تسارع الأطراف الليبية الفاعلة الخطى نحو الجزائر بحثاً عن وساطة فاعلة في حلحلة الوضع المتفاقم ببلادها، حيث حل، أمس السبت، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج في ضيافة الرئيس عبدالمجيد تبون على رأس وفد رفيع.
وجاءت الزيارة عقب أيام قليلة من استقبال مماثل حظي به رئيس مجلس النواب الليبي (طبرق) عقيلة صالح عيسى.
وقال بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية: إن تبون جدد خلال المناسبتين “موقف بلاده الثابت والداعي إلى الحوار بين الأشقاء الليبيين من أجل التوصل إلى حل سياسي، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان سيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية بعيداً عن التدخلات العسكرية الأجنبية”.
يأتي ذلك بالتزامن مع تصريح مثير أدلى به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بقوله: “إن أي تدخل مباشر لمصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية”، في حين سبق أن أعلن، مطلع يونيون الجاري، عن “اتفاق يهدف إلى ضمان تمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاثة في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلزام كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها”، على حد تعبيره.
هذا التزامن في الأحداث والمواقف يطرح -برأي مراقبين- عدداً من التساؤلات بشأن دلالة توقيت الزيارة المفاجئة التي قادت فايز السراج إلى الجزائر؟ وما علاقتها بمجيء عقيلة صالح قبله بأسبوع، وما إذا كان الأخير يسعى إلى حشد الدعم لرؤيته على حساب مبادرة السيسي الأخيرة، التي يعتبرون أنها لا قيمة لها كون النظام المصري وسيطاً غير محايد بين طرفي النزاع من وجهة نظرهم، فهل تملك الجزائر المقومات لممارسة دور الوسيط المحايد في هذه الأزمة؟
وشدد عبدالمجيد تبون في آخر لقاء مع الصحافة الجزائرية على أن بلاده أولى بحل الأزمة الليبية، وأنها كانت على استعداد لاستضافة حوار ليبي- ليبي.
كما كشف الرئيس الجزائري أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفايز السراج لم يعترضا على وساطة الجزائر، مؤكداً أنه ليس لديه إحراج في التعاون مع مصر وتونس لإنهاء الأزمة في ليبيا.
وساطة مع وقف التنفيذ
وعن فرص نجاحها في هذه المهمة الدبلوماسية المعقدة، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة البليدة محسن خنيش: إن “الجزائر تحاول ممارسة دور الوسيط الإيجابي بين الفرقاء الليبيين منذ اندلاع ثورة 17 فبراير وحتى أثناء الحرب الأهلية بعد عام 2011، موضحاً أن فكرة الوساطة الجزائرية التي ترحب بها كل الأطراف الليبية “تقوم على مبدأ حل ليبي- ليبي وبدون تدخل أجنبي، وأن الليبيين وحدهم من يمكنهم حل مشكلاتهم بوقف إطلاق النار وتفعيل الحلول السياسية”.
وأضاف أن “تحول ليبيا إلى مسرح عمليات حربية بالوكالة قوض الوساطة الجزائرية، كما أن موقف الجزائر على عقلانيته وحياده لا يحظى بقبول كل الأطراف الداعمة للمقاتلين المحليين رغم شبه التوافق في برلين على نبذ العنف واللجوء إلى القتال المباشر”.
وقال خنيش، في حديث لـ”الجزيرة نت”: “إن الأحداث أثبتت عكس ذلك”، ويبدو برأيه أن “حرب الوكالة بين تركيا ومصر ستستمر برعاية شركائهم الدوليين والمحليين على حساب الأمن القومي الليبي، الذي يقوض بدوره الأمن الإقليمي ويمس المجال الحيوي الجزائري، لتبقى الوساطة الجزائرية في ليبيا متوقفة على الانخراط الفعلي للقوى الدولية في بناء السلام في ليبيا وجدية الليبيين في وقف إطلاق النار والدخول في مسار الحل السياسي”.
وأضاف خنيش أن الجزائر تريد الحسم من الليبيين أنفسهم، وهو شرط أساسي في نجاح أي وساطة، حيث عليهم الكف عن طلب الإسناد الخارجي والقبول بالجلوس على طاولة الحوار، حينها يمكن للجزائر أن تكون مساعداً ووسيطاً في بناء السلام الليبي، أما إذا ظل الليبيون يستنجدون بالقوى الإقليمية والدولية والاستناد إلى قواهم العسكرية بدل السياسية، فإن ذلك سيجعل من الوساطة الجزائرية في مهب الريح، على حد توصيفه.
وأوضح المتحدث أن هناك ازدواجية في المواقف تبعاً للتطورات الميدانية، لكون كل الفرقاء الليبيين يرحبون بالوساطة الجزائرية كسبيل لوقف الحرب الأهلية، لكن في نفس الوقت يرحبون بالدعم العسكري لأطراف إقليمية أخرى.
ومع ذلك، اعتبر خنيش أن الجزائر استطاعت الوقوف بنفس المسافة من جميع الفرقاء الليبيين، رغم أنها تدعم الشرعية الدولية في ليبيا، مما يؤهلها للقيام بدور الوسيط بجدارة، لكن “الدعم العسكري الذي تقدمة بعض القوى الإقليمية للأطراف الليبية يطيل عمر الحرب الأهلية ويعيق الوساطة”.
أوامر باريس
من جهة أخرى، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر إسماعيل معراف أن بلاده ليس بإمكانها أن تمارس دور الوسيط الفاعل والإيجابي، وذلك لكون الملف الليبي لم يعد يتبع الأجندة الإقليمية، حيث “أصبح أكثر انخراطاً في مخططات الدول الكبرى التي سبقتها في الاهتمام به، وعليه فإن الجزائر ومصر ليستا سوى لاعبتين بالوكالة لصالح برامج خارجية”.
وأكثر من ذلك، فقد اعتبر معراف، في حديث لـ”الجزيرة نت”، أن الجزائر لا تحظى بقبول من طرف القبائل والعشائر الليبية بسبب وقوف النظام الجزائري مع سلطة القذافي وعدم تأييده ثورة الشعب الليبي.
وأضاف أن “عدم تجانس الجبهة السياسية الداخلية التي تؤثر حتماً على هذا الدور وتجعل الجزائر لا تقدم إلا الشو الإعلامي فقط، أي محاولة تطبيق ما تأمر به باريس فقط” وفق كلامه.
غير أن معراف عاد وشدد في الأخير على أن “الجزائر لن تنخرط في أي مسعى قد يترك آثاره مستقبلاً، وهي دوماً تبقى وفية لفكرة العزلة الإيجابية كما تدعي، حيث تنتظر المبادرات الخارجية”.
_________________________
المصدر: “الجزيرة.نت” (بتصرف يسير).