بعد انفصال باكستان عن شبه القارة الهندية، آثرت الأغلبية من المثقفين والمتعلمين وأبناء الطبقة الوسطى الهجرة لباكستان تحسباً من الاضطهاد الذي قد يعانون منه، وبقيت أقلية كبيرة تقدر حالياً بنحو 180 مليون مسلم في الهند، أغلبيتها من الطبقات المهمشة ومن العاملين في القطاع الزراعي الذين يعيشون في قرى لا تتوافر فيها المدارس ومراكز الرعاية الصحية الأولية، فانعكس ذلك كله على نمط وجودة الحياة التي تعيشها الأسرة هناك.
الكثير من الأسر المسلمة تفتقد أوليات الحياة الكريمة؛ كوجود مرحاض داخل البيت؛ مما يدفع الفتيات لقضاء حاجتهن ليلاً في الخلاء؛ وما قد يترتب على ذلك من تعرضهن للتحرش والاغتصاب، وغالباً لا يتم إبلاغ الشرطة بذلك؛ لأن الثقافة المحلية تصم الفتاة وأسرتها بالعار، هذا فضلاً عن الاغتصاب العمدي الذي تتعرض له المسلمات من أجل التهجير القسري للأسر المسلمة.
هذا المناخ القاسي يدفع بكثير من الأسر إلى تزويج الفتيات في سن صغيرة للغاية، خاصة أن فرص تعليم الفتيات شحيحة، وإن وجدت فهي تغطي المرحلة الابتدائية فقط، وفي هذا النمط من الأسر نلاحظ أن الثقافة الإسلامية لديهم تمتزج بعادات الهندوس، كما يشيع التصوف والاهتمام بالأولياء ونحو ذلك، وعلى الرغم من الخصوبة الكبيرة التي تتمتع بها الأسر في هذه الطبقات المهمشة التي تمثل أهمية كبيرة في عدد السكان المسلمين في الهند، فإن هذه الأعداد المتزايدة في ظل الفقر وضعف التعليم لا تمثل إضافة نوعية للمسلمين.
كما تعاني كثير من الزوجات الهنديات المسلمات من العمل الشاق في الحقل وقلة الحصول على الغذاء الصحي، خاصة أثناء الحمل والرضاعة، وعدم توافر خدمات صحية مناسبة، وتعاني من وطأة العادات المحلية الاجتماعية القاسية التي لا علاقة لها بالإسلام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدخل الدولة الهندية لحماية حقوق المرأة المسلمة ملغم ولا يخدم كيان الأسرة مثلما حدث مع قانون الطلاق الجديد؛ حيث ألغى الأثر المترتب على إيقاع الطلاق ثلاثاً في جلسة واحدة وفي الوقت ذاته، وفي بند ثان من القانون ذاته يعاقب الزوج الذي يوقع الطلاق ثلاثاً في جلسة واحدة بالسجن ثلاث سنوات؛ فما الفائدة التي تعود على الأسرة من حبس الزوج؟ ومن الذي ينفق على الزوجة والأطفال طيلة هذه السنوات الثلاث؟
حرب ثقافية
لا يمكن وصف الهجوم الذي تتعرض له الأسرة المسلمة في الهند بوصف أقل من «حرب ثقافية»؛ حيث تستخدم كل أدوات الحرب الخشنة والقذرة لتغيير الثقافة الإسلامية وإحلال الثقافة الهندوسية بديلاً عنها بما تحويه من أساطير وخرافات ووثنية.
وتبدأ هذه الحرب الثقافية بتغيير أسماء المدن التي تحمل دلالات إسلامية إلى أخرى تعبر عن رموز الثقافة الهندوسية، بحيث تشعر الأسرة المسلمة بالاغتراب في السياق الثقافي الجديد، وتنتقل إلى مرحلة إجبار بعض العائلات بتسمية أبنائها براما وكريشنا وغيرها من الأسماء الهندوسية الشهيرة في أجواء مشبعة بالتعصب والكراهية، مروراً بحرب نفسية تسعى لإذلال المسلمين والانتقاص منهم؛ كتلك التصريحات المسيئة التي أطلقها رئيس الوزراء الحالي «ناريندرا مودي» بعد موجة من العنف ضد المسلمين؛ حيث قال: «إنه يشعر بالحزن عما تعرض له المسلمون، كما يشعر بالحزن عند قتل الجراء عندما تدهسها السيارة»!
الحرب الثقافية على الأسرة المسلمة ونمط حياتها أو ما يطلق عليه «الهندوتفا» هي حرب أيدولوجية تسعى لترسيخ سيادة الهندوس ونمط حياتهم؛ فإما ترك المسلمين لمظاهر دينهم وإما يعاملون كأنهم أجانب على المجتمع الهندي.
أو كما قال وزير التربية والتعليم السابق «سمبورناند»: «كل من يتعصب ويروج الدين الإسلامي في المدارس، يلحق أضراراً بالهند والهندوسية؛ فعلينا أن نقضي على الإسلام في الهند لضمان التقدم إلى الأمام»!
وقد وصلت الحرب الثقافية إلى حد استخدام العنف في فرض هذا النمط الهندوسي؛ كاختطاف الفتيات المسلمات وتزويجهن عنوة بشباب هندوسي، والزواج وفقاً للطقوس الهندوسية، وإجبارهن على نطق كلمات التقدير والتقديس لآلهتهم الوثنية، وتنشئة أطفالهن على الديانة الهندوسية.
