انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام، معتبراً إياها “استفزازاً صريحاً وتفتقد للاحترام”.
واعتبر أردوغان، في كلمة بفعالية بالمجمع الرئاسي، اليوم الثلاثاء، حديث الرئيس الفرنسي عن إعادة هيكلة الإسلام بأنه “وقاحة وقلة أدب”.
وقال بهذا الخصوص: تصريح ماكرون بأن الإسلام متأزم، في مدينة ذات كثافة سكانية مسلمة، استفزاز صريح فضلًا عن كونه قلة احترام.
وأشار الرئيس التركي إلى أن العديد من الدول الغربية أصبحت “راعية للعنصرية ومعاداة الإسلام”.
ولفت أردوغان إلى أن الذين يتهربون من مواجهة العنصرية وكراهية الإسلام يرتكبون أكبر إساءة لمجتمعاتهم.
والجمعة الماضي، قال ماكرون في خطاب له: “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم”، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.
جاء ذلك بالتزامن مع استعداد ماكرون لطرح مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”.
وأشار أردوغان إلى أنه في الوقت الذي تظهر تركيا موقفاً يحتذى به في مسألة الحريات والحقوق الدينية، فإن مناخاً معاكساً تماماً بات يسود في العالم الغربي.
ولفت أردوغان إلى أن سموم العنصرية والتمييز و”الإسلاموفوبيا” تنتشر في البلدان الغربية التي كانت مهداً للديمقراطية لسنين طوال.
وأردف: تتعرض أماكن عمل المسلمين في البلدان الغربية إلى هجمات فاشية كل يوم تقريباً، كما تتعرض النساء المسلمات إلى اعتداءات لفظية وجسدية في الشوارع والأسواق والمدارس بسبب حجابهن، نتلقى كل يوم تقريباً أخباراً عن اعتداءات وهضم للحقوق وإخراج من العمل لأهلنا لكونهم من الأتراك والمسلمين.
وتابع: إلى جانب المسلمين تتأثر المجموعات الأخرى ذات الهوية العرقية والمظاهر والانتماءات الدينية المختلفة أيضًا لمثل هذه الممارسات، ويستهدف إرهاب النازيين الجدد، مواطنينا والمهاجرين الأفارقة والآسيويين، والمسلمين واليهود.
وأضاف: نشهد أن التعصب الأيديولوجي مثل تنظيم “داعش” يسمم المجتمعات الأوروبية أكثر فأكثر.
وأكد الرئيس أردوغان أن الهجمات التي تستهدف المساجد ودور عبادة الديانات الأخرى وصلت إلى أبعاد لا يمكن تصورها في البلدان الغربية.
وأشار إلى أن حرق نسخ من القرآن الكريم في السويد، وتمزيق المصحف في النرويج، والترويج لرسوم كاريكاتورية تسيء إلى الرسول محمد باسم حرية الصحافة في فرنسا، ليست سوى بعض الهجمات على المقدسات، مؤكداً أن الهجوم الإرهابي الذي استشهد فيه 52 شخصًا في نيوزيلندا العام الماضي كشف التهديد الذي تواجهه الإنسانية.
ولفت إلى أنه يتم إطلاق اسم “جرائم بائعي الشاورما” على جرائم تنظيم “الاشتراكيون الوطنيون (النازيون) تحت الأرض” وذلك للتقليل من شأنها، مضيفاً: “أقولها بصريح العبارة، اليوم العنصرية ومعاداة الإسلام في العديد من البلدان الغربية، تتم رعايتها من قبل الدولة”.
وأوضح أردوغان أن الهجمات التي تطال قيم ومقدسات المسلمين يتم تجاهلها تحت ذريعة حرية الفكر.
ولفت الرئيس التركي إلى أن المجرمين الذين يهاجمون المساجد وأماكن عمل المسلمين “لا تتم حتى ملاحقتهم”.
وأضاف أن كيانات النازية الجدد نظمت نفسها بحرية داخل الجيش وقوى الأمن، والإعلام الغربي كأنما يؤدي دور العلاقات العامة لتلك التنظيمات.
وأكد أن الدول الأوروبية تتخذ مواقفها وفقاً مرتكبي الأعمال الإرهابية.
وأشار أردوغان إلى أن هناك محاولة الطعن بسمعة السياسيين أمثالنا من الذين يصدحون بالحقيقة، لخلق العداوة ضدهم، وهذه أحد أسباب معاداة الأتراك والمسلمين التي أججها بعض القادة ووسائل الإعلام الأوروبية في السنوات الأخيرة.
