بين الأصالة القائمة على الفهم الصحيح والوسطي للإسلام، والمعاصرة التي لا تغفل تطورات العصر وأدواته، ساهمت «المجتمع» في نشر الوعي الثقافي في العراق، بحسب وصف د. عمار وجيه، أحد المشاركين في تأسيس العمل الإعلامي الإسلامي في العراق بعد عام 2003م.
وجيه، القيادي البارز في حركة العدل والإحسان العراقية، تحدث عن تلقيه للمجلة منذ منتصف السبعينيات، حيث كان والده د. وجيه زين العابدين مشتركاً دائماً فيها، ويقول: «كشاب ملتزم وجدت فيها ثقافة وعراقة رائدة، وجدتها تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهو ما جعلها تصل إلى قطاع واسع من العراقيين، سيما رجال الفكر والدعوة والأكاديميين ووجهاء المجتمع».
وأعرب وجيه عن أسفه لانقطاع وصول المجلة إلى العراق بعد حماقة غزو «صدام حسين» للكويت عام 1990م، ورغم ذلك لم ينقطع محبوها عن متابعتها، حيث كانت تصل أعداد منها عبر الأردن، وتصل إلى أيادي المئات المثقفين سراً.
وأضاف: «كما تواصل اطلاعنا على المجلة بعد أن أصبح الإنترنت متاحاً في العراق، ولو على نطاق ضيق، وكان مواكبة انتشار الشبكة العنكبوتية عبر موقع المجلة من أهم الإنجازات، وأصبح للمجتمع مساحة وسط القفزة الإعلامية التي حدثت عبر ثورة المعلومات».
ودعا د. عمار وجيه إلى أن تتخذ المجلة المزيد من الخطوات في مجال التحول الرقمي؛ بسبب تراجع تأثير الإعلام الورقي في العالم كله، وقد أشارت تقارير دولية إلى انخفاض نسبة المطبوعات في بعض الصحف الكبرى إلى العشر.
نافذة دعاة المهجر
ظروف التسلط والحكم الشمولي القاسية التي عاشها العراق على مدار العقود الماضية، دفعت المئات من أصحاب الفكر والرأي والدعوة إلى الهجرة خارج العراق، وفي المهاجر كانت «المجتمع» تصل إلى أيديهم لتكون نافذة لهم تديم اتصالهم بقضايا الوطن والعالم الإسلامي، بحسب د. أحمد الراوي، أحد أهم قيادات الحركة الإسلامية العراقية.
يقول الراوي، الذي شغل منصب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا حتى عام 2006م: «واكبتُ مجلة «المجتمع» الغراء بشكل منتظم من بداياتها الأولى، عندما كان على رأسها الأستاذ الفاضل علي عبدالله المطوع -رحمه الله- الذي كانت تربطني به علاقة تلمذة وأخوة ومحبة، فكانت نافذتنا في المهجر للوصول إلى أخبار العالم الإسلامي، بالإضافة إلى أنها كانت سنداً لنا في ترسيخ مبادئ الإسلام وقيمة بين أبناء الجالية الإسلامية في أوروبا؛ حيث كنا نداوم على توزيعها بين صفوفهم».
وتابع: «من جهة أخرى، ساعدتنا المجلة في نقل صورة المسلمين في أوروبا إلى العالم الإسلامي، وعرّفت بأوضاعهم وقضاياهم وجهود مؤسساتهم في ترسيخ قيم الإسلام، خاصة المؤسسات الأعضاء في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي شرفتُ برئاسته، عبر المئات من التقارير والمقابلات التي كان لها أثر بالغ في حصولها على دعم من المؤسسات الرسمية والشعبية العربية وخصوصاً بدول الخليج؛ وعلى رأسها المؤسسات الكويتية المعطاءة».
وفي ذات السياق، تحدث إياد السامرائي، الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، الذي شغل مناصب قيادية رفيعة بمؤسسات العمل الدعوي في بريطانيا، قبل سقوط نظام «صدام حسين» وعودته للعراق عام 2003م، ليكون جزءاً من المشروع السياسي الإسلامي فيه.
وأشار السامرائي إلى أن «قيادات العمل الإسلامي في الخارج كانت تحصل على مجلة «المجتمع»، وتحرص على تسريبها داخل العراق، رغم منعها من قبل السلطات العراقية في النظام السابق».
واستدرك بالقول: «إن مجلة «المجتمع» مجلة رائدة كان لها مساهمتها الكبيرة في نشر الوعي الإسلامي، وكانت محط أنظار واهتمام الأجيال المتعاقبة، واليوم تفرض التحديات والمتغيرات السياسية والثقافية في العالم والمجتمع العربي على المجلة تحدياً مهماً؛ هو كيفية مواكبة هذا التحول لتستمر الرسالة بذات الأثر العميق الذي كانت عليه».
وتابع السامرائي: الإعلام الإلكتروني أصبح بديلاً للأجيال الجديدة عن وسائل الإعلام التقليدي، فهو يعوّض بما يحمل من محتوى متنوع عن الصحف والمجالات والفضائيات، لذلك نرى أن الصفحات الإلكترونية لبعض الصحف العالمية أصبحت ذات انتشار واسع، وباتت متنوعة المحتوى، فهي تحتوي إلى جانب النص المقروء مقاطع فديو، و»إنفوجرافيك»، و»فديوجرافيك».. وغيرها من الوسائط المتعددة التي استحدثها الإعلام الجديد».
