عند السماع لحديث المسنة جزيلة شقير “أم يوسف” من بلدة الزاوية غرب سلفيت، وهي في نهاية العقد السابع من عمرها، ينتاب الشخص شعوراً لا يوصف، فهي صاحبة عزيمة وإرادة لا تنكسر، نبرة صوتها كقائد جيش يوجه جنوده، ولا تعرف الخوف من الاحتلال ودورياته، ولا ترفع الراية البيضاء أمام عدوها، لها مغامرات سابقة؛ منها أخذ سلاح أحد الجنود، الذي صرخ من أجل استرداده ولم يبلغ ضابطه بما فعلته الحاجة جزيلة، “فهي تشبه أم جوزيف في باب الحارة” التي قاومت الاستعمار الفرنسي في سورية، ومنع جرافة في السنوات السابقة من مواصلة تجريف أراضي بلدة الزاوية.
بداية اللقاء كان ساخناً مع الحاجة أم يوسف التي بدأت بالقول: أنا تعلمت اللغة العبرية من أجل مواجهة الجنود والضباط، فمعركتي معهم بدأت منذ إقامة الجدار العنصري ومنعنا من الدخول إلى أراضينا إلا عبر بوابة أمنية، وفي يوم الثلاثاء الماضي (11/ 8/ 2020) كان هذا من أصعب الأيام التي عشتها مع الاحتلال وجنوده، فقد توجهت صباحاً مع صديقتي الحاجة حمدة التي تكبرني 4 سنوات إلى البوابة الزراعية في رحلتنا اليومية، لجمع ثمار الصبر وتنظيف أشجار الزيتون من الأعشاب وبعض الأعمال الأخرى، وعند عودتنا الساعة الثالثة بعد الظهر ومعنا الدواب المحملة بالصبر فوجئنا بإغلاق البوابة وعدم وجود الجنود عليها، انتظرنا أكثر من ساعة ولم يحضر أحد من الجنود.
تقول الحاجة جزيلة شقير: لم يكن معنا ماء، والجو حار جداً، واضطررنا للعودة إلى المعسكر الموجود في المكان خلف الجدار ولكنه بعيد عنا واسمه معسكر “مجين دان”، عدت أنا وصديقتي الحاجة حمدة إلى الخلف باتجاه المعسكر حتى يحضر الجنود لفتح البوابة، وبعد قطع مسافة طويلة، وصلنا بوابة المعسكر، وهناك استوقفتنا مجندتان، وصرختا في وجوهنا كي نتراجع ونذهب من المكان، عندها فقدت صوابي، تقول الحاجة جزيلة، وتضيف: صرخت في وجوههن الكالحة، وتحدثت معهن باللغة العبرية، وعلى الفور قالت إحداهن: سيحضر الضابط بعد ساعة للبوابة ويفتح لنا، وهددتها إذا كذبت علينا.
تتابع الحاجة جزيلة الحديث عن رحلة العذاب واليوم العسير قائلة: رجعت أنا وصديقتي الحاجة حمدة وقوانا قد انهارت من التعب والإرهاق ووصلنا البوابة وجلسنا ننتظر، واقترب الوقت من غروب الشمس وأذان المغرب، وحضرت دورية بيضاء وطلبنا منهم فتح البوابة، إلا أنهم قاموا بتصويرنا والذهاب دون الاكتراث لوضعنا الصعب، عندها قررت صديقتي الحاجة حمدة العودة إلى المعسكر، والمسافة بعيدة والوقت أصبح خطيراً على حياتنا؛ فالخنازير البرية تنتشر في المكان وكذلك الكلاب الضالة، وعادت الحاجة حمدة إلى المعسكر وبقيت أنا عند البوابة، وعند وصولها بوابة المعسكر تعاملت المجندات معها بقسوة وسخرية، كما أخبرتني، وعند الساعة التاسعة مساء عادت صديقتي والدورية العسكرية تسير خلفها، وعند وصولها البوابة قمت بالصراخ على الجنود والمجندات، وأرسلت الشتائم لهم باللغة العربية والعبرية، وكنت في حالة عصبية ولم يسكت غضبي، وابتعد الجنود والمجندات عني خوفاً مني، وعدنا إلى البيت بعد رحلة عذاب تسجل في قاموس الشعب الفلسطيني.
وفي نهاية الحديث، تقول الحاجة جزيلة: علينا ألا نخاف من الجنود والدوريات العسكرية، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا القوة والمواجهة، وإذا شعروا أن من يقف أمامهم ضعيف يصبحون أسوداً عليه، أما إذا كان صاحب قوة وعزيمة سيخضعون له، وهذا الحديث عن تجربة معهم منذ عشرات السنوات؛ فهذا اليوم هو جزء من سلسلة كبيرة من المواجهات معهم، وهم يصدمون من معرفتي باللغة العبرية ويصابون بالخوف والرعب ومعهم الأسلحة الفتاكة، ووصيت أبنائي وأحفادي بعدم الخوف منهم والذهاب على الأرض وعدم تركها، وسأبقى أذهب إلى أرضي حتى لو كانت الجدران سدوداً تمنعني، فكنت أذهب إلى الأرض من فتحات الجدار عندما يغلقون البوابة، فلا سبيل من منعي، ما دمت أقوى على المسير.
وقالت ساخرة من جنود الاحتلال: في إحدى المرات أجبرت أحد الجنود على حمل أكياس الزيتون على ظهره واستخدمته كعتَّال!