قال المعلق في صحيفة “أوبزيرفر” سايمون تيسدال: إن العدالة والمسلمين الروهنجيا هم الخاسرون في لعبة الحرب الباردة في آسيا.
وأضاف أن عملية الاضطهاد والتطهير العرقي للمسلمين الروهنجيا في ولاية راخين بميانمار هي إهانة لحكم القانون، وهي جريمة موثقة بشكل دقيق، وبحسب محام كبير في القانون الدولي فهي لطخة أخلاقية في ضميرنا الجمعي والإنساني.
والسؤال هو عن استمرار المذابح بدون معاقبة المرتكبين لها، وهو سؤال له عدة أجوبة محتملة، فربما كان وضع ميانمار أو بورما السابقة المعزولة والفقيرة سببا في عدم ظهور حملة دولية مستمرة.
وربما لم يثر وضع المسلمين الذين لا يراهم أحد ومن ذوي البشرة البنية اهتماماً في وقت نشهد فيه عدة نزاعات عرقية وإثنية وهجرة.
وربما كان غياب الغضب العالمي متعلقاً بالمشكلة القديمة وهي محاولة الدول القوية منع وإخضاع واستغلال الشعوب الضعيفة والمغلوب على أمرها خدمة لمصالحها الأنانية، ففي ميانمار كانت بريطانيا الإمبريالية قبل قرن من الزمان واليوم الصين الإمبريالية التي لا تهتم بحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
وفي قلب لغز ميانمار تقع قوة قمعية لا أحد يستطيع وقفها وهي تاتمادو، منظمة القوات المسلحة المنظمة التي تتسيد الحياة الوطنية رغم العودة الاسمية إلى الديمقراطية عام 2011.
فالهجمات التي نفذتها على المسلمين الروهنجيا في الفترة ما بين 2016- 2017 وقتلت الآلاف وهجرت ثلثي مليون مسلم إلى الجارة بنغلاديش صدمت العالم لكن أحدا لم يحاسب فيها، وحذرت ميشيل باشليت، مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من أن الجيش البورمي بدلا من وقف المذابح استأنف عمليات قتل وخطف المدنيين في راكين وولاية تشين المحاذية لها، وبدون خوف من المحاسبة.
وقالت: في بعض الحالات يبدو أن الهجمات كانت عشوائية بشكل يجعلها جرائم حرب ضد الإنسانية، ومرة أخرى لم يحاسب أحد، وزادت الآمال بتحقيق العدالة عندما ظهرت أن سان سوتشي زعيمة ميانمار المدنية أمام محكمة الجنايات الدولية في هيغ العام الماضي ولكنها دافعت بدون تعاطف أو مبالاة عن الجيش تاتمادو.
وقالت إن الصراع في راكين محلي بين الجيش والمتطرفين الانفصاليين الروهنجيا، ولو ارتكب جنود أفعالا فستتم معاقبتهم، ولكن قلة من عوقبوا.
وفي يناير أمرت محكمة الجنايات الدولية ميانمار الوفاء بالتزاماتها ومنع الإبادة واتخاذ كل الإجراءات التي بيدها لمنع قتل وإيذاء الروهنجيا، وأمرت تاتمادو بعدم تدمير الأدلة المتعلقة بالجرائم والتقدم بتقرير حول ما قام به لتحقيق العدالة، وحولت المحكمة نتائجها إلى مجلس الأمن الدولي، ولم يترك هذا أي أثر، فبحسب باشليت فإن القتل ربما توسعت قاعدته.
وتكشف الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية أن الجيش جرف بلدة الروهنجيا كان كيا التي تم حرقها قبل سنوات ومحى اسمها والقرى الأخرى من أجل محو وجودها عن الخريطة وكجزء من عملية التستر على الجرائم، ولم يرد النظام على مطالب محكمة الجنايات الدولية ولم يقم بتحقيق يوثق به للكشف عن المذنبين.
وكشفت مع ذلك شهادة جنديين شاركا في مذابح الروهنجيا الأسوأ، وكشفا عن السياسة التي اتبعها الجيش في القتل الجماعي وحفر القبور الجماعية وتدمير القرى واغتصاب النساء والفتيات، وقال أحدهما وهو زاو نينغ تون إن الضابط المسؤول عنه أخبره: اقتل أي شيء تراه سواء كانوا أطفالاً أم كباراً.
وكرد متأخر على العنف المتزايد وتشريد الروهنجيا قامت ثماني دول في مجلس الأمن بدعم من بريطانيا بدعوة ميانمار الالتزام بمطالب الجنائية الدولية ووقف إطلاق النار وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية وضم الروهنجيا إلى سجلات الناخبين في انتخابات نوفمبر، وكان هذا تقدما من نوع ما رغم المعارضة الصينية.
وترى جماعة الضغط البريطانية حملة بورما فالبيان لن يؤثر كثيرا وسيكون واحدا من البيانات التي صدرت وسيتم تجاهلها، وكان الفشل في تطبيق مهمة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي مثيرا للغضب، وطلب من الدول القوية في العالم اتخاذ قرارات تخالف مصالحها السياسية والتجارية بما فيها فرض حظر لتصدير السلاح إلى ميانمار وفرض العقوبات المالية وتجميد الأرصدة ومنع الصفقات التجارية والاستثمارات وتحويل ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكلها رفضت عمل هذا.
وانتقلت ميانمار دورة كاملة، فمثلما قامت الهند البريطانية بإخضاع واستغلال مصادر بورما تحاول الصين عمل نفس الأمر من خلال بناء حاجز استراتيجي ودويلة تابعة لها، وعندما زار شي جينبنغ ميانمار في يناير كان هدف الأول هو جر الجارة الفقيرة إلى الفلك الصيني وطرد القوى المنافسة له مثل أمريكا والهند والدول الأوروبية.
وأنتجت رحلة شي عدداً من الصفقات التجارية ومشاريع الاستثمارات والبنى التحتية، وكان أهمها إكمال الممر الاقتصادي الصيني- البورمي الذي يعطي بيجين منفذاً على المياه العميقة في خليج البنغال، وهو ما سيمنح الصين ممراً بديلاً عن المناطق المتنازع في بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا.
وقادة ميانمار ليسوا غافلين عن الأخطار بالتعاون مع الصين والمصائد المالية والمحاولات السرية لاستغلال النزاعات الإثنية ولكن فيتو الصين في مجلس الأمن كاف لأن يظل الجيش البورمي وجنرالاته خارج المحاسبة، وفي الوقت نفسه لا تتجرأ أمريكا ولا الدول الأوروبية التشدد في مجال حقوق الإنسان خشية خسارتها فرصا تجارية أو ورقة نفوذ في الحرب الباردة الجديدة في آسيا، ولهذا السبب يتواصل القتل وتتوسع لطخة الضمير ويتم تعلم دروس الماضي وهي أن القوى الكبرى تتجاوز القوانين والإنسانية في كل مرة.