تساؤل في محله.. هل يكون الفاسد حسن النية؟!
بالتأكيد هناك فاسدون حسنو النية، ولكن هل هذا سبب كافٍ ومسوغ لفسـادهم، أو دعمهم للفساد؟ وهل يوجد في الواقع نماذج لهم؟ سأذكر لكم هذه القصة.
دعت إحدى الشركات مديراً بإحدى الوزارات للعمل معها لإدارة أحد صناديقها الاستثمارية، مستفيدة من خبرته وذكائه براتب مغرٍ، فوافق وباشر العمل معهم، وهو معروف بالصدق والأمانة والإخلاص، وحقق لهم في السنة الأولى أرباحاً هو شخصياً لم يتوقعها، فباع بيته القديم واشترى منزلاً جديداً وسيارة فارهة.. إلخ.
وحقق في السنة الثانية ضعف الأرباح السابقة، فحدثته نفسه أنه هو سبب تلك الأرباح، وأنه مغبون ومن حقه أن يأخذ نصيبه، فوضع في حسابه بطريقة ما مليون دينار ظاناً أنهم لن يكتشفوه.
استدعاه الرئيس في نهاية السنة المالية، ومعه المحامي، وواجهه بالمبلغ المختلس، فلم ينكر وقال بكل ثقة وتأويل وحسن نية: هذا جهدي، ولولاي لما حققتم تلك الأرباح.
فقال الرئيس: أنت تأخذ على عملك راتباً كبيراً وعمولة، وأخبره المحامي أن التهمة لابسته، فإما يرجع المبلغ أو يحال للنيابة، فاستسلم وأعاد المبلغ واستقال من الشركة، وعاد لوظيفته الحكومية، وانزوى عن الناس، وخسر كل شيء بسبب تأويله الحسن بأنه صاحب حق، مع وسوسة الشيطان، وحينها لم ينفعه الندم.
القصة مركبة لكنها واقعية، ولو راجع كل واحد منا ذكرياته لسمع وقرأ مثلها الكثير، بسبب حسن النية، وكل ذلك جرى دون تخطيط أو سبق إصرار وترصد، وإنما بتأويل ساذج.
ومن النماذج القصصية الشهيرة في حسن نية الفاسد «روبن هود» الذي يسرق المال من الإقطاعيين، ويوزعه على الفقراء، والناس تتعاطف معه رغم أنه فاسد، لكنه في النهاية سارق.
وأستذكر هنا الرجل الذي أحضر صدقة البادية، فلما قدم ومعه زكاة الماشية قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: “ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لكم وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟! والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر” (الحديث).
هذا الرجل كان حسن النية (أهدي لي)، ولكن فعله فاسد، ومثله كثير في حياتنا اليومية.
وردت كلمة «فسد» ومشتقاتها في القرآن الكريم 25 مرة، وهي موجودة منذ بدء الخليقة، فما علينا سوى الحذر أن يصيبنا من شررها ولو قل، وعلينا أن نربي أبناءنا على الانتباه للتأويلات السلبية، التي هي مصدر الفاسد حسن النية، الذي سيستغله الآخرون من الفاسدين الحقيقيين، فيقع فيها ويخرج منها الآخرون، وحينها لا ينفع الندم ولا حسن النية ولا التأويل الحسن، والضحية هو المجتمع والوطن.
________________________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.