تنسحب الحيوية وتضطرب المشاعر ويمتلئ العقل بالانزعاج الممتزج بالغضب أو بالخوف وأحياناً الضيق، وتتراجع السيطرة على ردود الفعل؛ فنثور لأتفه الأسباب، ونبدو كسلك كهرباء غير مغطى يتسبب بالأذى لمن يقترب منه ويلمسه ولو دون تعمد.
هذا بعض ما يفعله المزاج السيئ ونخسر بالاستسلام له؛ فتتأثر بالسلب تعاملاتنا الاجتماعية، فلن نحسن التصرف، وسنكون أكثر تحفزاً ورغبة لتضخيم أي مشكلة، وأقل تسامحاً، وأبعد عن المرونة، وستتراجع طاقاتنا بالعمل، وقد يصل الأذى –لا قدر الله- لصحتنا النفسية والجسدية؛ والأولى يؤدي السماح له بالإقامة باعتياد العصبية ونفاد الصبر والقلق لنمنحهم إقامة بحياتنا بدلاً من طردهم.
أما الصحة الجسدية؛ فالرضوخ لها يرشح للإصابة بالأمراض النفسية والعضوية، بالإضافة لارتفاع ضغط الدم وقرح المعدة وغيرها.
مواجهة واحتضان
يشبه المزاج السيئ الرمال الناعمة المتحركة؛ كلما تأخرنا بالقفز بعيداً عنه؛ سارع بالتهامنا وإلقائنا بجوفه، إذا لم نواجهه لنعرف أسبابه للانتصار عليه ولتعزيز قدرتنا على الوقاية منه والتنبه لجولاته القادمة فلن نمنع زياراته البغيضة، ولكننا نستطيع تقليل أضرارها والاستفادة منها باكتشاف عيوبنا ونقاط ضعفنا، ثم نتعامل معها بوعي وبرحمة، فلا نبررها ولا نجلد أنفسنا، بل نحتضن أنفسنا بحب واحترام، ونمنح أنفسنا التعاطف الذكي بلا رثاء للذات، ثم نهمس لأنفسنا بأن كل شيء في طريقه للتحسن بمشيئة الله اللطيف بعباده.
ينشأ المزاج السيئ لعدة أسباب، ربما لسماعنا كلمات لم نتوقعها من المقربين أو زملاء، فتعكر الصدمة المزاج، وهذا طبيعي، ولا يجوز لوم النفس عليه مع ضرورة المسارعة باستعمال «الفرامل»؛ أي المكابح لمنع سيطرته، ولنتذكر أن هذه الكلمات كما تؤلمنا فإنها نعمة ومفيدة؛ لأنها تنبهنا إما لخطأ فعلناه وتسبب بها، أو تفضح سوء نوايا البعض وهذا مكسب وإن بدا كخسارة مؤقتة، فلنركز على المكاسب ونقلل التفكير بالخسارة لنساعد أنفسنا على التعافي السريع.
وقد يأتي بعد نوم مضطرب؛ لأننا قبل التوجه للفراش استغرقنا بالتفكير بمشكلاتنا واصطحبناها معنا طوال الليل؛ فاستيقظنا بمزاج سيئ وجسد مرهق وعقل منهك، والحل عندئذ بالمسارعة بكتابة ما يؤلمنا ويضايقنا ثم قراءته بصوت لإفراغ المزيد من الشحنات، ثم ننصح أنفسنا كما سننصح الصديق المقرب لتحسين الأمور، مع الاسترخاء والاستحمام بماء دافئ والوقوف باعتدال وترك الماء يغمر الرقبة والكتفين لأنهما من مناطق الاحتفاظ بالتوتر، ثم تناول كوب من الليمون المحلى بالعسل، وتدليك لطيف للوجه بالتربيت عليه بهدوء وإغماض العينين وتدليك المنطقة بين الحاجبين والجبهة بلطف لجلب الاسترخاء.
قد يتعكر المزاج للإحباط أو لطول انتظار أمر يهمنا؛ ولا تُنكر على نفسك الضيق، واسترح قليلاً وشاهد شيئاً تحبه، أو تناول طعاماً مفضلاً ببطء، وضع عطرك الخاص، وارتدِ ملابس أنيقة، واكسر الدائرة اللعينة؛ أي الاسترسال بالضيق، وقم بتمثيل السعادة وستأتيك راغمة، وتفاءل بالخير وستجده بمشيئة الله.
ومن مسببات سوء المزاج بعض الأشخاص وكلامهم السلبي وتعبيراتهم المحبطة وجلساتهم السخيفة، وهؤلاء يجب الفرار منهم –ما استطعنا- أو وضع مسافات نفسية تمنع امتصاصنا لسمومهم، وبعدم التركيز مع كلامهم، وتجنب النظر لوجوههم التي تنقل طاقات ضارة تسلب المزاج الجيد، وعندما نغادرهم نشكر الله ونحتفل بخلاصنا منهم، ولا نهدر ثانية بالتفكير عنهم.
من النصائح الخاطئة الاتصال أو البحث عن صديق لطيف وسعيد وإيجابي لنلجأ إليه عند تعكر المزاج، والمؤكد أنه لن يتحملنا دوماً، هذا إن وجدناه ولم يفاجئنا بقائمة طويلة من الأمور التي تضايقه؛ وهو ما يفعله البعض عندما يشكو إليه أحد.
وقد تتلقى إجابة تضاعف سوء المزاج كالسخرية والتذكير بألم ومعاناة قاسية تستحق الضيق، وكأن من أصيب بنزلة برد يجب أن يخجل لأنه يتألم؛ لأن هناك مرضى بالسرطان يتألمون!
