يتجه الصومال نحو مشهد ملبد بغيوم معارك سياسية، بعد إقصاء البرلمان لحكومة حسن علي خيري، في ظروف غامضة دستوريا.
فرغم أن سحب البساط من خيري، الذي جاء بمصادقة الرئيس محمد عبدالله فرماجو، فإنه لم يستفد من الأمر بصورة كبيرة، بسبب التحديات التي تنتظره، بشأن اختيار رئيس حكومة جديد في فترة قصيرة.
فخلال أجل أقصاه شهر، يجب على فرماجو أن يعين رئيس وزراء جديد، لتشكيل حكومة تمسك بزمام الأمور، وتحاول الجمع بين القوى السياسية.
ضيق الوقت، إضافة إلى الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، تضع فرماجو أمام سيناريوهات ثلاثة، لاختيار رئيس الحكومة الجديد، الذي تعلق البلاد عليه أملا كبيرا في إنقاذها من مصير مجهول.
** إقالة الحكومة
والسبت، أعلن فرماجو، في بيان، قبوله بقرار البرلمان سحب الثقة من الحكومة، مشددا على أن “الخلافات بين الحكومة والهيئات التشريعية ستقوض الإنجازات، وتفاديا لهذا الأمر فإنه تم قبول قرار البرلمان كونه الهيئة الأساسية للبلاد”.
جاء هذا، بعد ساعات من إعلان رئيس البرلمان محمد شيخ عبدالرحمن مرسل، سحب الثقة من الحكومة، في جلسة شارك فيها 178 عضوا من أصل 275، صوّت خلالها 170 لصالح القرار.
وتنتهي ولاية البرلمان الحالي، بمجلسيه الشعب والشيوخ، نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتنص المادة الثالثة عشرة من قانون الانتخابات الجديد المعروف باسم “صوت واحد للناخب”، على أن تبدأ الانتخابات التشريعية مطلع نوفمبر/تشرين الأول المقبل، تمهيدا للانتخابات الرئاسية، التي من المتوقع إجراؤها في مطلع فبراير/ شباط 2021.
ووفق القانون الجديد، فإن أعضاء البرلمان بمجلسيه النيابي والشيوخ يجري انتخابهم عبر اقتراع شعبي مباشر، في حين ينتخب أعضاء البرلمان رئيس البلاد، وفقا للدستور الصومالي.
وبذلك يطوي نظام المحاصصة القبلية المعمول به حاليا، والقائم على توزيع مقاعد البرلمان على القبائل بنظام الكوتة، وتختار كل قبيلة من يمثلها، ثم ينتخب البرلمان رئيس البلاد.
** ثلاثة سيناريوهات
محللون ذهبوا إلى أن اختيار رئيس الحكومة المقبلة ليس بالأمر الهين، ذلك أن الشخصية الجديدة ستحدد طبيعة المرحلة في البلاد، مشيرين إلى أن الاحتمالات في هذا السياق ستخضع لثلاثة سيناريوهات.
السيناريو الأول، بحسب المحلل السياسي في مركز “سهن” للدراسات والبحوث السياسية (غير حكومي)، محمد مصطفى، أن يلجأ “الرئيس فرماجو إلى شخصية سياسية توافقية محنكة، قادرة على تسويق أجندتها السياسية”.
وقال مصطفى: إنه “في الوقت نفسه، يجب أن يرضي رئيس الحكومة، الأحزاب السياسية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، للتوصل إلى آلية توافقية، قد تكون في إجراء انتخابات الصوت الواحد للناخب، التي تتطلب على الأقل مدة اقصاها سنتين”.
وأوضح أن هذا هو السيناريو الأرجح، نظرا للمعطيات السياسية الراهنة، ولطمأنة القوى السياسية في البلاد، التي تتهم الرئاسة بالانفراد بمقاليد الحكم، ما يحقق مطالب المجتمع الدولي، بتعزيز جهود المشاركة السياسية، والابتعاد عن كل ما يجر البلاد إلى العنف.
أما السيناريو الثاني، حسب مصطفى، فهو طرح شخصية سياسية مستقلة، ليس لديها طموح في رئاسة البلاد، لتولي رئاسة الحكومة في الفترة المتبقية من الانتخابات العامة (حتى مطلع نوفمبر/تشرين الأول المقبل).
هذا السيناريو، قد يجعل رئيس الحكومة الجديد، عرضة لتجاذبات سياسية ومصالح متضاربة، قد تصل إلى البرلمان، الذي يرغب بالفعل بلعب دور سياسي في تشكيل الحكومة المقبلة.