وأضاف: يعتقدون أن القضية ستحل إذا تم إسكات تركيا، كما يعتقدون أنهم عندما يجعلوننا كأعداء لا يمكن رؤية أخطائهم.
وتابع: فمثلما النعامة لا تختفي عندما تدفن رأسها في الرمال، فإن المشكلات لا تختفي أيضاً عند تجاهلها، أولئك الذين يحرفون الأنظار إلى أهداف أخرى، بدلاً من مواجهة العنصرية ومعاداة الإسلام، فهم بذلك يرتكبون أكبر إساءة لمجتمعهم، والمشكلات التي يتجاهلونها اليوم ستظهر أمامهم غداً ككوارث أكبر.
ولفت أردوغان إلى أن مهاجمة المسلمين باتت إحدى أهم الوسائل التي يستخدمها السياسيون الأوروبيون من أجل التغطية على فشلهم، وبعض الرؤساء ورؤساء الوزراء يتجهون الآن إلى هذه السياسة الرخيصة التي طبقتها الجماعات الفاشية في السابق لجمع أصوات الناخبين، وماكرون أصبح آخر اسم ينضم إلى هذه القافلة.
وأضاف مخاطياً ماكرون: “هل سمعتم منا حتى اليوم كلاماً من قبيل إعادة هيكلة المسيحية أو اليهودية؟ من أنت لكي تتفوه بكلام عن إعادة هيكلة الإسلام؟”.
وأردف: “نتوقع منه (ماكرون) أن يتصرف كرجل دولة مسؤول، بدلاً من التظاهر كحاكم استعماري”.
وبين أردوغان أن واجب الدولة ليس التدخل في دين لديه مليارات المؤمنين، بل واجبها ضمان حقوق وحريات جميع الأديان.
وأكد الرئيس التركي أن محاولات “إصلاح الدين” من قبل الدولة هي علامة للمجتمعات الشمولية.
وأشار أردوغان إلى أن ماكرون يريد التغطية على الأزمات الداخلية في بلاده عبر الحديث عن “أزمة العالم الإسلامي”.
وبيّن: “يُفهم أن الهدف الرئيس لقانون مكافحة التطرف ليس محاربة التعصب، بل تصفية الحسابات مع الإسلام والمسلمين، وإن مصطلحات مثل الإسلام الأوروبي، والإسلام الفرنسي يراد منها فرض نمط من التدين منزوع الدين على المسلمين”.
وتابع: هذه العقلية، هي نسخة جديدة من الاستشراق، تُقصي المسلمين المخلصين، وتمهد الطريق للانتهازيين مثل “داعش” وتنظيم “غولن”.
وأردف: وصم المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي منذ نصف قرن بأنهم انفصاليون سيفتح الباب أمام صراعات كبيرة، ولا أحد لديه الحق في المخاطرة بسلامة أرواح وممتلكات المسلمين وحرية عقيدتهم”.
وشدد أردوغان: بصفتنا دولة فقدت العشرات من مواطنيها جراء الإرهاب العنصري، لا يمكننا أن نبقى صامتين أمام كهذا استفزازات.
وأضاف: كما يتعين على ماكرون أن يتوخى المزيد من الحذر عند الحديث عن قضايا يجهلها بشكل خاص، قلت له هذا مراراً وتكراراً: أنت لا تعرف هذه الأمور.
وشد أن بلاده مثلما تعارض عمليات صهر الأقليات في المجتمعات الأوروبية مع محو هويتها، فهي تدعم بشدة سياسة الاندماج، ونحث إخواننا في الخارج على عدم الانغلاق أبدًا، وأن يكونوا حاضرين دائمًا في السياسة والفن والثقافة والحياة التجارية في البلدان الأوروبية التي يقيمون بها.
وبيّن أن فعاليات الوعظ والإرشاد التي قام بها الموظفون الدينيون الأتراك أدت دورًا رئيسيًا في فشل الحركات المنحرفة مثل تنظيم “داعش” بالانتشار بالمجتمعات التركية في أوروبا.
وأعرب الرئيس أردوغان عن أمله ألا يسلك الزعماء الغربيون “المسارات الخاطئة للشعبوية، لأن ثمن ذلك سيكون باهظاً”.
وأكد أنه بغض النظر عن زيادة التعصب في المنطقة والعالم، ستواصل بلاده الوقوف في الجانب الصحيح لتعزيز التسامح، وستستمر في الكفاح من أجل السلام والاستقرار والرفاهية للبشرية جمعاء.