قبيل الغزو العراقي الغادر، شهدت الساحة الكويتية أحداثاً ساخنة كان لجمعية الإصلاح الاجتماعي فيها مواقف مهمة، قد لا يعرفها البعض لعدم متابعة ما جرى، أو لغياب المعلومات عنهم، وكذلك لمحاولة البعض إخفاء الدور الوطني الكبير الذي قامت به الجمعية.. ولعل حلول الذكرى الثلاثون لهذا الغزو الغاشم، تدعونا أن نذكر تلك المواقف شهادةً للتاريخ.
ونستعرض في هذا الصدد مواقف الجمعية أثناء الغزو، ودور أعضائها البطولي في الداخل والخارج على المستويين المدني والمقاومة.
عن فترة ما قبل الغزو العراقي الغاشم، تحدث رئيس جمعية الإصلاح وقتها عبدالله المطوع (العم أبو بدر)، يرحمه الله تعالى قائلاً: «قبل الغزو العراقي الغاشم، عاشت الساحة الكويتية اختلافات في وجهات النظر حول بعض الأمور السياسية المطروحة على الساحة، وتمت مناقشة هذه الأمور في لقاءات عقدها السياسيون، وبعض مسؤولي التجمعات السياسية، لشرح وجهة نظرهم ولسماع وجهات نظر الآخرين، وفي هذا الإطار زار جمعية الإصلاح الاجتماعي وفد، من بينهم الإخوة: أحمد عبدالعزيز السعدون، ود. أحمد الخطيب، والأخ سامي المنيس – يرحمه الله تعالى – والأخ جاسم القطامي، وعدد آخر من زملائهم.
وحدة الصف
وقد طرح أعضاء هذا الوفد علينا في جمعية الإصلاح ما لديهم من آراء، وتبادلنا معهم وجهات النظر، وقد تم توثيق هذا اللقاء بتسجيل فيديو، ومازال الشريط موجوداً لدينا، وكان منطلق جمعية الإصلاح – كما هو دائماً – التأكيد على ضرورة جمع الكلمة ووحدة الصف، والحفاظ على أمن الكويت واستقرارها، وحيث إنه حدث في تلك المرحلة إرهاصات غدر من قبل النظام العراقي تجاه الكويت؛ فقد أبدينا رأينا للإخوة أن نقف جميعاً أمام أعداء الكويت الذين يتربصون بها الدوائر صفاً واحداً؛ دفاعاً عن الوطن، حتى وإن اختلفت وجهات النظر في تقييم بعض الأمور، كما أكدنا ضرورة الوقوف يداً واحدة في وجه أطماع المتربصين، ملتفين حول قيادتنا السياسية، ودعونا الجميع لتفويت الفرصة على خصوم الكويت والمتربصين بها الدوائر، وأن نقف صفاً واحداً؛ دفاعاً عن الوطن، حتى لا يتخذوها حجة.
ولا شك أن هذا الموقف المبدئي من جمعية الإصلاح والقائمين عليها يؤكد حرصها على وحدة الصف وجمع الكلمة وتفويت الفرصة على أعداء الكويت.
وقد طرح الوفد الزائر بعض آرائه وتطلعاته السياسية ووجهة نظره فيما يجري على الساحة المحلية، وأوضحنا أنه إذا كانت هناك ثمة مطالب فقد اقترحنا أن يكون ذلك عبر اللقاء مع المسؤولين للتفاهم معهم حول تحقيق تلك المطالب المهمة.
