أنهت وزارة الصحة قبل بضع سنوات عمل طبيب وافد استشاري وحيد في تخصصه بقانون العمر، فعاد إلى بلده وشعروا بمشكلة كبرى لهذا النقص، فأعادوه باستثناء بعقد خاص براتب أعلى من قبل، وما زال على رأس عمله بكل إخلاص.
وتكرر الأمر مع عدة أطباء أنهيت خدماتهم بسبب العمر، فاتجه بعضهم إلى القطاع الخاص، وخسرنا خبراتهم، واستفاد ديوان الخدمة المدنية من هذه التجربة، وصدرت تعديلات العمر والعقود الخاصة، التي شملت أساتذة الجامعة والقضاء.. وغيرهم.
وتتكرر الأمور مرة أخرى اليوم بقرارات إنهاء الخدمات لعموم الموظفين الوافدين بالدولة للعمر، بسبب ردود فعل شعبية، دون دراسة متأنية بربط الحاجة أو الخدمة، أو الوضع النفسي والاجتماعي والإنساني لهم، فلكل واحد منهم ظروفه وحكايته، فلا تعمموا القرار بلا حدود.
كنت عائداً قبل 30 سنة من إحدى الدول العربية، فتحاورت مع الجالس بجانبي، فقال: إنه نشأ في الكويت منذ كان طفلاً صغيراً مع والده، ولم يذهب لبلده منذ 20 عاماً، فلما ذهب في إجازة لبلده لم يستطع البقاء هناك أسبوعين وعاد مباشرة للكويت بهذه الرحلة، فقلبه معلق هنا، وهذا شأن عشرات الآلاف ممن نشؤوا هنا وعاشوا في كنف الراحة والأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي في الكويت، ويتمنون الموت على أرضها.
وأعرف شخصاً أصيب بجلطة دماغية بسبب إنهاء خدماته بعد عمر 70 سنة، حتى توفي.
نعم.. أصبحت قلوبهم معلقة بالكويت صدقاً ومحبة، ولا يلامون في ذلـك، فلا تتركوهم بعدما كبروا وعشقوا هذه الأرض التي هم على استعداد للبقاء فيها ولو على الخبز والشاي.
وأقصد هنا العمالة الوسطى والدنيا، ولست معمماً على جميع الوافدين، ولكنني أتكلم عمن قدم خدمات تجاوزت 30 عاماً أفنى فيها زهرة شبابه في العمل في خدمة الكويت، مع حسن سيرة وسلوك، وغالباً لن يجدوا وظائف جديدة تناسبهم بعد الستين، فالكل يبحث عن الشباب، ولديهم من الخبرات التي تفيد أعمالهم، فلا نهملهم في شيبتهم بعد أن أخذنا شبابهم.
وكثير من الناس يحتفظون بخدمهم الكبار بالبيت دون عمل تكريماً لخدمتهم الطويلة، وكذلك بعض المسؤولين الذين ينقلون إقامة بعض الموظفين بعد تقاعدهم تكريماً لهم.
رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيخاً ذمياً يسأل الناس، فسأله: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر رضي الله عنه بيده، وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال، وقال له: «انظر هذا وضرباءه فضع عنهم الجزية، فوالله ما أنصفناه، أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم»، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ثم وضع عنه الجزية وعن ضربائه.
فلا أقل من السماح لأولئك الوافدين ممن تجاوزت خدمتهم 30 عاماً، أو ولدوا بالكويت، والراغبين بالبقاء في الكويت بمنحهم إقامة دائمة، باشتراطات أمنية محددة، أهمها عدم الشحاذة، ودفع الرسوم الصحية والإدارية المطلوبة، أو الالتحاق بعائل كأبنائهم وأقاربهم من الدرجة الأولى، أو البحث عن بدائل تكرمهم ولا تهينهم «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، فلا تتركوهم بعدما كبروا.
الكويت بلد الإنسانية، فلنبدع في ذلك قدر المستطاع، مع حفظ الأمن والأمان لبلدنا الحبيب.
_______________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.