“البصيرة فن رؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته”، مقولة تنطبق على وزير الشؤون الثقافية التونسي الجديد وليد الزيدي، الذّي لم تثنه الإعاقة عن المضي قدماً نحو أهدافه وطموحه، ليصبح أول وزير كفيف في تاريخ البلاد.
لم يقف فقدان البصر عائقاً أمام الزيدي، مواليد محافظة الكاف الواقعة بالشمال الغربي التونسي، بل منحه عزماً وإصراراً رغم الظروف الصعبة على مواصلة دراسته ليكون أيضاً أول كفيف تونسي يناقش أطروحة الدكتوراه ويحصل عليها بتفوق.
وكان الوزير الجديد الذي جاء في تشكيلة حكومة هشام المشيشي المعلنة قبل نحو 24 ساعة، قد ناقش أطروحته، في يناير 2019، بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة بالعاصمة تونس.
والإثنين الماضي، أعلن رئيس الحكومة التونسي المكلّف هشام المشيشي، عن تشكيلة حكومة كفاءات مستقلة تضم 25 وزيراً و3 كتَّاب دولة.
مشروع ثقافي في العمق
ويقول الزيدي الذّي فقد بصره منذ كان بعمر العامين: “تلقيت بوجل وبتهيب كبير للمسؤولية خبر اقتراحي لتولي حقيبة الثقافة خاصة أنني ما زلت دون 35 عاماً، وأنا أرى أن غيري أجدر بالاضطلاع بهذه الأمانة من المفكرين ومن أهل الفصاحة والفن”.
وأضاف: “لكن ما يطمئنني وما يبعث في نفسي الأريحية والمسرّة، هو أن لي مشروعاً ثقافياً، وهذا المشروع أنشأته منذ شبابي أساسه النهوض بالمثقفين المغمورين والمهمشين والمبدعين من ذوي الاحتياجات الخصوصية الذّين لا يتم إنصافهم في التظاهرات الثقافية ممن لا يحرزون حظوظهم في هذا المجال”.
وتابع: “مشروعي يتمثل أيضاً في إيصال الثقافة إلى العمق بالمناطق القصية لمقاومة الانحراف المبكر بالثقافة وبالإبداع واستثمار الكفاءات، وأهم رهان هو الترويج للثقافة التونسي في العالم عموماً”.
وأردف الوزير: “أنا مطمئن للفريق الذي سأتعاون معه صلب الوزارة، وهم من المعروفين بالكفاءة والحيادية والاستقلالية والتضحية وخدمة هذا البلد دون أي مقابل”.
الزيدي لفت إلى أنّ “الإعاقة لا تمثل إشكالاً ما دامت لم تعقنا عن العلم والكتابة والتعليم وعن ممارسة وظيفة الوزير والاطلاع عن الوثائق؛ لأنه أصبح بقدرة الإنسان القراءة والتحري عبر أجهزة خاصة بحاملي الإعاقة حتى لا يستغل أحد تلك الإعاقة”.
وأضاف: “الإعاقة لم تعقنا في حياتنا اليومية والأسرية والمهنية ولن تعيقنا في الاضطلاع بأي أمانة أو مسؤولية؛ لأن الإنسان ينتج بعقله لا بحواسه”.
حياة علمية وثقافية
والزيدي بصدد إعداد مؤلفين سيصدران لاحقاً؛ الأول بعنوان “الفعل بالقول في البلاغة العربية”، والثاني “الإبصار باللغة”.
ويشغل الزيدي حالياً وظيفة أستاذ للترجمة والبلاغة بكلية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة، وهو أيضاً باحث متخصص في العلوم البلاغيّة والتداوليّة، وباحث أيضاً في علم نفس الإعاقة وهناك أحرز على الدكتوراه في البلاغة
وهو من مواليد 30 أبريل 1986 في تاجروين بولاية الكاف، تعرّض لإصابة فقدان البصر بعد عامين من مولده وكانت بداية دراسته في معهد “النور” للمكفوفين ببئر القصعة بتونس العاصمة، عام 1993.
آنذاك، قرر والده أن يغادر وليد مقاعد الدراسة مراعاة لوضعه الصحي، إلاّ أنّ القيم العام للمعهد أصرّ على مواصلة الطفل لدراسته التي حقق خلالها النجاح والتميّز لينتقل إلى معهد الكفيف بسوسة شرقي البلاد حيث أكمل دراسته الإعدادية والثانوية من عام 2000 إلى عام 2006.
وحصل بامتياز على شهادة البكالوريا ليتحوّل للدراسة الجامعية بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بالقرجاني بتونس من عام 2006 إلى عام 2008، ثم مواصلة الدراسة بدار المعلمين العليا بتونس من عام 2008 إلى عام 2011 التي توّجت بحصوله على شهادة التبريز في اللغة العربية كأول كفيف يحصل على التبريز على المستوى الوطني والعربي والأفريقي.