– مشاورات بوزنيقة في المغرب تمهد للقاءات رسمية بين رئيسي برلمان طبرق ومجلس الدولة
– استياء من تجاهل غالبية النواب المجتمعين في طرابلس وقلق من إدخال البلاد في مرحلة انتقالية رابعة
– حفتر جاهز لإجهاض أي اتفاق لا يلبي طموحاته في حكم البلاد
يأمل الكثير من الليبيين في أن تُشكل المشاورات غير الرسمية التي جمعت بالمغرب وفدين من المجلس الأعلى للدولة، ومجلس نواب طبرق، بالمغرب، خطوة نحو بدء حوار جاد يخرج البلاد من المراحل الانتقالية ويضع حداً لأزمة دموية طال أمدها.
وإعلان عبدالسلام الصفراني، رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة في مشاورات المغرب، أمس الإثنين، أنهم توصلوا إلى تفاهمات بشأن المؤسسات الرقابية، والأسماء المقترحة لقيادتها، ما يعني أن هناك تقدماً نحو توحيد هذه المؤسسات المنقسمة بين غرب البلاد وشرقها.
وتتمثل المؤسسات الرقابية، بحسب المادة (15) من اتفاق الصخيرات، في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.
وتمديد مشاورات المغرب غير الرسمية، التي بدأت الأحد، من يومين إلى ثلاثة أيام أو أكثر، يعكس صعوبة التوافق على أسماء بعينها، لكنه في الوقت نفسه يبرز رغبة الطرفين في تحقيق تقدم يعطي أملاً لليبيين بعد أن استحكمت عليهم الأزمات من جوانب عدة.
وتوحيد هذه المؤسسات يمهد لإجراء انتخابات على الدستور، الذي أقرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في يوليو 2017، وأيضاً انتخابات رئاسية وبرلمانية لإنهاء حالة التمزق.
غير أن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أوضح أن هذه المشاورات (غير الرسمية) “ليست سوى تمهيد لانطلاق الحوار بشكل رسمي”.
ما يعني أن هذه المشاورات لن تخرج باتفاق نهائي، وإنما تحديد نقاط الاتفاق المشتركة، والقضايا الخلافية لرفعها إلى جلسات الحوار المرتقبة في جنيف.
إذ يعتبر لقاء مدينة بوزنيقة، جنوبي العاصمة المغربية الرباط، الأول من نوعه الذي يجتمع فيه وفدان من معسكري الشرق والغرب، وجهاً لوجه، منذ هجوم مليشيات حفتر، على العاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019.
لكن سبق وأن زار كل من المشري، وعقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، المغرب في وقت متزامن، قبل أسابيع، دون أن يجريا لقاء مباشراً.
ورغم ارتفاع سقف اشتراطات كل طرف للقاء الآخر، فإن هناك تقاطعات بين الجانبين، أهمها إعادة تشكيل المجلس الرئاسي من ثلاث شخصيات بدل 9 أعضاء.
لكن الخلافات بينهما أعمق من ذلك بكثير؛ وهو ما دفع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لدعوة الأطراف الليبية لأن “تتسم بالواقعية لإنضاج الحل”.
مناقشات سياسية وعسكرية غير مباشرة
لكن مشاورات بوزنيقة المغربية سبقتها عدة جولات من المباحثات غير المباشرة قادتها البعثة الأممية إلى ليبيا بعد انحسار المواجهات العسكرية بين الطرفين منذ منتصف يونيو الماضي.
حيث سبق وأن التقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالنيابة ستيفاني وليامز، في مدينة جنيف السويسرية برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وعقيلة صالح، والمشري، وعدد من ممثليهم، لكن بشكل منفرد.
عسكرياً، وإن لم تعقد اجتماعات لجنة “5+5” في مكان واحد وبشكل متزامن منذ فبراير الماضي، لكن البعثة الأممية أجرت 3 جولات من المناقشات عبر الاتصال المرئي مع ممثلي الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية.
كما أجرت جولتين مع ممثلي مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، منذ 8 يوليو الماضي، بحسب ما كشفته وليامز، في تقريرها الأخير الذي قدمته لمجلس الأمن في 2 سبتمبر الجاري.
لكن المبادرة الأممية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، بشأن إنشاء تدريجي لمنطقة منزوعة السلاح بدءاً من مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، ووضع آلية رصد مشتركة صغيرة دولية لرصد وقف إطلاق النار، لم تلق ترحيباً من مليشيات حفتر حتى الآن.
حيث تتهم البعثة الأممية مليشيات حفتر والحكومة الشرعية بالإصرار على “مواقف غير واقعية ومتشددة”، ولفتت إلى أن “الاختلافات في الآراء وانعدام الثقة بين الجانبين لا تزال بارزة”.
