“فورة الدم” في العامية نطلقها، وبشكل الخصوص أبناء القبائل، تعبيراً عن قمة فقدان الأعصاب، وعدم السيطرة على النفس ومن ثم الانحراف، وهذا يعني أن المقابل يضغط ويضغط حتى يصل بالمعنيّ إلى فقدان الاتزان، وفقدان التحمل والعقل، ومن ثم التصرفات التي لا يمكن أن يقبلها عاقل أو عقل أو إنسان سوي؛ وإن كانت هي نتيجة طبيعية أحياناً كثيرة لمن “فار دمه!”، وهذا الأسلوب يستعمله دائماً المتسلِّط على المتسلَّط عليه من أجل وصول خصمه إلى هذه الحالة، ومن ثم أخذ الإجراءات القانونية ضده من أجل الخلاص منه كلية، وذلك بعملية مدروسة ومبرمجة؛ ليصل المتسلط إلى مبتغاه تحت ذريعة أن المقابل مخالف للقانون، والعقل، والإنسانية، والمواطنة، والخلق والأعراف.. إلخ من مصطلحات يسطرها حينها المتسلط للخلاص من ضحيته المعنية.
و”فورة الدم” هذه تشبه، وبشكل كبير، المقاصد التي يحملها المثل العربي: “القشة التي قصمت ظهر البعير”.
وهذا الأسلوب كثيراً ما نراه يتكرر في تعامل حكومات عديدة عربية وغيرها؛ وما الثورات والثورات المضادة عنا ببعيدة؛ مشهداً ومعايشة، واليوم نتابع ونشاهد نتائج هذه الحركة “فورة الدم” في الولايات الأمريكية.
نعم أيها القارئ الكريم، بعد مرور يوم على مقتل المواطن الأمريكي أسمر البشرة جورج فلويد الذي يبلغ من العمر 46 عاماً، انطلقت المظاهرات؛ بل الفوضى بكل معنى الكلمة، وهذه الفوضى ما هي إلا دليل على أنها “فورة الدم” وفقدان الاتزان والعقل بعد صبر طال، وانتظار إصلاح مفقود، وتكرار ما حصل بتقصّد وإصرار!
نعم.. “فورة الدم” وهي التي ستقصم ظهر البعير، ولكنْ أي بعير منهم الضحية؟ الله أعلم.. هل ستؤدي “فورة الدم” هذه إلى زيادة الضغط على أهل البشرة السمراء في أمريكا، أم أنها ستكون آثارها السلبية على ترمب وحزبه وحكومته، ومن ثم تداعيات وظلال وسلبيات غير متوقعة تحصل في أمريكا عموماً؟!
أيضاً، هناك مقولة تقول: “ما ضاع حق وراءه مْطالب”.
نعم.. والمطالبة لا تستطيعها الشعوب إلا بوجود الحرية، الحرية تتيح للإنسان التعبير عن شكره وحمده، وتتيح له أيضاً وبنفس القوة التعبير عن ضيقه وضجره، وهذه الحرية هي التنفيس للإنسان حتى لا يصل إلى “فورة الدم”، وكبار السن عندنا دائماً يذكروننا في الأولاد بقولهم: “اتركه يقول سره لا يكتمه ويذِّيه”.
والحرية إذا لم يكن لها مناهج ولوائح وقوانين تهذبها وتبين خطوطها ومسيرتها على المستوى الفردي والكتلي الجماعي؛ شرعاً وأخلاقاً وأعرافاً أيضاً، تكون حرية خارجة عن إطار العقل والمنطق والشرع والأخلاق، كما نشاهدها كردود فعل في الشارع الأمريكي اليوم، وهي لا تدل إلا على عدم وجود تهذيب خلقي أو شرعي بالفعل يجاري هذه الحرية ويهذبها تربية وتعاملاً في السراء والضراء لعدم فلتان الأمر عند المواقف الصعبة والمصائب.
نستفيد مما يحدث في أمريكا وعدم قدرة السيطرة؛ أن الإنسان حينما يصبر على الظلم حتى مرحلة الذل وتكراره، فلا يعني هذا أنه صاحب صبر وصواب، فالصبر المتكرر على الظلم يوصل في النهاية إلى تراكم الأمرين الخطيرين.
الأمر الأول: تداعي الظلم وترسيخه، وشعور الظالم بالقدرة والقوة التي من السهل هزيمة المقابل له، وأن المقابل لا يستحق التواضع له والتشنيف سماعاً لرأيه ولطلباته؛ ومن ثم تضخيم التسلط ظلماً وصفّه في مصاف الحق، بل الحق المكتسب بالنسبة! وأن الظلم هو الحق والصواب، والخروج عليه بدعة، ومن ينكر على الظالم يكون غير جدير بالمواطنة؛ وسيكون عند هذه النوعية مسخوطي العقل الإنسانية أنه ليس جدير بالحياة في هذا البلد أو الوطن أو ذاك، ويكون في نظرهم من الخوارج على القانون والأعراف والأخلاق!
الثاني: لا يقل خطورة عن الأول “الذل المبالغ فيه باسم الصبر” للظالم والظلمات، والظالم يبذر في المظلوم مع مرور الزمن الحقد باسم الإصلاح، الحقد الذي لا يبقي ولا يذر؛ نعم “صبر حتى الذل” ومن ثم ساعة الصفر لحظة الانفجار التي لا تبقي ولا تذر، ولا ترقب خلقاً ولا شرعاً ولا عرفاً، وهذه المسألة اليوم تعمل لها وتصنعها منظمات عالمية؛ وذلك بنشر الفساد الكبير في كثير من دول العالم العربي وغيره للوصول إلى هذا الانفجار الذي لا يبقي ولا يذر، وذلك من أجل صناعة المراحل الجديدة بالنسبة لهم كمنظمات عالمية، وما كانت هذه الحركة في أمريكا وليدة مقتل السيد المقتول جورج فلويد، بل هي “فورة دم” بعد تراكمات متكررة، فتكونت القشة التي ستقصم ظهر البعير “ترمب وحزبه” وأمثالهم بإذن الله تعالى.
______________________
(*) إعلامي كويتي.