في هذا المقال، نحاول أن نتلمس الخطوط العريضة لفكر د. محمد عمارة فيما يتعلق بقضايا تحرير المرأة، من خلال تتبعها في كتبه ومقالاته ولقاءاته التلفزيونية، وقد صنفنها في المحاور التالية:
المحور الأول: التوعية بالطرح الغربي لتحرير المرأة ومخاطره:
ومن أهم القضايا التي تناولها د. عمارة في ذلك الإطار ما يلي:
أولاً: «تحرير المرأة» و»الأنثوية المتطرفة»:
أوضح د. عمارة الفارق الكبير بين دعوة تحرير المرأة والحركة الأنثوية المتطرفة، فدعوة التحرير تسعى لإنصاف المرأة، ورفع الغبن الاجتماعي والتاريخي الذي لحق بها، الذي عانته أكثر كثيراً مما عاناه الرجال، إنصافها مع الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة، وتمايز توزيع العمل وتكامله في الأسرة والمجتمع، على النحو الذي يحقق مساواة الشقين المتكاملين بين الرجال والنساء.
أما النزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في ستينيات القرن العشرين؛ فإنها تحمل كل معالم التطرف، حيث كانت “ثورة فوضوية”، تجاوزت وغايرت “ثورات الإصلاح”، وكانت حرباً على “الفطرة السوية”، بما في ذلك فطرة الأنوثة ذاتها.
ومن أهم أفكار الحركة الأنثوية المتطرفة التي أشار إليها د. عمارة:
1- الصراع بين الجنسين؛ وذلك انطلاقاً من دعوى أن العداء والصراع هما أصل العلاقة بينهما.
2- التمركز حول الأنثى، أي أن تستقل المرأة استقلالاً كاملاً عن عالم الرجال.
3- المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أي فوارق بيولوجية أو نفسية بينهما.
4- دمج المرأة في المجتمع دمجاً كاملاً، وإلزام الرجل بالعمل المنزلي.
5- ملكية المرأة لجسدها؛ وبالتالي حريتها في التصرف فيه كيفما تشاء، مع من تشاء، وقت ما تشاء.
6- إطلاق الحرية الجنسية بلا ضوابط ولا حدود (الإباحية الجنسية حق للجميع)، واعتبار العفة تخلفاً وكبتاً للحرية الجنسية.
7- اعتبار الزواج سجناً أبدياً للمرأة؛ يقطع آمالها وأحلامها، واعتبار مؤسسة الأسرة مؤسسة لقهر المرأة يجب هدمها.
8- تغير الهياكل الأسرية؛ ليتسع مفهوم الأسرة بحيث يمكن إطلاقه على “المساكنة” بين الرجل والمرأة بلا رابطة زوجية، وعلى زواج الشواذ، وليصبح الزواج المدني (الزواج مع اختلاف الأديان) مسموحاً به.
9- اعتبار الأمومة جوراً في حق المرأة؛ لأنها لا تحقق لها عائداً مادياً.
10- إباحة الشذوذ الجنسي، والمطالبة بمنح كافة حقوق الأسوياء للشواذ، ومن بينها تقنين زواج الشواذ.
ثانياً: الأفكار الأنثوية وصناعة المواثيق الدولية:
أكد د. عمارة أن 60% من أعضاء المنظمات الأنثوية في أمريكا سحاقيات، وهذه المنظمات وأمثالها في الغرب هي المسيطرة على لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، ومن خلالها تفرض شذوذها الفكري والسلوكي على العالم أجمع، وذلك من خلال المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تُصدرها الأمم المتحدة، حيث تسعى إلى إلزام الدول بتنفيذ هذه الاتفاقيات -بما تحمله من أفكار أنثوية- باستخدام العديد من الوسائل والآليات وبأشكال مختلفة من الضغوط.
ثالثاً: الحصاد المر للفكر الأنثوي:
أشار د. عمارة إلى الحصاد المر الذي جناه الغرب جراء تبني أفكار الأنثوية المتطرفة، ومما ذكره في هذا الباب أن 95% من الجنسين في السويد لديهم تجارب جنسية قبل الزواج، ليس كمجرد نزوة أو خطأ، وإنما كممارسة طبيعية ومادية تبدأ منذ التلمذة في المدارس، التي يتم فيها التدريب على الممارسة الجنسية والنشاط الجنسي.
وذكر أن ثلث أطفال إنجلترا غير شرعيين، وهم في أيسلندا 57.3%، وفي الدنمارك كانت نسبتهم 5% عام 1960 ثم ارتفعت إلى 46% عام 1990م، وقريب من هذه النسبة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وأيرلندا.
وفي إنجلترا أكثر من 50% من القتيلات ضحايا الزوج أو «الشريك»، وفي بنجلاديش والبرازيل وكندا وبابوا في أستراليا وتايلاند تمثل جرائم قتل الشريك لشريكته أكثر من نصف جرائم قتل النساء، وفي أمريكا تقتل يومياً أربع نساء بسبب الضرب المبرح بالمنزل.
رابعاً: المُتغرّبون والتمويل وعولمة الأنثوية:
كشف د. عمارة عن تبني بعض الشخصيات البارزة والكتّاب والمنظمات الأهلية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لهذه الأفكار المتطرفة، كما أشار إلى أنه في سبيل عولمة هذه الأفكار الشاذة تم استخدام التمويل لمئات المنظمات التي تُسمى «منظمات المجتمع المدني»، التي تُبشر بهذا العوج الفكري، ويحدد لها الغرب جدول أعمالها مع الميزانيات التي تمنح لتنفيذ هذا الجدول.