مخطط عدواني: وبعد هذا اللقاء، مرت الأيام سِراعاً، وبدأ المجرم «صدام» يسير في مخططه العدواني؛ إذ بدأ اتصالاته وأرسل دعوات للصحفيين ورؤساء تحرير الصحف الكويتية، وبعض الشخصيات لحضور مؤتمر عُقد في بغداد، وقبله مؤتمرات كثيرة عقدها طاغية العراق باسم المؤتمرات الإسلامية وغيرها، وقد وُجِّهت لي بصفتي رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، العديد من الدعوات لمعظم المؤتمرات ذات الطابع الإسلامي – كما يزعم طاغية العراق – لكن وبفضل الله عليَّ وعلى جمعية الإصلاح أن هذه الدعوات كلها قوبلت بالرفض، وللعلم فإنني لم أزر بغداد قط في ظل وجود «صدام» على رأس السلطة، ويعرف الإخوة في الكويت رأيي بـ«صدام»، وحزب «البعث» الذي نحن كحركة إسلامية على خلاف جذري معه منذ قيامه، إذ إنه حزب مناوئ للإسلام والحركة الإسلامية، كما أننا نرفض تلك المبادئ والأفكار الهدَّامة التي خطط لها الغرب بمكر، وجيء بـ«صدام» وبمن قبله من البعثيين والقوميين العرب وغيرهم من أصحاب الدعوات الأخرى الشاذة ليحاربوا الاتجاه الإسلامي في المنطقة، وبالفعل فقد قام البعثيون باغتيال شخصيات إسلامية معروفة، فضلاً عن محاربة الدين بشكل عام، كما أن مجلة «المجتمع» قد انفردت بذكر «مذابح حلبجة»، ولكن للأسف قام الرقيب بوزارة الإعلام الكويتية بمنع نشر المقالات الخاصة بـ«مذابح حلبجة»، في حين صمت الجميع عن هذه المذابح.
وانطلاقاً من معرفتنا بتلك الأحزاب – الكلام مازال للعم أبو بدر يرحمه الله تعالى – التي لا تقوم على الدين والأخلاق والقيم، بل قامت لمحاربة الدين، فنحن في خلاف معها، منذ مجيئها، ولا يمكن أن نلتقي معها في أي وقت من الأوقات، فخصومتنا مع حزب «البعث» معروفة وقديمة، ولذلك لم أستجب لأي دعوة من دعوات الحكومة العراقية التي وُجِّهت لي والتي استجاب لها الكثير من الصحفيين والنواب وغيرهم.
رفض التبرع
ويؤيد ما أقوله ما جرى خلال حرب «صدام» مع جارته إيران، ضمن مخطط من وراء الحدود، ففي أثناء تلك الحرب، قام كثير من أهل الكويت وتجارها – بحسن نية – بجمع التبرعات وإرسالها إلى «صدام» لإعمار «الفاو»، وتحت هذا الشعار تم جمع مبالغ طائلة من أهل الكويت، وقد زارني بعض الإخوة وشخصيات كويتية، وطلبوا منِّي المساهمة في إعمار «الفاو» أسوة بمن تبرع من أهل الكويت- بحسن نية بالطبع – ولكنني رفضت المساهمة، ولو بدينار واحد لشخص بعيد عن دين الإسلام وأخلاق الإسلام، واعتذرت للإخوة الفضلاء، وقلت لهم يومها: اطلبوا ما شئتم من تبرع لأي عمل خيري، أما لـ«صدام» و«حزب صدام» فلا، وجرت محاولات أخرى من إخوة آخرين أيضاً أعزة عليَّ وطلبوا مني المساهمة مع أهل الكويت لكي لا أعتبر شاذاً – في نظرهم – لكنني أصررت على الرفض، فما أعرفه عن «صدام» وخصومتنا القديمة والمستمرة معه جعلتني أرفض كل الوساطات، ولم أساهم بدينار واحد.. إذن من فضل الله عليَّ وعلى جمعية الإصلاح أنني لم أساهم بدينار واحد لـ«صدام»، ولم أزر العراق في وجود «صدام» على رأس الحكم».. انتهي كلام العم «أبو بدر».
مواقف مشهودة
فمواقف جمعية الإصلاح منذ تأسست والتي هي امتداد لجمعية «الإرشاد» معروفة، ولم يحدث طوال تاريخها ومسيرتها الطيبة ما يسيء إلى الكويت أو استقرارها أو سلامتها، بل على العكس من ذلك؛ فقد كانت جمعية الإصلاح والإسلاميون عامة في هذا البلد من خلال مواقفهم الرجولية وأعمالهم المشرفة هم أحرص الناس على بلدهم.
