انطلقت، أمس الأربعاء، في السودان مظاهرات شعبية ضد الحكومة التي يرأسها عبدالله حمدوك بعد أشهر من الانقلاب العسكري على نظام البشير، وتشكيل حكومة ذات مجلس سيادي عسكري مدني برئاسة عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني.
إذ فشلت الحكومة ومجلس السيادة في إحداث أي تقدم في مجال التنمية والإنقاذ الاقتصادي للبلاد، ويواجه السودان احتمالات الانهيار الاقتصادي بسبب العجز المالي والظروف الاقتصادية والتدخلات الدولية في ظل جائحة كورونا وتهالك المنظومة الصحية للبلاد.
وقد تحركت حشود من المسيرات الشعبية التي تعتصم أمام مقر قيادات الجيش السوداني بسبب سياسة الحكومة في إقالة عدد كبير من موظفي الدولة، ومصادرة الكثير من الشركات والأملاك لأشخاص لم يقدم فيها محاكمات عادلة، ودون إذن من النائب العام في السودان، عدا ما تم من إقالة آلاف الموظفين العاملين في الحكومة تحت إطار الخدمة المدنية في الأشهر السابقة تدعي الحكومة أنها تعيينات نفعية.
بالإضافة إلى أن وزير المالية اتخذ قراراً فردياً بزيادة رواتب العاملين في الحكومة بما يعادل أكثر من 550 ضعفاً من الراتب! دون وجود ميزانية مالية حقيقية، فقد تم دفع رواتب موظفي الدولة شهراً واحداً ثم عجزت الحكومة عن دفع راتب الشهر الذي يليه؛ مما أوقع الحكومة والناس في مشكلة كبيرة.
ولكن مما فجر الوضع بشكل أكثر هو ما سماه معارضو الحكومة بـ”الخديعة للشعب السوداني”، وهو قيام رئيس الحكومة حمدوك منفرداً بتوجيه من البريطانيين بإرسال خطاب إلى لجنة الأمم المتحدة بوضع السودان تحت بندي “الفصل السادس” و”الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة؛ حيث إن حفظ السلم والأمن الدولي معرض للخطر في السودان، وإن السودان يقع تحت تهديد السلم والعدوان، واستطاع أن يمرر هذا الطلب عن طريق عاجل، وخلال ثلاثة أيام تمت الاستجابة للطلب وعرض الأمر على مجلس الأمن.
عندما اتضح الأمر، اجتمع مجلس الأمن القومي، ورفض الخطاب، وأرسل خطاباً بديلاً، هو الذي تم اعتماده من مجلس الأمن.
لذلك، فالجيش أحس بالخديعة لوضعه تحت القوى الأممية والسيطرة على قيادة الجيش السوداني.
لذا، فإن الوضع المعيشي والاجتماعي والسياسي والأمني قابل للانفجار، وتأتي المسيرات، أمس الأربعاء 10 يونيو 2020م، تعبيراً عن إرادة المعارضة لسياسات الحكومة التي لا تعبر عن حاجيات المواطنين ولا إرادتهم الوطنية.
وتواجه الدولة احتمالات الانهيار الشامل؛ إذ إن السودان يعاني أزمة في الوقود والكهرباء والماء والديزل والغاز والغذاء، والحكومة لم تنجز أي نجاح في هذا المجال خصوصاً مع عدم وجود مخزون إستراتيجي للدولة.
لقد أتت جائحة كورونا واستغلت الحكومة تمديد فترات الحظر من أجل عدم تحرك الجماهير والشعب السوداني ضد الحكومة، وبمجرد رفع الحظر فإن الجماهير السودانية تحركت وملأت الطرقات وأغلقت الكباري وعملوا المتاريس واتجهوا إلى مقر القيادة السودانية.
جبهة الحكومة
منذ أيام، حدث خلاف بين مكونات تجمع المهنيين السودانيين، وحدث انشقاق كبير في هذا التجمع، وقد أقر هذا التجمع بفشل الحكومة وفشل الثورة في تحقيق أهدافها واعتذروا للشعب السوداني، حيث إنهم يدعون أن الحزب الشيوعي قد سرق الثورة واستأثر بالأغلبية في الحكومة والمناصب الجديدة والتعيينات.
وهذا التجمع هو الأساس الرئيس للثورة، ووعاء الشباب السوداني الذي سعى للتغيير.
أما مجموعة الأحزاب، وهي مجموعة من الأحزاب الكبرى والأحزاب اليسارية والحزب الشيوعي، فقد حدث بينهم خلافات، واستطاع الحزب الشيوعي بخبرته وتكتيكاته المناورة أن يستأثر بالحكومة والمناصب؛ مما أدى إلى تفكك هذه الجبهة.
الجيش السوداني
يتمثل الجيش السوداني في مجلس السيادة، حيث بدأت الخلافات تكبر فيما بينه وبين مدنيي الحكومة، وقد أصيب الجيش بصدمة كبيرة نتيجة الخديعة التي مني بها بسبب محاولة وضعه تحت إمرة وهيمنة القوة الأممية، لكن ما زال المجلس العسكري تحت إمرة عبدالفتاح البرهان الذي لديه تميز من العلاقات مع الإمارات، في حين أن حميدتي، نائب الرئيس، لديه مصالح مع الإمارات، ولموقفه في دعم التحالف في اليمن كذلك، مع ضعف أعضاء المجلس العسكري لمواجهة التغول على السلطات السيادية الوطنية للسودان، ليظل مجلس السيادة تحت سيطرة المتغيرات الدولية والتدخلات الإقليمية؛ بما انعكس سلباً على معنويات الوطنيين في الجيش السوداني؛ مما ينبئ بعدم استقرار السودان.
كما أن حميدتي لم يستطع التوصل إلى حلول مع القوى المسلحة التي تحارب الدولة في جوبا، وأنها مدعومة خارجياً، وأن هدف هذه الجماعات السيطرة على مناطقها دون الالتزام بالدولة، ولم تتوصل هذه القوى بالتفاهم مع الحكومة السودانية.
فهل السودان مقبل على ثورة شعبية جديدة، أم تغيير عسكري داخلي تصحيحي؟