ومن صور العنف الثقافي التي تمارس على الأسرة المسلمة في الهند الحرمان من تناول لحوم الأبقار التي أحلها الله تعالى لهم؛ فمن ناحية يتم النظر لهم بصورة دونية والتنمر عليهم باعتبارهم آكلي لحوم، وأكثر من يتأثر بذلك الأطفال المسلمون الصغار والمراهقون، حتى إنه لا يسمح بتناول اللحم إلا في خمس ولايات فقط، أما بقية الولايات فقد سنت قوانين لمنع ذبح الأبقار وحيازة لحمها، وتقوم جماعة حماة الأبقار بضرب وقتل من تشتبه في أنه يحوز لفافة من اللحم أو ينقل الأبقار من قرية لأخرى خشية أن تذبح!
بين التجنيس والاغتصاب
أما أخطر ما يمكن أن تواجهه الأسر المسلمة في الهند فهو اغتصاب الفتيات من أجل إذلال العائلة المسلمة وترويعها وإخضاعها، وهي إستراتيجية معتمدة من الإرهاب الهندوسي، وما حدث للفتاة الكشميرية المسلمة آصفة بانو يوضح مدى بشاعة هذه الجرائم الهندوسية؛ فالضحية طفلة صغيرة في الثامنة من عمرها تم تخديرها واختطافها.
أما مكان الجريمة فهو معبد هندوسي، وتبدو رمزية المكان واضحة لتوصيل رسالة الهندوس.
أما المغتصبون فهم ثمانية رجال تناوبوا على اغتصاب الطفلة الصغيرة، منهم كهنة في المعبد ورجال شرطة محليون، (لاحظ أن هؤلاء الذئاب الثمانية يمثلون رموز الدين والسلطة هناك)، وبعد أن انتهوا من تمزيق الطفلة جراء الاغتصاب قاموا بخنقها ثم رجمها بحجر ضخم في رأسها ثم قاموا بإلقاء جثتها في البرية.
أما الهدف من الجريمة فهو إجبار قبيلة هذه الطفلة على الهروب من هذه المنطقة الحدودية كما اعترفوا أثناء التحقيق معهم.
أما منتهى الإجرام، فهو ما قام به الهندوس بعد ذلك من تهديد والدي الطفلة ومحاولة منع المحكمة من النظر في الدعوى، بل وتظاهر الهندوس دفاعاً عن المتهمين، حتى إن وزيراً من حزب «بهارتيا جاناتا» شارك في هذه المظاهرات متهماً المسلمين بالمبالغة والرغبة في تشويه صورة الهندوس! وأشاع بعض المتظاهرين الهندوس عن البنات المسلمات تهمة الانحلال الأخلاقي للتغطية على جريمة الاغتصاب، وهو أسلوب رخيص وقذر يستخدم في شن حرب نفسية على الأقلية المسلمة هناك.
على أن خلخلة المجتمع المسلم تجاوزت الحوادث الفردية الإرهابية إلى سن القوانين المنظمة، ومن ذلك قانون المواطنة الجديد الذي استثنى المسلمين تحديداً من الفئات التي يحق لها التجنس؛ فبموجب هذا القانون سيطالب ملايين المسلمين بأوراق ثبوتية تدلل على جنسيتهم الهندية، وهذه الأوراق لا يملكها الكثيرون؛ مما يعني حرمانهم من الجنسية مع ما يترتب على ذلك من آثار كارثية.
ولعل السبب الحقيقي الكامن وراء هذا القانون أن تكون الهند للهندوس فقط؛ فعلى الرغم من أن الهندوس يمثلون 80% من سكان البلاد، فإن معدل خصوبة المرأة المسلمة هو الأعلى، وتشير الأرقام إلى أن نسبة المسلمين الآن 14% من عدد سكان الهند، ويتوقع أن تصل في المستقبل القريب إلى 20%، رغم كل صور القمع والإرهاب الهندوسي الذي تغض الحكومات والسلطات النظر عنه، ويتم التعامل معه ببطء وبرود شديدين؛ لذلك استغل حزب «بهارتيا جاناتا» اليميني المتعصب بزعامة «ناريندرا مودي» فوزه بأغلبية كبيرة لتمرير هذا القانون التمييزي المسيء للمسلمين؛ مما دفعهم للتظاهر والاحتجاج ضده.
ومن الملاحظ مشاركة النساء المسلمات بفاعلية وشجاعة خلال هذه التظاهرات؛ لإدراكهن خطورة ما يترتب عليه من خلخلة البنية المجتمعية للمسلمين في الهند، كما نالت النساء المسلمات النصيب الأوفى من الاعتداءات الهمجية للهندوس، حتى إنهم أحرقوا عليهن المنازل وهم يهتفون بهتافات دينية، وقاموا بتمزيق ملابسهن أمام أطفالهن؛ مما أجبر أخريات على الهرب والفرار قبل أن تصل إليهن العصابات الهندوسية، وحتى الأطفال لم يسلموا من تلك الاعتداءات الوحشية للهندوس الذين كانوا يكشفون عوراتهم لمعرفة إذا كانوا مختونين أم لا؛ لأن الهندوس لا يختتنون، وبعض الأطفال المعتقلين في التاسعة من عمرهم.
يمكننا القول إذن: إن الأسرة المسلمة في الهند فوق صفيح ملتهب وصل إلى حد الاحتراق من جراء الإجرام الهندوسي المتطرف في معركة وتحديات الهوية.