فصاحب هذا السيناريو، إن لم يكن يجيد عزف لحن الاعتدال بين الحكومة والقوى السياسية الأخرى، فستنتهي آمال إجراء انتخابات “صوت واحد للناخب” بالفشل، ما يرجّح كفة دعاة عقد انتخابات غير مباشرة، عن طريق رؤساء الأقاليم الفيدرالية والأحزاب المعارضة.
وعن السيناريو الثالث، أوضح مصطفى، أنه يتضمن تعيين وجه جديد لرئاسة الحكومة، دون موافقة القوى السياسية، على أن يبقى رهن فرماجو، وهذا من شأنه أن يحرق أوراق الرئيس، ويقوي عضد القوى السياسية التي تستمد طاقتها من المجتمع الدولي.
ويُنتظر من الحكومة المقبلة حل الخلافات السياسية الراهنة، إلا أن نجاحها مرهون بكيفية لعب دور الوسيط، للتوصل إلى تفاهمات تذيب جليد الخلافات بين الرئاسة والقوى السياسية، ما سيحدد إن كانت البلاد ستؤجل الانتخابات وتمدد فترة الحكومة الحالية لسنتين، أو تتوجه لانتخابات غير مباشرة حفاظا على ثقافة التداول السلمي للسلطة.
** تساؤلات الجدوى
ويرى رئيس “حزب هلدور”، عبدالقادر محمد عثمان، أن “عزل الحكومة في هذا التوقيت من شأنه إتاحة المجال للقوى السياسية الأخرى وإشراكها في العملية السياسية للبلاد، لتحقيق إنفراجة للخروج من الاحتقان السياسي”.
وأضاف عثمان، أن “عزل حكومة خيري، كان من باب الضرر السياسي بالنسبة للرئيس فرماجو، لأن خيري بالإضافة إلى طموحه المعلن في خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة بجانب فرماجو، فقد كان يخالف الرئيس في آلية عقد الانتخابات المقبلة، مما قد يتسبب في شق صف الحزب الحاكم (حزب “كلمية”) وتقليل حظوظه في الانتخابات”.
وتابع عثمان، أن “الرئيس فرماجو، كان بإمكانه في الوقت الراهن التفاوض والجلوس مع القوى السياسية وجها لوجه بدون وساطة خيري، الذي كان يخفي أجندات سياسية أخرى، وهو ما قد يساهم في تقارب وجهات النظر، والتوصل إلى آلية توافقية في الانتخابات المقبلة”.
من جهته، قال المحلل السياسي والخبير الاقتصادي، يحي عامر، إن “عزل الحكومة لا يضمن تحقيق نجاح سياسي للرئيس فرماجو في ظل وجود احتمالات كثيرة لا يمكن التنبؤ بها في الوقت الحاضر”.
وأشار إلى أن “عملية حجب الثقة عن خيري، عززت صف المعارضة، موضحا أن قرار البرلمان عقًد المشهد السياسي المتوتر، مشددا على أنه لا إنفراجة سياسية قريبة حتى في حال تعيين حكومة جديدة، إلا أن يتوجه البلاد إلى انتخابات غير مباشرة في موعدها المحدد”.
** انتخابات رهن التفاهمات
رجح محللون أن تكون الانتخابات المقبلة مرهونة بالتفاهمات، التي ستسفر عن المؤتمر الذي سيبدأ في 10 أغسطس/آب المقبل، بمدينة طوسمريب، بإقليم مدغ (وسط البلاد)، بين الحكومة المركزية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية.
وكان الرئيس فرماجو، قد شارك في 22 يوليو/تموز الجاري، في مؤتمر بمدينة طوسمريب، بين الحكومة المركزية، ورؤساء الولايات، للتوافق حول توقيت ونموذج الانتخابات البرلمانية القادمة.
وقال المحلل السياسي، محمد عبدي شيخ، إن “أنظار الجميع، بما فيهم المجتمع الدولي، موجهة لمدينة طوسمريب، التي ستستضيف المؤتمر، والذي سيكون بمثابة معركة لكسر العظام، بين الحكومة ورؤساء الأقاليم، لتوصل إلى خارطة الطريق تمهد عقد انتخابات عامة في البلاد”.
وأضاف شيخ، أنه “من المتوقع أن يشهد المؤتمر جملة من التفاهمات، وأن تبدي الأطراف بعض التنازلات في إيجاد آلية توافقية، رغم ورود أنباء بأن الرئيس مصرّ على عقد انتخابات (صوت واحد للناخب)، وفق الدستور المؤقت، ما يعارضه رؤساء الأقاليم الفيدرالية، نظرا لضيق الوقت، بجانب كثرة الإجراءات التي تتطلبها هذه الآلية