لا تستغرب أيها القارئ الكريم من العنوان أعلاه.. نعم أبو جهل، وأبو لهب، وابن سلول، وأمثالهم يعلمون التوحيد والقرآن أقر لهم بذلك.. ومع ذلك، بقوا في وحل الكفر والشرك رغم تأكيد القرآن العظيم بأنهم يقرون بذلك!
نعم، بل لا توجد ملة كافرة على وجه الأرض إلا وهي توحد الله تعالى بتوحيد معين أو توحيد منقوص جهلًا أو كبرًا، وغالبًا يتمسكون بتوحيد الربوبية ما عدا بعض الفلاسفة، والشيوعيين أو ما يطلق عليهم الدهرية الملاحدة، أما بقية الملل الكافرة، فكلها تقر لله تعالى بوحدانيته في جزئية أو جانب من جوانب التوحيد وبالأخص توحيد الربوبية، أي: التوحيد حسب المزاج والهوى؛ لا كما يطلبه بتكامله الواحد الأحد الخالق المعبود.
نعم.. النصارى، اليهود، المجوس، الصابئة، الباطنية عمومًا، الصوفية المغالية، أكرر، الصوفية المغالية لا المعتدلة، الدروز، النصيرية، الهندوس، البوذيون، كفار قريش.. كل منهم له اسم لربه، وكل منهم يدع أنه يحمل الحقيقة، إلا أن صفة الربوبية لأربابهم كلها تعني في النهاية توحيد الله تعالى توحيد الربوبية، أو توحيدًا ناقصًا، أو يخالطه الشرك.
نعم كفار قريش موحدون توحيد الربوبية، وهذا التوحيد لم ولن يخرجهم من الكفر والضلال إلى النور والإسلام، بل هم يحبون الله تعالى أيضًا إلا أنهم مخلدون في النار، قال تعالى في كتابه العظيم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) (البقرة: 165)، وكان أحد الأقوال لأهل التفسير: إنهم يحبون الله ويعلمونه والدليل قوله: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ).
نعم أيها القارئ الكريم، فأهل النفاق كابن سلول، وأهل الكفر أمثال أبي لهب، وأبي جهل، وأمثالهم يعلمون بوجود الله تعالى علمًا حقيقيًا، ويعلمون علوم التوحيد التي اقتصر عليها البعض اليوم، وليس كفار قريش فقط، حتى اليهود والنصارى، والبوذيون، والهندوس، وأمثالهم، ولكن نخص كفار قريش بالذكر في هذا الأمر؛ لأنهم الأوضح من حيث كفرهم وخلودهم في النار؛ كما بين الله تعالى ذلك في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ كأمثال أبي لهب، وأبي جهل، وابن سلول، وأمثالهم، فهم يعلمون أن الله تعالى موجود، ويقرون بوجوده، وإقرارهم إقرار إيمان، ويقولون بذلك ويقرونه، ويقرون بأنه تعالى خالق السماوات والأرض، وهو الملك الذي يسخر الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وهو الرازق ويقدر الأرزاق للعباد، وأنه سبحانه ينزل الأمطار ويحيي الأرض بعد موتها.
نعم.. يعلم أجلاف قريش ذلك كله، ويعلمون أنه هو الذي أنعم عليهم بالإبصار والسمع، وهو الذي يحيي ويميت، ويعلمون أنه مدبر الأمر كله، وهم يعلمون ذلك علم اليقين، إلا أن هذا كله لم يخرجهم من الكفر إلى الإسلام، أما علمهم هذا بالله تعالى فأكده لنا القرآن الكريم، والقرآن العظيم حينما يعرض معلومة كهذه في المعتقد، لا يعرضها من باب التخمين أو التشكيك والممكن، يقولها القرآن من باب الحق، والتأكيد على حقيقة وسياق الآيات يدل على ذلك استدلالاً حقيقياً ليكون حجة عليهم وأمثالهم.
وكتاب الله تعالى مليء بالآيات التي تبين ذلك، يقول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزمر: 38)، ويقول الله سبحانه وتعالى مؤكداً هذه المعرفة فيهم وهم الكفار: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت: 61).
ويقول الله تعالى مؤكداً هذه المعلومة، وكأنما يريد الله تعالى التنبيه على الأمر ولفت أنظار الناس إليه، فالأمر جلل يقول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت: 63).
وأيضاً المنافقون يشملهم هذا الأمر؛ قال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ) (التوبة: 64)، نعم.. هم يعلمون أنه نبي مرسل عليه الصلاة والسلام، وينزل عليه الوحي يخبره بما يكنون من استهزاء، إلا أن التعالي والكِبر والهوى استعبدهم!
والآيات كثيرة في هذا المعنى الذي نتطرق له، ولكن نكمل في المقال القادم بإذن الله تعالى بقية الآيات والحديث حولها.
[اجمعها ففيها معلومة جميلة]
يتبع..
_________________________
إعلامي كويتي.