إلا أن لقاء بوزنيقة قد يمهد للقاءات أخرى في جنيف ترعاها الأمم المتحدة بين ممثلي مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة، وحتى بين عقيلة، والمشري، قد تنتهي باتفاق جديد، كما أشار إلى ذلك بوريطة.
بين انتخابات حاسمة ومرحلة انتقالية رابعة
لقاء وفدي برلمان طبرق ومجلس الدولة يبدو أنه لا يحظى بإجماع داخل معسكري الشرق والغرب.
فحفتر لا يبدو سعيداً لمحاولة تغييبه دولياً كطرف رئيس في المفاوضات، وهذا ما يفسر خرقه ثلاث مرات لوقف إطلاق النار، لإضعاف موقف عقيلة صالح في الشرق، كما أنه جاهز دوماً لإجهاض أي اتفاق لا يلبي طموحاته في حكم ليبيا.
والنواب المجتمعون في طرابلس لا يبدون متحمسين كثيراً للحوار الذي يجريه أعضاء في مجلس الدولة مع زملائهم في طبرق، متجاهلين أنهم يمثلون أغلبية البرلمان.
وفي هذا الصدد، غرّد جمعة القماطي، رئيس حزب التغيير الليبي، السبت، قائلاً: تنطلق غداً (الأحد) في الصخيرات (اللقاء انعقد في بوزنيقة) المغربية مشاورات بين مجلس نواب عقيلة، 23 عضواً (من إجمالي 188) ومجلس الدولة، متجاهلين مجلس النواب في طرابلس؛ 84 عضواً.
وأضاف القماطي، الذي يشغل أيضاً منصب مبعوث السراج إلى دول المغرب العربي: نأمل أن تكون المشاورات حول استفتاء على الدستور، أو آلية أخرى لانتخابات في أسرع وقت، أما الذهاب إلى مرحلة انتقالية رابعة وتقاسم المناصب؛ فلا يؤسس لبناء دولة!
فما يخشاه كثير من الليبيين أن يتفق برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة على الدخول في مرحلة انتقالية جديدة تضمن التمديد لأعضائهما، بدل الاتفاق على انتخابات جديدة يختار فيها الشعب ممثلين “جدد”.
غير أن المجلس الأعلى للدولة كثيراً ما شدد على ضرورة الذهاب إلى استفتاء على الدستور، قبل التوجه إلى الانتخابات، بينما يفضل عقيلة انتخاب عضو من كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (فزان وبرقة وطرابلس) لتشكيل مجلس رئاسي يتخذ من سرت مقراً له، لفترة انتقالية تمتد من 18 إلى 24 شهراً.
بينما دعا السراج إلى التوجه لانتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس المقبل.
غير أن المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش شكك في جدوى ما قد يتوصل إليه المجلسان من تفاهمات، ونشر على حسابه بـ”تويتر”، تصريحاً قديماً للمبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، أدلى به في 9 نوفمبر 2018، جاء فيه “بالنسبة لكلا المجلسين (النواب والدولة)، تشكل الانتخابات تهديداً يتوجب عليهما مقاومته مهما كلف الأمر.
كما أن 24 عضواً في مجلس الدولة، تحفظوا على لقاء زملائهم بوفد من برلمان طبرق، بشكل غير رسمي، بحسب ما نشره إعلام محلي؛ مما يعكس صعوبة مشاورات بوزنيقة، بالنظر إلى التوجس من عدة أطراف حول ما يمكن أن تخرج به.
غير أن المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة حرص، في بيان له، على وصف اللقاءات التشاورية غير الرسمية بأنها جرت وسط أجواء إيجابية بخصوص محاولات إعادة إحياء الحوار السياسي بين الأطراف الليبية.
فقبل 5 أعوام، تمكن وفدان من مجلس النواب في طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس (المجلس الأعلى للدولة حالياً) من التوصل إلى اتفاق، برعاية أممية، في مدينة الصخيرات المغربية.
لكن الاتفاق واجه معارضة عقيلة، وحفتر، وأيضاً نوري أبوسهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام، وخليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس.
وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016، على هذه الأطراف عقوبات لعرقلتها الاتفاق السياسي، باستثناء حفتر، الذي يحظى بدعم فرنسي.
ولا يُنتظر من لقاء بوزنيقة الخروج باتفاق نهائي، ولكنه واضح من اسمه “مشاورات غير رسمية”، تهدف للتمهيد للقاءات رسمية قد يمكنها وضع خارطة طريق للأزمة الليبية برعاية أممية ودولية.
لكن هذه المشاورات تتزامن مع خروقات متكررة لتوافقات السراج، وعقيلة بشأن وقف إطلاق النار، من قبل مليشيات حفتر، مما يطرح مشكل الضمانات حول تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه، خاصة إذا تعارض مع رغبات قوى مؤثرة على الأرض.