته”.
وأضاف أن “حكومة علاوي لم تستطع الحصول على الأغلبية ورافقها كثير من المخالفات الدستورية، والبحث عن بديل هو استنزاف آخر للوقت، ولن نصل إلى نتيجة، ولذلك علينا التصرف بحكمة وعقل والتشاور مع عادل عبدالمهدي لإمكانية التمديد لحكومته”.
وختم عواد بيانه بالحديث عن شروط يمكن فرضها على عبدالمهدي مقابل التمديد له؛ أجملها بـ”تحديد تاريخ مبكر لانتخابات مجلس النواب والمحافظات، وإرسال ميزانية 2020 خلال أيام لمجلس النواب لإقرارها، بالإضافة إلى التركيز على الوقاية والعلاج من وباء كورونا ووضع الخطط لذلك من أعلى المستويات”.
الطرف السُّني الوحيد الداعم لعلاوي، جبهة الإنقاذ والتنمية برئاسة أسامة النجيفي، دعا القوى السياسية إلى إعادة النظر بمنهجها بعد تعذر تشكيل الحكومة.
وقالت الجبهة في بيان: إن رئيس الوزراء المكلف اصطدم بالواقع السياسي، وعانى من ردود فعل ومواجهة غير دستورية، عبر الامتناع عن حضور الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب بشكل متكرر، ما يشير إلى أزمة مستحكمة، ومشكلة صريحة من الواجب مواجهتها، والبحث عن منهج يتجاوز الأطر الحزبية والطائفية والعرقية للاستجابة إلى إرادة الشعب وحراكه المضحي.
وأضاف البيان: بعد أن انسحب علاوي لأسبابه المعلنة، فإن جبهة الإنقاذ والتنمية تتطلع إلى أن تعيد القوى السياسية النظر بمنهجها، فمصلحة الشعب ومستقبل الوطن أكبر وأهم من مراهنات لا تستند إلى قيمة وطنية.
الطرف الكردي الأشد اعتراضاً على تشكل الحكومة المؤقتة، رأى أن سبب إخفاق علاوي يعود لرغبته بالتفرد بالسلطة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن كفاح محمود، مستشار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني قوله: إن علاوي يحاول تعليق فشل آليته في تشكيل الوزارة على شماعة الضغوطات السياسية، مدعياً أنه دفع ثمن عدم تنازله لها.
ونفى محمود أن يكون هذا هو السبب الحقيقي للفشل، مشيراً إلى أن كل التنازلات قُدمت لعلاوي، لكنها جاءت في الوقت الضائع، وتم رفض نهجه وآلياته حرصاً على العراق، لكي لا ينفرد بالحكم ويتحول إلى القائد الضرورة، حسب تعبيره.
النائب عن “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، فادي الشمري، دعا القوى السياسية إلى البدء بالبحث عن بديل مقبول لعلاوي، وقال في تغريدة على “تويتر”: مع اعتذار المكلف لرئاسة الوزراء علاوي، وفشل تمرير حكومته، ثم رسالته الباهتة والعائمة التي لم يذكر فيها القوى التي أصرت على الاستقلالية والنزاهة، وخولته بكل ثقة لاختيار كابينته، أصبح لزاماً من يوم غد (الإثنين)، أن تبدأ القوى الفاعلة بالبحث عن بديل مقبول مستقل، على أن يكون مقبولاً سياسياً وشعبياً، وهناك أسماء بالأفق”.