{إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} (الشعراء 54- 55) كلمات لخصت مشهد الصراع الدائم بين أهل الحق وأهل الضلال، والتدافع بين كلا الطرفان من أجل نشر المبادئ والأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها كل طرف.
فرعون الذي أعلن أنه إله الكون فاستخف قومه فأطاعوه، موجود في كل زمان ومكان، وما أكثرهم اليوم في زماننا الحديث وما أكثر أتباعه الذين استخف عقولهم، فحاربوا وقتلوا واتهموا أهل الحق بأنهم شرذمة قليلون وأنهم غير وطنيون، ولا لديهم ولاء لبلادهم.
قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون مصر في عهده، التي تكرر ذكرها في القرآن فيما يقارب ثلاثين موضعاً، وهي أكثر القَصص القرآني تكراراً، وذلك لمشابهتها لما كان يعانيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من صناديد قريش وفراعين هذه الأمة, ولما فيها من التسلية والتأسية له وللمؤمنين، حينما يشتد عليهم أذى الكفار والمنافقين.
هذه الصيحة التي كانت كفيلة بأن يحشد فرعون جنوده دون تفكير أو تعقل – خاصة بعدما أعيتهم حيلهم من قتل وتهديد وتنكيل وهو أسلوب كل طاغية ومستبد في كل زمان- وينطلقوا خلف موسى عليه السلام وقومه، فكانت الطامة حينما وقعوا بين البحر وجنود فرعون، إلا أن رب الكون – في كل وقت- جميع تصرفاته بين الكاف والنون، فقال سبحانه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (الشعراء63)، ثم كان الفرج {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} (الشعراء 65)، فأصبح هذا اليوم يوم عيد للمؤمنين يفرحون به لأنه يوم نصر موسى عليه السلام، يوم عز وفرحة وعيد لكل محبى الحق من أتباع موسى أو عيسى أو محمد، فالرسل تتكامل وتتعاون وتتآزر، والأمم الصالحة تفرح بنصرة الحق وزهق الباطل عند بعضها البعض في أي زمان ومكان، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء وزاد عليه صوم يوم قبله أو بعده لتتميز شريعته وتزيد فضلا عن شريعة بني إسرائيل، وصار هذا اليوم يوم فرح لكل مؤمن يفرح فيه بحسن طاعته لربه، والتذكر دائماً أن الله لن يخذل عباده مهما اشتدت عليه الدنيا وضيقت {حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (التوبة118).
غير أن البعض أراد أن يحول هذا اليوم ليوم حزن وفزع وجزع، فاستحلوا فيه القتل والتعذيب، وظنوا أنهم بذلك يتناصرون.
ففي هذا اليوم قتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه، فجاءت من بعده أمة مسلمة لتقيم حفلات التعذيب وبدلاً من الفرح بنصر الله لنبيه والمؤمنين، تناسوا ذلك وأشعلوها مجازر لا يرضى الله عنها، وتناقلتاها الإذاعات حتى أصبحت صورة سيئة للإسلام.
المؤمن الحقيقي مطالب بحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس مطلوب منه انتهاك الحرمات وارتكاب المنكرات بحجة حب آل البيت وهم منه براء.
إن هذا اليوم وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون يوم صوم وحرص على الطاعات لا يوم قتل وتعذيب للأنفس.
فقتل الحسين كقتل عمر بن الخطاب وقتل عثمان وعلي وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم، كلهم لهم مكانتهم في قلوب الأمة المحمدية لا فرق بين أحد منهم إلا بالتقوى والعمل الصالح.
لأن مئات الصحابة كانوا كواكب حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزم علينا حبهم والاقتداء بسيرتهم، وأن نكون خير أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله حق الإيمان، لكن أمثال هؤلاء حولوا ذكرى عاشوراء من فرح ونصر إلى مأتم وعويل وتعذيب.