فهاهم قبل غزو العراق للكويت من قبل البعثي الغادر «صدام حسين» يحذرون المواطنين والمشتغلين بالسياسة من مطامع هذا الغادر في بلادنا، ومطالبة الجميع بالحفاظ على روح الأسرة الواحدة وتفويت الفرصة على كل من يريد بالكويت السوء، وقد كان لجمعية الإصلاح مواقفها الشجاعة حينما حشد «صدام» جنوده على الحدود قبل أيام من الغزو، فقامت جمعية الإصلاح بتجميع جمعيات النفع العام في الكويت ومسؤولي القطاعات الاجتماعية ورجالات الكويت وقاموا بزيارة سمو الأمير وسمو ولي العهد، وتأكيد التضامن والتعاون والوقوف يداً واحدة ضد أي معتدٍ يريد النَّيْل من الكويت وأمنها واستقرارها، وما مجلة «المجتمع» التي جسدت ذلك بالصورة والكلمة قبل غزو الكويت بيومين على صفحاتها، مطالبة الجميع بالوقوف صفاً واحداً ضد المعتدين، إلا تعبير صادق عن مواقف جمعية الإصلاح، وكانت هذه رسالة صادقة عن التلاحم الكويتي موجهة لطاغية العراق الذي أخذ يشكك في وحدة المجتمع الكويتي وانقسامه على نفسه، فكانت مواقف الجمعية خير رد على طاغية العراق.
فترة الغزو
أما عن فترة الغزو العراقي الغاشم، وبعد دخول قوات «صدام» للكويت، فكان لأعضاء جمعية الإصلاح دور بطولي خلالها.. فقد كان شباب ورجال ونساء الجمعية مهيئين بما تلقوه من تربية سابقة على الصبر والثبات لتحمل مشاق أي كارثة أو مصيبة تصيبهم، ولذلك فقد تلقوا الصدمة الأولى للغزو العراقي لبلدهم الكويت بكل ثبات؛ فأسرعوا في العمل بالتعاون مع باقي الجمعيات الخيرية والقوى الشعبية في تشكيل لجان التكافل الاجتماعي التي جسدت صور الصمود والتعاون بين جميع أبناء المجتمع على مختلف توجهاتهم، فقامت اللجان بإرسال المعونات المادية والغذائية وتوزيعها على الأسر، ورتبت أمور الجمعيات التعاونية وأوضاع الأسواق، وتوفير الخدمات الأساسية والضرورات الحياتية، كما شكلت فرق حراسة لضمان الأمن في الأحياء، كذلك وجدت لجان تعمل من خلال المساجد على رفع معنويات الشعب وتزويدهم بالمعاني الإيمانية المطلوبة خلال تلك المرحلة.
فامتلأت المساجد بالمصلين في كل الأوقات، وكانت الدروس والعبر في الابتلاء والتثبيت هي ديدن خطباء المساجد؛ فثبت الناس بفضل الله تعالى ورابطوا؛ دفاعاً عن وطنهم وعن عقيدتهم وعن شرعيتهم الدستورية التي حاول «البعث» اجتثاثها من الوجود.
وساهم رجال جمعية الإصلاح في تأسيس حركة «المرابطون» التي أبلت بلاءً حسناً في مقاومة المحتل، وقدمت الجمعية عدداً من شبابها كشهداء وأسرى لدى نظام «صدام» أثناء مقاومتهم للغزو الغاشم.
وأصدرت الحركة صحيفة «المرابطون» للدفاع عن الكويت، وقادوا المظاهرات للتنديد بالغزو، مطالبين الدول العربية بالتعاون لطرد المحتل الغاشم، وساهمت في إيصال الأموال للمقاومين والمرابطين في الداخل للإنفاق على المقاومة والعمليات الفدائية ضد المحتل.
ويمكن عرض جهود «جمعية الإصلاح الاجتماعي» أثناء الاحتلال العراقي داخل الكويت فيما يلي:
– تأسيس لجان التكافل الاجتماعي.
– المشاركة في أعمال جمعية الهلال الأحمر الكويتية.
– المشاركة في تأسيس حركة المقاومة الكويتية.
كما قامت جمعية الإصلاح بدور بارز لمواجهة الغزو البعثي خارج الكويت، وتمثل ذلك في إنشاء الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت.
وشاركت الجمعية مشاركة فعالة في المؤتمر الشعبي الكويتي بجدة برئاسة رئيس مجلس إدارتها العم عبدالله المطوع – «أبوبدر» يرحمه الله تعالى – وقامت بدور كبير في رأب الصدع وتوحيد الصفوف أمام المجتمع الدولي ضد العدوان العراقي، وكانت لجهود العم عبدالله المطوع دور بارز في إنجاح المؤتمر.
وشاركت الجمعية في تأسيس عدد من اللجان والحركات المساندة للكويت من الخارج، ومنها:
– لجنة الإخاء الإماراتية الكويتية بعضوية مساعد العبدالجادر – يرحمه الله تعالى- ومحمد الراشد، وعبدالله العتيقي، وبراك عبدالنصار، نائب القنصل العام لدولة الكويت في الإمارات آنذاك.
