تتجه الأنظار، اليوم الإثنين، إلى العاصمة المغربية الرباط، حيث يُنتظر أن تشهد مباحثات رسمية تجمع طرفي النزاع الليبي مع مسؤولين مغاربة، في مقدمتهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ووزير الخارجية ناصر بوريطة.
ويسعى هذا الحراك الدبلوماسي لإيجاد مخرج سياسي سلمي للأزمة الليبية التي تعيش عامها التاسع، لا سيما في ظل التطورات الخطيرة التي آلت إليها الأوضاع جراء الصراع القائم بين حكومة الوفاق ومليشيا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي تزامناً مع حديث عن مساع مغربية لجمع طرفي النزاع ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما من خلال مبادرة يجري التحضير لها، منذ فبراير الماضي، لحل النزاع في ليبيا من خلال نسخة منقحة من اتفاق الصخيرات.
وتعمل الدبلوماسية المغربية على إنضاج هذه المبادرة على نار هادئة منذ عودتها للعب دور الوساطة بين الأطراف الليبية المتصارعة، إثر استبعادها من مؤتمر برلين، إذ باشر وزير الخارجية، ناصر بوريطة، في فبراير ومارس الماضيين، مباحثات رسمية وأخرى عبر الهاتف، مع طرفي النزاع الرئيسيين في ليبيا؛ حكومة الوفاق ومعسكر حفتر.
وكان لافتاً، أمس الأحد، استقبال العاصمة المغربية، بناء على دعوة من رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) الحبيب المالكي، لكل من رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، الذي يقود وفداً رفيع المستوى يتقدمه وزير خارجية حكومة شرق ليبيا، غير المعترف بها دولياً، عبدالهادي الحويج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري برفقة كل من فوزي العقاب، وعلي السويح، وعبدالسلام الصفراني.
وفيما لا يوجد إلى حدود الساعة أي تأكيد للقاء مرتقب بين عقيلة صالح، وخالد المشري في الرباط، لإيجاد مخرج للأزمة الليبية، إلا أن مصدراً من لجنة الخارجية بمجلس النواب المغربي، فضل عدم ذكر اسمه، لم يستبعد جمع الرجلين، لافتاً، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن تقريب وجهات النظر بين الطرفين، والعمل على تعديل اتفاق الصخيرات الموقع في عام 2015، يبقى مطمحاً يسعى المغرب لتحقيقه، خلال اللقاءات التي ستجمع مسؤوليه بالفرقاء الليبيين.
وكان مصدر حكومي مغربي قال لـ”العربي الجديد”، في وقت سابق: إن زيارة عقيلة ستكون مناسبة كذلك لاستئناف جهود المغرب لتقريب وجهة النظر بين الفرقاء الليبيين ودفعهم إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، خاصة في ظل التطورات الخطيرة التي آلت إليها الأمور بعد إعلان القاهرة، وما تلى ذلك من تصعيد وتهديد بتدخل عسكري مصري، لافتاً إلى أن “الرباط تقف موقفاً محايداً في الصراع بين مختلف الأطراف الليبية، ما يجعلها قادرة على لعب دور الوسيط المحايد”.
ووفق المصدر الحكومي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن المغرب لا يزال متمسكاً باتفاق الصخيرات مع إمكانية إدخال الأطراف الليبية تعديلات عليه لينسجم مع الأوضاع المستجدة”.
وأشار المصدر إلى أن الدبلوماسية المغربية تراهن كذلك على المقترح الذي كانت قد تقدمت به خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري حول الأزمة الليبية الذي عقد في 23 يونيو الماضي، والقاضي بإيجاد حل عربي للأزمة وإنشاء فريق مصغر من دول عربية معنية بالملف الليبي لإيجاد حل عربي.
وكان بوريطة، قد كشف، خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية المنعقد في 23 يونيو الماضي، عن عناوين مبادرة مغربية جديدة لإيجاد حل عربي للأزمة الليبية يقوم على إنشاء فريق مصغر من دول عربية معنية بالملف الليبي، يتولى وضع تصور إستراتيجي، للتحرك العربي الجماعي للإسهام في التسوية بليبيا.
كما تقوم المبادرة المغربية، التي كشف عنها بوريطة، في كلمته أمام الاجتماع الطارئ، على ضرورة الانفتاح على الأطراف الليبية كافة والاستماع إليها وتقريب وجهات نظرها.
وبحسب رئيس الدبلوماسية المغربية، فإن هذين المقترحين نابعان من ثوابت وتساؤلات، تتعلق بمدى توفير الجامعة العربية لتصور استراتيجي مشترك، يفتح مساراً يمكن المضي فيه للإسهام الفعلي في التسوية، وكذا مدى قدرتها على فرض نفسها كتكتل إقليمي، يؤثر في اتخاذ القرار فيما يخص القضية الليبية ويسهم في تنفيذه.
ويعتبر المغرب الاتفاق السياسي الموقع عليه في الصخيرات المغربية في 2015 بإشراف المبعوث الأممي إلى ليبيا حينها مارتن كوبلر، لإنهاء الحرب الليبية، إنجازاً تاريخياً مهماً، يُحسب للدبلوماسية المغربية ولقدرتها على المحافظة على قنوات تواصل فاعلة مع كل أطراف الصراع الليبي، كما ترى الرباط أنها “لا تزال مرجعاً مرناً بما يكفي لإدراك الوقائع الجديدة”، وأن “تكاثر المبادرات حول الأزمة يؤدي إلى تنافر بينها”.
وأبدى المغرب رفضه لأي اتفاق جديد بشأن الأزمة الليبية، مؤكداً أن الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية هو المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا بالتزامن مع إطلاق مصر لمبادرتها الجديدة للوساطة في الملف الليبي.
وفي 8 يونيو الماضي، قال وزير الخارجية المغربي، خلال جلسة افتراضية لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية عُقدت لمناقشة تطورات الوضع في ليبيا: إنّ “اتفاق الصخيرات ليس مثالياً، لكن لا يوجد بديل ملائم على الطاولة، ويجب تعديل مقتضياته وتحيينها من قبل الأشقاء الليبيين”، معتبراً أنّ “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) تظل أداة مهمة ينبغي تعزيزها وإعادة هيكلتها”.