ترجّل من سيارته منطلقاً نحو ذاك الصندوق.. الصندوق الذي كانت ترقد فيه أمٌّ كويتية أنهكها المرض وأطبقت عليها الغربة، فأسلمت الروحَ لباريها مؤمنةً محتسبةً صابرة.
كان أول من أمسك بنعشها بسكينة ووقار، وبعد أن صلينا عليها ودعونا لها، بادر ثانيةً إلى ركنٍ من ذلك النعش فحمله على كتفه حتى استقرّ في قبرها، ثم عَمِدَ إلى المجرفة وشَرَعَ يهيلُ الترابَ عليها بهمةٍ وعزيمةٍ فاقت سواعدَ الشباب غير مُبالٍ ببدلته السوداء، ثم أسلم المجرفة بوقار لمَن بعده في مشهدٍ مهيبٍ في غاية من التناغم والجمال.
كان في المكان جمعٌ من الشباب الكويتي، تداعَوا لمؤازرة أخوَيهم المكلومَيْنِ محمد، وسلمان العجمي، وقد أذهلني ذاك الرجل القعيد رغم إصابته البليغة في رجله وصعوبة التنقل بكرسيّه المتحرك، إلا أنه لم يجد لنفسه عذراً للتأخر عن الواجب، وليس بأغرب منه ذلك الشاب الذي غطّت ضماداتُ العملية الجراحية ملامحَ وجهه، والذي أبى إلا أن يشارك أخويه في مصابهما الجلل، فأيقنتُ ساعتها أنّ الإنسانية صناعة كويتية بامتياز.
إنها ملحمة الترابط الاجتماعي الكويتي؛ ذلك المجتمع الذي لا أنفك إلا أن أزداد به حباً وإعجاباً وتقديراً حتى تمنيتُ لو كنتُ كويتياً، فهنيئاً لكم يا أهل الكويت هذه المناقب الحميدة والخصال الرشيدة التي عزّ مثيلها في باقي المجتمعات.
عن سعادة السفير الكويتي لدى فرنسا أحدثكم، وكل طاقم السفارة الذين لبّوا نداء الواجب فكانوا مضرب الأمثال، فتحية إجلال وإكبار لكم جميعاً أيها الكبار، وتعازينا الحارة لأسرة الفقيدة وضحة بنت راشد العجمي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
___________________________________
(*) نائب رئيس المركز الإسلامي بمرسيليا – فرنسا.