وختم السامرائي، الذي ترأس تحرير مجلة «دار السلام» في لندن، بالقول: إن «الإعلام الدعوي تطور كثيراً اليوم بالقياس إلى مراحله الأولى التي تكوَّن فيها، لكنه لا يزال في المرتبة الثانية بالقياس إلى الإعلام الآخر، فأصبح البون بينهما شاسعاً مما يقتضي قدراً كبيراً من الاستدراك، وأرى أن مجلة «المجتمع» هي الأقدر على القيام بهذا الدور من خلال مواكبة هذه التحولات في الإعلام الجديد».
قراءة «المجتمع» مفخرة!
الصحفي والأديب الكردي أحمد الزاويتي، وأحد مؤسسي الإعلام والفن الإسلامي في كردستان العراق، قال لـ«المجتمع»: كانت المجلة تصلنا ونحن شباب صغار إلى مدن كردستان، ونتداولها يداً بيد عبر إعارة بعضنا بعضاً للنسخة التي تدور على مئات الأيدي، وكان الشاب منا يفتخر أمام أقرانه بأنه قرأ مجلة «المجتمع»، مستدركاً: مجلة «المجتمع» كانت بوابتنا لمعرفة أخبار العالم الإسلامي شرقه وغربه، وكنا نشعر بسعادة غامرة عندما كانت أيدينا تتصفح هذه المجلة الغراء.
وتابع حديثه بالقول: بعد تأسيس إقليم كردستان في أعقاب تحرير الكويت، وبعد أن شاركنا في إرساء قواعد الإعلام الدعوي، بدأت المجلة تصل إلينا بانتظام، وكنا ننسخ بعض المواضيع وننشرها بين الإخوة.
ونوه الزاويتي إلى أن المجلة بدأت تدخل إلى العراق بعد عام 2003م بشكل أفضل من ذي قبل، لكن انتشارها كان في أوساط النخبة الإسلامية، وكنا نتمنى أن يكون وصولها على نطاق أوسع لما لها من دور توعوي وتربوي، مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى المعاني التي تتضمنها؛ لكن قلة النسخ الواصلة لم تكن تلبي مثل هذا الهدف.
وبخصوص الرؤية المستقبلية، والدور الذي يمكن أن تمارسه «المجتمع» في المرحلة المقبلة، يرى الزاويتي أن توفر النسخة الإلكترونية من المجلة على الإنترنت أمر جيد، لكنه ليس كافياً، إذ ينبغي أن يردف ذلك بتفعيل منصات التواصل الاجتماعي، والترويج للمحتوى عبر الوسائط الجديدة التي تناسب الأجيال الصاعدة على الساحة العربية، مثل المقاطع المصورة (الفيديو)، أو لـ»إنيميشن جرافيك»، وغيرها من الوسائط التي يوفرها الإعلام الجديد، مشيراً إلى أن التطور الهائل في المجال التقني والتكنولوجي جعل من السباق في هذا المضمار محموماً، من لم يواكبه يصبح في آخر القافلة، وربما يصبح وجوده في عالم الإعلام مهدداً.
واستدرك بالقول: إن دور مجلة «المجتمع» الدعوي في العقود الخمسة الماضية كان مشهوداً، وعالج ضعفاً بيناً في هذا المجال كانت تعانيه المؤسسات ذات البعد التربوي والاجتماعي الهادف، بالمقارنة مع الإعلام القائم على الترفيه الغنائي والدرامي، لذلك نأمل أن تواكب المجتمع التحولات كي تستمر بذات الأثر العميق والتواجد الراسخ.
ما زالت صامدة
الصحفي والكاتب الكردي حامد محمد علي، مسؤول الإعلام السابق في الاتحاد الإسلامي الكردستاني، كان له نفس الرأي، حيث اعتبر تعزيز الموقع الإلكتروني للمجلة من أفضل الخطوات التي اتخذتها المجلة في السنوات الماضية، وهو ما عزز تواصل قرائها معها.
وأضاف أن تجربة مجلة «المجتمع» الكويتية نوعية بخصائصها المعرفية، وبتميزها في خطابها الدعوي المعتدل، ومن حيث اهتمامها بقضايا الإسلام والمسلمين، خاصة قبل ظهور الإنترنت والإعلام الإلكتروني، وهو ما جعلها تحتل مساحة مهمة في وعي ووجدان المسلمين.
وتابع علي، بالقول: رغم أن الصحافة الورقية في تراجع أمام الإعلام الإلكتروني، فإن «المجتمع» ما زالت صامدة بعد أن كيّفت نفسها مع المتغيرات، وللاستمرار في هذا الصمود لا بد أن تواكب وتتكيف أكثر مع تسارع التطورات ليدوم هذا الحضور والتأثير.
وعبر عن اعتقاده بأن أهم ميزة للمجلة في العقود الخمسة الماضية، كان اهتمامها بالقضايا الساخنة التي تخص العالم الإسلامي، وأرى أن الاستمرار بهذا النهج وتعزيزه بشكل أكبر، من خلال التقارير المركزة والتحقيقات الاستقصائية سيكون هو عنصر الديمومة والاستمرار لهذا الزخم.
وتمنى علي أن تواصل «المجتمع» اهتمامها بالشعب الكردي وقضاياه، كجزء حي من الشعوب الإسلامية، وهي قامت بدور في هذا المجال سابقاً ونشرت العديد من التقارير عن القضية الكردية، وأجرت حوارات مع قيادات العمل الإسلامي الكردية، ونأمل أن تقوم بدور أكبر في المرحلة المقبلة، نظراً لما تمر به المنطقة من تهديدات وتحديات جعلت الشعب الكردي في دائرة الاستهداف.