38 عامًا مرت على جرح غائر في الذاكرة الفلسطينية؛ مجزرة صبرا وشاتيلا التي استفاق العالم عليها في السادس عشر من سبتمبر 1982، ليجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوسًا بلا أعين، وأخرى محطمة.
وتتزامن ذكرى المجزرة الأبشع في تاريخ البشرية هذا العام، مع تهافت عربي مهول للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتوقيع دولتي الإمارات والبحرين على اتفاق لتطبيع العلاقات مع الاحتلال، برعاية أمريكية في البيت الأبيض.
الباحث والمختص في شؤون اللاجئين، ياسر علي يقول: إن التهافت العربي نحو التطبيع في ذكرى مرور 38 عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا، يجب ألا ينسينا أن الصهاينة قد قتلوا عددًا من الجنسيات العربية من المغرب إلى اليمن وليس فقط الفلسطينيين.
وأضاف في تصريح خاص بـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن الذين ذُبح أبناء شعوبهم في هذه المجزرة يظهرون كأنهم يبيعون تلك الدماء، وليس فقط دماء أبناء فلسطين.
وأكد أن موعد توقع اتفاق التطبيع في واشنطن في ذكرى صبرا وشاتيلا كان مقصودًا، “والاحتلال على مدار تاريخه لا يترك مناسبة إلا ويستغلها لرسائل عدة”.
وقال: “صبرا وشاتيلا أقّتت في الذكرى العاشرة لعملية مينوخ، وفدائيو هذه العملية ينتمون لشارع صبرا الذي حدث فيه المجزرة، وبدأت المجزرة من نادي الكرمل الذي كان يلعب فيه 4 من الفدائيين”.
وأشار إلى أن ما يحدث في واشنطن مجزرة تطبيعية تنحر القضية الفلسطينية من الوريد إلى الوريد، وحددوا تاريخ مجزرة صبرا وشاتيلا موعدا لها للإمعان؛ في إذلال المطبعين ليأتوا سوقا إلى الاتفاق.
مجريات المجزرة الإرهابية
واستمرت المجازر المرتكبة بحق أبناء المخيم ثلاثة أيام، وهي 16-17-18 أيلول، ارتقى خلالها عدد كبير من الشهداء في المذبحة من رجال وأطفال ونساء وشيوخ من المدنيين العزل، غالبيتهم من الفلسطينيين، في حين سقط أيضا خلال المجزرة لبنانيون، وقدر عدد الشهداء وقتها بنحو ألفي شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة.
وبدأت المجزرة بعد أن طوق الجيش الصهيوني المخيم بقيادة وزير الحرب آنذاك أرئيل شارون، ورافائيل إيتان، وارتكبت المجزرة بعيداً عن وسائل الإعلام، واستخدمت فيها الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم، وكانت مهمة الجيش الصهيوني محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة.
وحاصر الجيش الصهيوني وجيش لبنان الجنوبي مخيمي صبرا وشاتيلا، ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وقتل المسلحون النساء والأطفال، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم، ومن ثم دخلت الجرافات الصهيونية لجرف المخيم وهدم المنازل لإخفاء الجريمة.
ونفذت المجزرة انتقاما من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية طيلة ثلاثة أشهر من الحصار، الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تفِ بالتزاماتها، وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم قتلا وذبحا وبقرًا للبطون.
وهدفت المجزرة إلى بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية هناك، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الصهيوني عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتحريض الفلسطينيين على قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية.
ولم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أول المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق شعبنا، ولن تكون آخرها بالتأكيد؛ فقد سبقتها مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة، وتلتها مجزرة مخيم جنين، ومجازر غزة وغيرها، ورغم بشاعة ما جرى من قتل وتدمير في صبرا وشاتيلا، وهو ما شهده العالم أجمع، لا يزال الفاعلون طلقاء.!
صبرا وشاتيلا
“صبرا” هو اسم حي تابع إداريا لبلدية الغبيري في محافظة جبل لبنان، تحده مدينة بيروت من الشمال والمدينة الرياضية من الغرب ومدافن الشهداء وقصقص من الشرق ومخيم شاتيلا من الجنوب.
يسكن الحي نسبة كبيرة من الفلسطينيين، لكنه لا يعد مخيما رسميا للاجئين رغم ارتباط اسمه باسم “شاتيلا”، ما يولد انطباعاً بكونه مخيماً.
تعود التسمية إلى عائلة “صبرا” التي أطلق اسمها على الشارع الذي يمر في قلب الحي بادئا في حي الدنا في منطقة الطريق الجديدة ببيروت ومارًّا بساحة “صبرا” وسوق الخضار الرئيس ومنتهيا عند مدخل مخيم “شاتيلا”.
أما “شاتيلا” فهو مخيم دائم للاجئين الفلسطينيين، أسسته وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عام 1949 بهدف إيواء المئات من اللاجئين الذين تدفقوا إليه من قرى عمقا ومجد الكروم والياجور في شمال فلسطين بعد عام 1948.
يقع المخيم جنوب بيروت عاصمة لبنان، فبعد مـرور شهور على النكبة ولما ازدادت الحاجة إلى وجود أمكنة للسكن تبرع سعد الدين باشا شاتيلا بأرض له، تعرف منذ ذلك التاريخ حتى اليوم بمخيم شاتيلا.
أرض المخيم نصفها مؤجر من أونروا، والنصف الثاني ملك لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمخيم معروف بأنه المكان الذي حصلت فيه مذبحة “صبرا وشاتيلا” في سبتمبر 1982 بالإضافة لأحداث الحرب الأهلية اللبنانية عام 1982 وحرب المخيمات بين عامي 1985 حتى 1987.
لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع، ويسكنه أكثر من 12000 لاجئ، وبذلك يكون المخيم من أكثر المناطق كثافة بالسكان، وفيه مدرستان فقط ومركز طبي واحد.
وتعاني ظروف الصحة البيئية في المخيم من سوء حاد؛ فالمساكن رطبة ومكتظة، والعديد منها تحتوي على قنوات تصريف مفتوحة، ونظام الصرف الصحي بالمخيم بحاجة إلى توسعة كبيرة.
أحداث المجزرة
صدر قرار تلك المذبحة برئاسة رافايل إيتان رئيس أركان الحرب الصهيوني وآرييل شارون وزير الحرب آنذاك في حكومة مناحيم بيجن، وتحالف خلالها جيش الاحتلال مع حزب الكتائب اللبناني ليسطروا بالدم صفحة من صفحات الظلم والبطش.
في صباح السادس عشر من سبتمبر عام 1982م، استيقظ لاجئو مخيمي “صبرا وشاتيلا” على واحدة من أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني الصامد، إن لم تكن من أبشع ما كتب في تاريخ العالم بأسره في حق حركات المقاومة والتحرير.
دخلت ثلاث فرق كل منها يتكون من خمسين مسلحا إلى المخيم، وقامت المجموعات المارونية اللبنانية بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين بلا هوادة.
كان المخيم مطوَّقًا بالكامل من جيش لبنان الجنوبي والجيش الصهيوني، ودخلت القوات الانعزالية، وبدأت بدم بارد تنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدا عن الإعلام، وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم العُزَّل.