«أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سِلَفة، الحافظ الكبير، أبوطاهر بن أبي أحمد السِّلَفي، الأصبهاني، الجرْوَآني.
كان حافظاً جليلاً، وإماماً كبيراً، واسعَ الرحلة، دَيِّناً، وَرِعاً، حجة، ثَبْتاً، فقيهاً، لغوياً، انتهى إليه علوُّ الإسناد، مع الحفظ والإتقان.
قيل: مولده سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تخميناً، لا يقيناً.
وقد طلب الحديث، وكتب الأجزاء، وقرأ بالروايات في سنة تسعين وبعدها.
وحكى عن نفسه أنه حدّث سنة اثنتين وتسعين، وما في وجهه شعرة، وأنه كان ابن سبع عشرة سنة أو نحوها.
ثم رحل في رمضان، سنة ثلاث وتسعين، إلى بغداد، وأدرك نصراً بن البَطِر.
وسمع ببغداد أيضاً من أبي بكر الطُّرَيْثيثي، وأبي عبدالله بن البُسْرِي، وثابت بن بُندار، والموجودين بها إذ ذاك، وعمل «معجماً» لشيوخها.
ثم حجّ، وسمع في طريقه بالكوفة، من أبي البقاء المُعمَّر بن محمد الحَبَّال.
وبمكة، من الحسين بن علي الطَّبَرِي، وبالمدينة من أبي الفرج القَزْوينيّ، وعاد إلى بغداد فتفقَّه بها، واشتغل بالعربية، ثم رحل إلى البصرة سنة خمسمائة.
قال شيخنا الذهبي: لا أعلم أحداً في الدنيا حدَّث نيِّفا وثمانين سنة سوى السِّلَفِي.
تفقَّه السِّلَفي على إلكِيا أبي الحسن الطَّبري، وفخر الإسلام الشاشي، ويوسف بن علي الزَّنْجانِيِّ.
وأخذ الأدب عن أبي زكرياء التِّبْريزِي، وغيره.
وقرأ القرآن بالروايات.
ذكره ابن عساكر، فقال: سمع ممن لا يُحصَى.
وقال ابن السَّمْعاني: هو ثقة، ورع، متقِن، مثبت، حافظ، فَهِم، له حظٌّ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه.
وقال الحافظ عبدالقادر الرُّهَاويّ: سمعت من يحكي عن الحافظ ابن ناصر، أنه قال عن السِّلَفِيّ: كان ببغداد كأنه شعلةُ نار في تحصيل الحديث.
قال عبدالقادر: وكان له عند ملوك مصر الجاهُ والكلمة النافذة، مع مخالفته لهم في المذهب، وكان لا تبدو منه جَفْوةٌ لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماءً، ولا يبصُق، ولا يتورّك، ولا يبدو له قدَم، وقد جاوز المائة.
قال عبدالقادر: وكان آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أزال من جوارِه منكرات كثيرة.
وقال ابن نُقْطَة في السِّلَفِيّ: كان حافظاً، ثقة، جوَّالاً في الآفاق، سآلاً عن أحوال الرجال، شجاعاً.
تُوفِّي صبيحة يوم الجمعة، الخامس من شهر ربيع الآخر، سنة ست وسبعين وخمسمائة فجأة، وله مائة وست سنين، على ما يظهر.
ولم يزل يُقْرَأ عليه الحديث إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته، وهو يرد على القارئ اللحنَ الخفِيَّ، وصلى يوم الجمعة الصبحَ عند انفجار الفجر، وتُوُفِّيَ عقِيبَه فجأة»(1).
الفوائد الإيمانية والتربوية:
– الصفات الإيمانية من الخوف من الله تعالى والورع وغيرها تعين العالم على طلب العلم وإتقانه والتحمل من أجله.
– كانت الرحلة في الآفاق والتنقل في الأقطار وسيلة من وسائل طلب العلم لدى علمائنا الأفذاذ؛ ولذا بارك الله في علمهم إلى يومنا هذا.
– طلب العلم من الصغر له بالغ الأثر في رسوخ قدم العالم وتميزه طوال حياته، وهذا ما يجب أن يحرص عليه المربون.
– كثرة الشيوخ الذين يتلقى عنهم العالم العلم والخلق والسمت الحسن رصيد قوي في تكوين متانة العلم ورصانته وقوته لدى العالم وصياغته لشخصيته.
– كان العلماء آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر مقيمين لحدود الله تعالى لشعورهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم ولخوفهم من سؤال الله تعالى وحسابه يوم القيامة.
– كان العلماء يتدارسون العلم حتى آخر رمق من حياتهم فيُرزَقون حسن الخاتمة.
والحمد لله رب العالمين
______________________________________
(1) عبدالوهاب بن علي السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج6، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو، محمود محمد الطناحي.