ويجب احترام الألم الإنساني لدينا ولدى الجميع، مع تجنب المبالغة والتنبه للمسارعة بفعل أي شيء حتى لا يلون حياتنا بالكآبة والضجر والوجع.
حتى تكون سيداً على مزاجك تذكر دائماً:
– أنت المسؤول الوحيد عن تحسين مزاجك بعد كل إزعاج تتعرض له أو لاستغراقك بالتفكير السلبي.
– المزاج الإيجابي يقلل «الأدرينالين» و»الكورتيزول»؛ وهي هرمونات القلق والتوتر التي تؤثر على ارتفاع ضغط الدم وعلى أمراض القلب والأوعية الدموية والنوبات القلبية.
– لا تسترسل بالتفكير فيما يزعجك؛ فسيعكر صفو حياتك ويؤلمك، ولا تتكلم عنه فتجدد الانزعاج؛ وإذا تمكنت من القضاء عليه فلا تتردد وواجهه بثبات بعد الاستعانة بالله عز وجل.
– من يترك نفسه تحت سيطرة مزاجه فلن ينجح؛ فمن يجتهد إذا كان مزاجه جيداً ويتكاسل عندما يكون مزاجه سيئاً سيخسر كثيراً.
– ينجح من يقاوم سوء المزاج، ويتذكر أن الإنجاز مهما كان بسيطاً يحسن المزاج ويضاعف طاقاته.
– الحرص على النوم الجيد ولساعات كافية يساعدك على الاحتفاظ بمزاج جيد وبمعنويات مرتفعة وصحة طيبة.
– اهتم بممارسة الرياضة ولو بالمشي أو بتمرينات الاستطالة؛ فالرياضة تساعد على إفراز هرمون «الأندروفين» الذي يحسّن المزاج، ويمنحك الشعور اللطيف بأنك تعتني بنفسك.
– تناول الفواكه والخضراوات لتفيدك صحياً وتمدك بمصادر طاقة حقيقية وتحسن المزاج، بينما الأطعمة السريعة ذات الدهون والمواد الحافظة تجعلك تشعر بالثقل وتجلب سوء المزاج.
– احرص على ممارسة هواياتك والتجديد بتفاصيل يومك لتوسع حياتك ولتحافظ على مزاجك جميلاً.
– لا تركز بالتفكير في مشكلاتك، فهذا وحده كفيل بسرقة أي فرص لك بالتمتع بحياة طيبة؛ بل خصص لها وقتاً محدداً ليس للتألم منها، ولكن للتفكير بحلول واقعية لها، ولو بعد حين، وبادر بالتنفيذ.
– تذكر مشكلات سابقة بالغت في التألم منها وأفسدت مزاجك بيديك وصنعت عذاباً وأوجاعاً ثم انتهت، ولا لتكرر ما فعلته بنفسك أبداً.
– ابتسم وتذكر دوماً النعم التي تحيط بك بدءاً من أنك ما زلت على قيد الحياة، ومروراً بأنك تستطيع -بفضل الله- أداء الأمور البسيطة بحياتك؛ كتناول طعامك وحدك دون الاحتياج لأحد وانتهاء بنجاحاتك بالحياة.
– كن شاكراً، وستتمكن من طرد سوء المزاج أولاً بأول.
– قلِّل من متابعتك للإنترنت وللفضائيات؛ فهي تسرق السكينة وتستنزف الطاقات وتشعرك بالتعب، وكثرة التحديق بها تؤلم الرقبة والكتفين وتسبب التوتر الذي يضعف مقاومتك لسوء المزاج.
– اهتم بالحديث اللطيف مع نفسك حتى لو كنت مخطئاً، ولا تواصل الخطأ، وتعلم منه وامنع تكراره وامضِ قُدماً باحترام للنفس؛ وهو أفضل صانع للمزاج الجيد.
– افعل شيئاً تحبه قبل النوم.
– تعلم شيئاً جديداً، واجعل عقلك يحب التعلم، وستتسع حياتك وتسعد نفسك، ولا تجعل مجالاً ليتسلل إليك المزاج السيئ، وستشعر أنك تتطور وسيتحسن مزاجك.
– لا تقل أبداً: أنا سريع التقلب المزاجي، أتأثر بأقل شيء، لا فائدة سأظل هكذا دوماً؛ فهذا الكلام يضعف مقاومة سوء المزاج؛ فالعقل يأخذه على أنه حقيقة ويتقاعس عن بذل الجهد لتحسين الحالة النفسية.
– لا تسارع بتناول المهدئات، وتجنب الحلوى والتدخين.
– تذكر أن ما أزعجك سينتهي، ولا تسمح له بإيذائك.
– اكتب قائمة بالأمور التي تعكر مزاجك، وبالأشخاص الذين يتسببون بذلك، وتنبه لها، واخصم وأضف إليها من وقت لآخر.
– لا تأخذ الحياة بجدية زائدة، واهتم بصحتك الجسدية، ولا تتأخر بالذهاب للطبيب عند المرض –لا قدر الله- فالمرض من أسباب المزاج السيئ عند البعض.
– احرص على تنظيم حجرتك ومكتبك؛ فالمكان النظيف والمرتب يساعد على المزاج اللطيف.
– احرص على التنزه من وقت لآخر.
– اقطع الطريق على المزاج السيئ بفعل أي شيء يسعدك وكأنك تسير بطريق به دخان؛ فترفض مواصلة السير وتبتعد، فمجرد اتخاذ قرار عدم الاسترسال سيمنع التمادي ويشجعك على استرداد حياتك الطيبة.
– لا تفكر في ذكرياتك السيئة، أغلق صفحاتها واحتفظ بالخبرات ولا تعكر صفو مزاجك بها، وافتح صفحات جديدة مليئة بالخير.