رغم أن المملكة العربية السعودية تستطيع كسب حرب أسعار النفط التي بدأتها مع روسيا قبل يومين، فإنها قد لا تستطيع تحمل تكاليفها إذا استمرت الحرب لفترة طويلة.
وبحسب وكالة بلومبيرغ للأنباء فإنه إذا لم ترتفع أسعار النفط وظلت عند مستواها الحالي وهو تقريبا نصف السعر المطلوب لتغطية نفقات الموازنة السعودية للعام الحالي، فإن الخطط الطموحة للأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية لإصلاح الاقتصاد السعودي قد تكون أكبر ضحايا هذه الحرب، خاصة وأن قطاع الطاقة يمثل حوالي 80% من صادرات المملكة ونحو ثلثي مواردها المالية.
وبحسب بنك أبو ظبي التجاري فإن استمرار سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي عند مستوى 35 دولارا للبرميل، وبدون تعديل بنود الإنفاق في الموازنة السعودية للعام الحالي، يعني وصول عجز الموازنة إلى حوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي، في حين يمكن أن ينفد احتياطي النقد الأجنبي السعودي خلال خمس سنوات إذا لم تلجأ المملكة إلى مصادر أخرى لتمويل الإنفاق. ويرى بنك غولدمان ساكس جروب الأمريكي أن العجز المالي لدى السعودية يمكن أن يصل خلال العام الحالي إلى حوالي 12% وهو ما يعني أن المملكة ستحتاج إلى اقتراض حوالي 35 مليار دولار.
كانت الحكومة السعودية قد أعدت موازنة العام المالي الحالي على أساس عجز قدره 4.6% مع افتراض سعر النفط عند مستوى 65 دولارا للبرميل، في حين تحتاج إلى وصول السعر إلى 84 دولارا للبرميل حتى تكون الموازنة بدون عجز.
لكن طارق فضل الله الرئيس التنفيذي لوحدة الشرق الأوسط في شركة نومورا أسيست مانجمنت لإدارة الأصول في دبي يقول إن السعودية راكمت احتياطيا من النقد الأجنبي يسمح لها بتحمل انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة، لكن ذلك يمكن أن يكون على حساب الأموال التي كان يمكن تخصيصها لتنفيذ مشروعات تنويع الاقتصاد السعودي وإصلاحه وفقا لخطط الأمير محمد بن سلمان.
يذكر أن أسواق النفط شهدت أمس أكبر تراجع يومي لها منذ حرب الخليج عام 1991، بعد انهيار تحالف “أوبك بلس” الذي كان يضم دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وعلى رأسها السعودية وعشر دول نفطية من خارج المنظمة وعلى رأسها روسيا.
ورغم أن خام برنت استرد جزءا من خسائره أمس ليسجل 37 دولارا اليوم، فإن بنك أوف أمريكا غلوبال ريسييرش وبنك غولدمان ساكس يريان أن حرب الأسعار بين الرياض وموسكو يمكن أن تدفع بسعر النفط إلى مزيد من التراجع ليتراوح بين 20 و30 دولارا للبرميل.
في الوقت نفسه يأتي التراجع الحاد لأسعار النفط العالمية بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وتداعياته الاقتصادية وبخاصة على الطلب على الطاقة وهو ما يزيد معاناة الدول النفطية وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية.
يقول المحلل الاقتصادي في وكالة بلومبيرغ زياد داوود إنه “إذا استمرت أسعار النفط المنخفضة، فسيتباطأ نمو الاقتصاد السعودي ويزداد عجز الموازنة ويقل احتياطي النقد الأجنبي ويرتفع معدل الدين العام، لكن إذا انخفض سعر النفط إلى 20 دولارا للبرميل، واستمر هذا السعر لسنوات، فستزداد معاناة اقتصاد المملكة”.
أما عبد القادر حسين رئيس قطاع الاستثمارات ذات العائد الثابت في شركة “بنك الاستثمار أرقام كابيتال” بدبي فيقول: “السعودية لديها احتياطي نقدي يتيح لها تحمل أسعار النفط المنخفضة على المدى القصير. لكن استمرار هذا الانخفاض سيفتح الباب أمام أسئلة أكثر أهمية”.
وتقول مونيكا ماليك كييرة المحللين الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري إن هناك “فرصة للانتظار لنرى كيفية تطور سوق النفط ورد روسيا على” تراجع الأسعار، “ولكن هذه الفرصة أقل مما كانت عليه عام 2014. وإذا استمرت حرب الأسعار، واستمرت الأسعار في التراجع، ستضطر السعودية إلى تقليص الإنفاق العام وتبني إجراءات تقشف”.
في المقابل فإن روسيا تبدو راغبة في الانسحاب من المحادثات مع أوبك لكي تضر بشركات النفط الأمريكية المنافسة، لآن روسيا أقدر على تحمل أسعار النفط المنخفضة، بعد أن نجح البنك المركزي الروسي في تكوين أكبر احتياطي نقد أجنبي منذ آب/أغسطس 2008. كما أنه تم تحرير سعر صرف العملة الروسية على عكس سعر الصرف في السعودية وهو ما يتيح للموازنة الروسية تحمل استمرار الإيرادات النفطية المنخفضة.
أما حسنين ماليك المحلل الاقتصادي في شركة تيلمير بدبي فيقول إن كلا من روسيا والسعودية لديهما إمكانيات مالية كافية وأهداف متباينة بما يكفي لاستمرار حرب الأسعار لفترة من الوقت تمتد لأرباع سنوية وليس لشهور، لكن هذا التراجع الحاد في الأسعار والذي وصل إلى 35% في الأسبوع قد يؤدي إلى تقليص فترة هذه الحرب.
ويمكن للسعودية تخفيف الضغوط المالية الناجمة عن تراجع العائدات النفطية، من خلال بيع سندات الخزانة في أسواق المال الدولية، فقبل أقل من شهرين طرحت السعودية سندات خزانة دولية بقيمة 5 مليارات دولار كجزء من خطة لبيع سندات بقيمة 32 مليار دولار خلال العام الحالي ككل. وجذب هذا الطرح نحو 23 مليار دولار من المستثمرين بمعدل تغطية يزيد عن أربع مرات وهو ما يؤكد جاذبية السندات السعودية للمستثمرين الدوليين.
ويقول ستيفن جولف الباحث في كلية لندن للاقتصاد إنه في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة السعودية ارتفاعا في عجز الميزانية حتى مع أسعار النفط المرتفعة، فإن المملكة تحتاج إلى احتياطي من النقد الأجنبي بما يسمح لها بالتعديل التدريجي للسياسة المالية، مضيفا أن انخفاض أسعار النفط سيقلل الفرصة المتاحة أمامها لعمل ذلك، وهو ما قد يجبرها على تبني تعديلات أسرع واشد إيلاما.
ويختتم المحلل البريطاني حديثه فيقول إن الاحتياطيات المالية لدى السعودية تتيح لها تحمل تداعيات حرب أسعار النفط لفترة من الوقت، لكن هذه الاحتياطيات اليوم أقل بمقدار الثلث عما كانت عليه في الانهيار السابق لأسعار النفط عام 2014 وهو ما يعني أن تداعيات استمرار أسعار النفط المنخفضة حاليا لفترة طويلة ستكون أشد قسوة.
(د ب أ)