تمثل الكويت حالة رائدة في رفضها التطبيع مع الكيان الصهيوني منذ تغلغل هذا الاحتلال في جسد الأمة؛ حيث أعلنت من البداية التزامها؛ رسمياً وشعبياً، بمقاطعة هذا الكيان في ظل الوضع العربي المتردي.
تعود بداية حركة المقاطعة في الكويت إلى القانون (21) لسنة 1964م «الذي يحظر حيازة وتداول السلع الصهيونية بكل أنواعها»، وقد تم إقرار القانون من كل الوزراء والنواب الحاضرين بدون أي امتناع أو اعتراض، وفقاً لما جاء في المضبطة رقم (55)، في جلسة مجلس الأمة، بتاريخ 9 مايو 1964م.
بيد أن تاريخ المقاطعة الشعبية للكيان الصهيوني أقدم من هذا القانون، إذ إن المساهمة الشعبية في مقاطعة الكيان الصهيوني سبقت المؤسسات الرسمية في الكويت؛ ففي عام 1957م تأسس مكتب مقاطعة «إسرائيل»، وأدى التلاحم بين المؤسسات الحكومية والمنتخبة والشعب إلى بيئة مساندة لمقاطعة الكيان الصهيوني في دولة الكويت.
وجاء في كتاب «المجتمع المدني والحركة الوطنية في الكويت»، للدكتور فلاح المديرس، الصادر عن دار قرطاس للنشر عام 2000م، أن هناك العديد من اللجان التي شكلت للمقاطعة الشعبية للكيان المحتل، ومنها «لجنة كل مواطن خفير» التي شكلت بمبادرة من «النادي الثقافي القومي» ذي الصلة الوثيقة بالقوميين العرب في الكويت، إذ أدى النائب السابق أحمد الخطيب، أحد مؤسسي حركة القوميين العرب، دوراً بارزاً في تأسيس هذا النادي.
كما نجح رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون في طرد الكيان الصهيوني من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، حينما كان رئيساً للاتحاد عام 1976م، وقدم باسم الاتحاد مشروع قرار بطرد الكيان الصهيوني من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
حالة استثنائية
ولم تغير الكويت نهجها المبدئي من التطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أن هناك العديد من الدول العربية التي قامت بذلك، بل واستقبلت وفوداً رياضية وسياسية تابعة للكيان المحتل؛ ما جعل مؤسس حركة مقاطعة الاحتلال وفرض العقوبات عليها، عمر البرغوثي، يصف الكويت بالحالة الاستثنائية في هذه المقاطعة الرسمية والشعبية في ظل الوضع العربي المتباين.
وقد نفى نائب وزير الخارجية خالد الجارالله، في أكثر من موقف وتصريح سابق له، نفياً قاطعاً وجود أي خطوات كويتية للتطبيع، وأكد أن الموقف الكويتي واضح منذ أن أعلنه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، بأن الكويت ستكون آخر دولة تطبع، وبيَّن حينها أن الأصوات المنادية بالتطبيع مع الاحتلال فردية، ولا تمت بصلة إلى الموقف الرسمي.
وفي يونيو من العام الماضي، شدد الجارالله على أن رفض بلاده التطبيع مع الاحتلال من الثوابت الكويتية للتعامل مع القضية الفلسطينية، مؤكداً رفض التطبيع ما لم تتحقق استحقاقات أساسية تلبي مطالب الشعب الفلسطيني، ولفت إلى أن موقف الكويت ثابت في دعم السلطة والشعب الفلسطينيين لتحقيق مطالبهما الشرعية، مشيراً إلى أن «تلك القضية هي القضية المركزية الأولى للأمة العربية».
كما دعا مجلس الأمة الكويتي حينها إلى مقاطعة أعمال مؤتمر المنامة التي دعت لها الولايات المتحدة كتمهيد لـ «صفقة القرن» ضمن خطتها للسلام لحل الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني.
كما رفض المجلس حينها كل ما أسفر عنه المؤتمر من نتائج من شأنها أن تساهم في تضييع الحقوق العربية والإسلامية التاريخية في فلسطين المحتلة، مؤكداً أن الكويت كانت تاريخياً مناصرة على الدوام للحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني، مبينين أن التطبيع مع الكيان الصهيوني مناهض للثوابت والمواقف والتشريعات الكويتية.