المحور الثاني: رد الشبهات حول نظرة الإسلام للمرأة:
وكان للدكتور عمارة دور كبير في رد وتفنيد الشبهات التي تثار حول مكانة ووضع المرأة في الفكر الإسلامي، ومن بين هذه الشبهات: ميراث الأنثى نصف ميراث الرجل(1)، شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، قوامة الرجل على المرأة، منع زواج المسلمة بغير المسلم، النساء ناقصات عقل ودين، ضرب الزوجة الناشز، تولي المرأة للقضاء، حديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، الحجاب تشريع وقتي وتاريخي، إبقاء الإسلام على العبيد والإماء، التسري بالإماء.
المحور الثالث: رؤية الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة ومشاركتها الاجتماعية:
أولاً: المساواة والتمايز بين الرجل والمرأة:
يمكن تلخيص رؤية د. عمارة لقضية المساواة بين الرجل والمرأة فيما يلي:
1- ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الخلق والإنسانية؛ فقد خلقهما الله تعالى من نفس واحدة، كما جاء الخطاب الإلهي عاماً للرجل والمرأة؛ تأكيداً للمساواة بينهما في الأهلية، أهلية حمل أمانات التكليف، وتبع ذلك المساواة في الحساب والجزاء، ولم يقف أمر المساواة عند الفروض والتكاليف «الفردية العينية»، ولكن امتد إلى أغلب فروض الكفايات أيضاً.
2- مع تقرير هذه المساواة بين الجنسين، فقد ميَّز الإسلام بينهما في توزيع بعض المهام والواجبات والأعمال بما يتناسب مع خصائص كل منهما، حيث أسند إلى المرأة -مثلاً- مهام الحمل والولادة والرضاعة ورعاية الأولاد، كما كلف الرجل بتحصيل الرزق وتلبية احتياجات الأسرة وحمايتها، وهذا لا يتنافى مع المساواة؛ ذلك أن هذه المساواة -وفقاً لتعبير د. عمارة- مساواة «الشقين المتكاملين»، وليست مساواة «الندين المتماثلين المتنافرين».
ثانياً: دوائر المشاركة بين الرجل والمرأة:
تحدث د. عمارة عن دائرتين من دوائر المشاركة بين الذكور والإناث، وهما:
1- دائرة الأسرة: وقد أسس الإسلام هذه الشراكة على عدة أسس، منها: ميثاق غليظ فطري يربط بين الرجل والمرأة، السكن والمودة والرحمة، الشورى، الحقوق والواجبات المتبادلة، توزيع الأدوار والمهام وتكاملها بينهما.
2- دائرة الأمة والمجتمع: يرى د. عمارة أن الإسلام قد شرع مشاركة المرأة في الميادين الاجتماعية التي تندرج تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تشمل تكاليف وأحكام السياسة والاجتماع والاقتصاد والآداب العامة ومنظومة القيم والأخلاق والعادات والأعراف، فكل ما تستطيعه المرأة وتطيقه فطرتها وأنوثتها من العمل العام بابه مفتوح أمامها، طالما لم يؤد ذلك إلى طمس لفطرتها وطبيعتها أو إلى مخالفة لثابت الدين.
وفصل في ضرب الأمثلة للنساء اللاتي شاركن في العمل العام، نذكر منها: أن أول من أسلم كانت السيدة خديجة، وأول شهيد في الإسلام السيدة سمية بنت خياط، وفي الهجرة للحبشة شاركت 18 امرأة مع 83 رجلاً، وشاركت في بيعة العقبة امرأتان، وأدت السيدة أسماء بنت أبي بكر دوراً كبيراً في الهجرة، وكانت لمشورة السيدة أم سلمة أثر كبير في صلح الحديبية، وأجارت أم هانئ رجلاً من بني هبيرة، وما قامت به نسيبة بنت كعب من قتال في «أُحد» وغيرها.. إلخ.
ثالثاً: الضبط الوسطي لقاعدة سد الذرائع:
يرى د. عمارة أن القاعدة الفقهية «سد الذرائع» هي الباب الواسع الذي تُعالج في إطاره قضية الاختلاط والاشتراك في العمل العام بين النساء والرجال، وأنه لا بد من ضبط تطبيقاتها من خلال الاعتصام بمنهاج الوسطية الإسلامية، مع الحذر من الغلو في الإفراط أو التفريط، وذكر أن من ضوابط تطبيق هذه القاعدة:
1- أن يكون إفضاء الوسيلة المباحة إلى المفسدة غالباً، لا نادراً.
2- أن تكون مفسدتها أرجح من مصلحتها، وليس مجرد مفسدة مرجوحة.
3- ألا يكون المنع -بعد توفر الشرطين السابقين- تحريماً قاطعاً، بل هو بين الكراهة والتحريم، حسب درجة المفسدة.
4- إذا كانت الوسيلة تفضي إلى مفسدة، ولكن مصلحتها أرجح من مفسدتها، فالشريعة لا تبيحها فحسب، بل قد تستحبها أو توجبها، حسب درجة المصلحة.
_____________
الهامش
(1) كان لحديثه حول هذا الأمر انتشار واسع وتأثير كبير في فهم فلسفة ومعايير الميراث في الإسلام لدى جموع كبيرة من الناس.