– المشاركة في تأسيس «اللجنة النسائية في القنصلية الكويتية» في دبي، بإدارة سعاد الجارالله، وخولة العتيقي.
– المشاركة في اللجنة الكويتية العليا في بريطانيا (Free Kuwait) من خلال عبدالعزيز الخلف، وعثمان الخضر، وصلاح العبدالجادر، ود. فيصل الكندري، ود. فيصل مندني، ود. بدر الناشي، ود. ناصر الصانع.. وغيرهم.
– المشاركة في إدارة فرع «لجنة هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية» التي عملت في تركيا لمساعدة الكويتيين مباشرة بعد الغزو.
– المشاركة في المؤتمر الطلابي الإسلامي العالمي للتضامن مع الكويت الذي عقد بالشارقة في 25/8/1991م الذي أقامه الاتحاد الوطني لطلبة الكويت والإمارات، بحضور د. عبدالله العتيقي، ود. إسماعيل الشطي، والشيخ عبدالحميد البلالي، ومبارك الدويلة، ومحمد الراشد، وخالد الصالح، وممثلين عن 48 منظمة طلابية.
– المشاركة في المؤتمر الإسلامي العالمي لرابطة العالم الإسلامي حول أزمة الخليج.
– المشاركة في مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت – فرع أمريكا؛ للدفاع عن قضية الكويت أثناء الفترة من 31/8/1990م إلى 2/9/1990م برئاسة عبدالله المطوع يرحمه الله تعالى.
نشاطات الجمعية بعد التحرير
أولاً: نشاطات عامة:
1- أقامت الجمعية حفلاً تكريمياً للهيئات الشعبية العاملة للقضية الكويتية في الداخل والخارج أثناء الاحتلال.
2- أقامت حفلاً تكريمياً لفريق إطفاء آبار النفط الكويتي بعد إطفاء آخر بئر.
3- خصصت جناحاً للتحرير في معرض الكتاب الإسلامي السابع عشر.
4- أصدرت لجنة التوعية والإرشاد في الجمعية كتاباً عن المحنة بعنوان «محنة الكويت.. دروس وعبر».
5- أصدرت لجنة العلاقات العامة والإعلام معلقاً إعلامياً كتب عليه «الحمد لله دوماً على التحرير».
6- أقامت لجنة التوعية الاجتماعية ندوة بعنوان «دور المؤسسات الشعبية في معركة التحرير والبناء».
7- أقامت لجنة الدعوة الإسلامية بالتعاون مع صندوق التكافل ومسرح السور للفنون مسرحية «راجع»، التي تسرد حال الأسرى وتعاونهم والأمل بتحريرهم.
ثانياً: أنشطة اللجنة النسائية:
1- تنظيم محاضرة للنساء بعنوان «الرحمة الإلهية في المحنة الكويتية»، ألقتها السيدة بدرية العزاز.
2- إقامة حفل ترفيهي للأطفال المرابطين في 12 مايو 1991م على مسرح الجمعية بالروضة.
3- قامت اللجنة بإحياء حفلي «أبناء الشهداء»، حيث نظمته اللجنة النسائية بصندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى في صالة الزبن بالروضة.
4- شاركت اللجنة في الندوة التي نظمتها لجنة المرأة بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت ضمن فعاليات المؤتمر الثالث عشر للاتحاد، وكانت بعنوان «الدور المطلوب من المرأة في مرحلة إعادة البناء».
الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت
ضمن جهود جمعية الإصلاح البارزة في مواجهة الغزو البعثي خارج الكويت، قامت بالتعاون مع شخصيات كويتية وعربية بتأسيس الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت وبمشاركة الأعضاء: عبدالله المطوع، وأحمد الجاسر، د. طارق السويدان، وإسماعيل الشطي، وبدر السميط، وخالد الصالح، وسعد الراجحي، وسليمان شمس الدين، وصلاح العبدالجادر، وعبدالحميد البلالي، وعبدالرحمن العبيدلي، وعبدالله الربيعة، وعبدالله العتيقي، وعبدالمحسن العثمان، وعبدالواحد أمان، وعبدالوهاب الحوطي، وعيسى العيسى، وفؤاد الفوزان، وماجد الرفاعي، ومبارك الدويلة، ومحمد الراشد، ومساعد عبدالجادر، وناصر الصانع، ويوسف الحجي، من الكويت.