موقف ثابت
كان الموقف الشعبي الكويتي الذي عبرت عنه النخب السياسية والتجمعات النقابية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة مراراً وتكراراً رافضاً رفضاً قاطعاً لأي محاولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد تجلى الموقف الرسمي والشعبي الكويتي في العديد من الفعاليات التي قالت بكل بوضوح: «لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وموقف الكويت ثابت لن يتغير، والتطبيع مرفوض»، وعكست مواقع التواصل الاجتماعي الموقف نفسه، معبرة عن الضمير العربي المكبوت، في ظل الأوضاع المتردية في الوطن العربي، مستفيدة من مساحة الحرية المكفولة في دولة الكويت.
ولا يزال موقف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق علي الغانم في اجتماعات البرلمان الدولي بروسيا حينما طرد الوفد الصهيوني ماثلاً للأذهان، وهو الموقف الذي حظي بإشادة من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، وتقدير الشعوب والسياسيين العرب.
وقد رفض عدد من النواب التطبيع مع الكيان المحتل، حيث قال النائب الكويتي أسامة الشاهين، في تصريحات مصورة: الكويت عصية على التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ سواء الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي.
وقال الشاهين: منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومنذ البدايات الأولى لنشاط العصابات الصهيونية قبل قيام دولة الاحتلال، كان الشعب الكويتي يرفض الاحتلال، ويتضامنون مع الحقوق العربية والإسلامية سواء في فلسطين أو غيرها.
وقال النائب محمد الدلال: إذا كان عندنا احترام لتراث الأجداد لوجدنا أنهم في الأربعينيات اجتهدوا وسعوا إلى دعم القضية الفلسطينية، ومن يعتقد أنه كيان الوضع الراهن الذي يجب الاعتراف به فهو واهم؛ لأنه سرطان يريد أن يقضي على الأرض العربية والفكر الإسلامي، ويجب أن ننبه بذلك أولادنا، والمسألة أبعد من «صفقة القرن».
وشهد العقد الأخير العديد من المواقف المشرّفة من رياضيين كويتيين رفضوا اللعب ضد أي رياضي من الكيان الصهيوني، معلنين انسحابهم، رافضين بذلك الاعتراف بالاحتلال ورياضته.
ففي عام 2012م، انسحب بطل تنس الطاولة للمعوقين، الكويتي عوض الحربي، من نصف نهائي بطولة رومانيا المفتوحة، رافضاً مواجهة منافسه الصهيوني «جيفا ليران».
ميادين الرياضة ضد التطبيع
وفي السياق نفسه، تصدر الكويتيون المشهد الرافض للتطبيع، وخصوصاً في العام 2018م، ففي منافسات بطولة «بيزا» الدولية للمبارزة، التي أقيمت في إيطاليا، انسحب اللاعب الكويتي فهد البستكي من دور المجموعات للبطولة، بعد علمه أنه سيواجه أحد اللاعبين «الإسرائيليين».
وفي العام نفسه، انسحب لاعب نادي السالمية والمنتخب الوطني في التنس الأرضي، عبدالحميد محبوب جمعة، من بطولة «الفيتشرز» العالمية، وأعلن لاعب ألعاب القوى، صالح الحداد، انسحابه من بطولة «كأس فلندرز» البلجيكي، بسبب مشاركة لاعب «إسرائيلي» في مسابقة الوثب الطويل.
كما رفض اللاعب الكويتي الأولمبي، عبدالعزيز الشطي، مواجهة الصهيوني «بسكين جورجي» في بطولة العالم للمبارزة في سويسرا، وقرر عبدالله العنجري الانسحاب من بطولة العالم في لعبة الجوجيتسو بولاية لوس أنجلوس، رفضاً لنتائج القرعة التي وضعته في مواجهة لاعب صهيوني.
وفي العام 2019م، انسحب لاعب نادي الشباب ومنتخب الكويت للجودو، حبيب السبتي، من بطولة روما الدولية بعد معرفته بوجود 3 لاعبين من الكيان الصهيوني معه في الفئة نفسها.