بعد تأخر طال لنحو أسبوع، صدر، أول أمس الثلاثاء، بيان النيابة العامة بشأن مقتل الشاب الأقصري عويس الراوي، ليقول: إن الشاب القتيل كان مسلحاً وحاول مقاومة القوة الأمنية التي أتت للقبض عليه بإذن من النيابة العامة، كما أورد البيان تسليم والد القتيل بالرواية الرسمية مقراً بأنه لم يتعرض لأي إهانة أو اعتداء من القوات.
وجاء البيان الذي انتقد حقوقيون متابعون تأخر صدوره، ليزيد من حدة التساؤلات حول ملابسات مصرع الراوي، بالنظر لبيانات رسمية سابقة حول قضايا سقط فيها مصريون صرعى برصاص الشرطة واعتبرتهم السلطات مدانين، فيما تبين لاحقاً زيف الرواية الرسمية، مثلما جرى في واقعة مقتل الشاب السكندري وأيقونة ثورة يناير 2011 خالد سعيد.
وتداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي بيان النيابة العامة مصحوباً بتساؤلات حول مدى دقة الرواية الرسمية، وأسباب تأخرها كل هذا الوقت، فيما حفلت صفحة النيابة العامة ببيانات عدة تخص قضايا أقل أهمية للرأي العام من قضية الراوي.
ويمثل بيان النيابة إهداراً لحق القتيل، برأي مستخدمين لمنصات التواصل؛ ما يعني انهياراً لاتفاق جرى إبرامه بين قيادات أمنية وعائلية لخفض حدة التوتر الذي يخيم على مدينة الأقصر جنوب مصر التي شهدت الأسبوع الماضي اشتباكات بين أهالي منطقة العوامية وسط الأقصر وقوات الأمن أثناء تشييع جنازة شاب من المنطقة لقى حتفه برصاص قوات الأمن عقب مداهمة لمنزل أسرته ومحاولة اقتياد شقيقه بدلاً من ابن عمه المطلوب اعتقاله بتهمة التظاهر.
وكان الاتفاق الذي كشفت عن مضمونه مصادر محلية يقضي بالإفراج عن أبناء العوامية المعتقلين على خلفية تظاهرات سابقة ولاحقة على الحادث، والتحقيق مع الضابط قاتل ابن العوامية الشاب عويس الراوي.
ومن دلائل انهيار الاتفاق، بحسب مراقبين، عدم التأكيد الرسمي لأنباء تحدثت عن اعتقال الضابط وإحالته للمحاكمة، حيث لم ترد أي إشارة للتحقيق مع الضابط في بيانات النيابة العامة، وأشار حقوقيون ومراقبون سياسيون لخطورة هذا التجاهل، حيث يمكن أن تصل رسالة سلبية لأهل الأقصر بأن الضابط لم تجر إحالته للنيابة أصلاً.
وكان خبر إحالة الضابط للمحاكمة قد انفردت به صفحة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي يرأسها الحقوقي حافظ أبوسعدة.
وقبيل صدور بيان النيابة انتقدت أحزاب وشخصيات عامة وحقوقية تأخر البيان، وأدان الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في بيان، ما وصفه بـ”صمت السلطات المصرية عن التعليق على وفاة المواطن عويس الراوي بقرية العوامية على يد أحد ضباط الشرطة المصرية، كما أفادت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي وشهادات لأهالي القرية”.
وقال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الحقوقي جمال عيد: النيابة العامة لم تصدر حتى الآن بياناً خاصاً بقتل المواطن عويس الراوي على يد ضابط شرطة، مضيفاً في منشور بـ”فيسبوك”: حياة المصريين تستحق بياناً وتحقيقاً وشفافية ومعلومات، والضباط ليسوا فوق المساءلة، واصفاً وضع العدالة في مصر بأنه “ليس بخير”.
وتسود خشية بين مواطني الأقصر من أن تكون الأنباء النادرة التي تسربت حول إحالة الضابط هي من قبيل التهدئة، ولا ظل لها في الحقيقة.
وجاء خبر إحالة الضابط في تعليق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أسفل بيان لها منشور على صفحتها بـ”فيسبوك”، مطالباً بالتحقيق في واقعة وفاة مواطن بالأقصر، الذي أعربت فيه المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن “بالغ قلقها” إزاء معلومات تلقتها عن أحداث شهدتها منطقة العوامية بمحافظة الأقصر مطلع الشهر الحالي، عقب مداهمة أمنية على خلفية تظاهرات سبتمبر الماضي.
وقال البيان: إن قوات الأمن توجهت لإلقاء القبض على شاب من منزله، وأعقاب ذلك اندلعت “مشاجرات بالأيادي” بين أهل الشاب والضابط المسؤول نتج عنها سقوط قتيل.
وطالبت المنظمة النائب العام بسرعة التحقيق في هذه الواقعة وإحالة من تثبت مسؤوليته جنائياً عن تلك “الجريمة” إلى المحاكمة حتى يكون “رادعاً لكل من تسول له نفسه اغتيال حق أي مواطن مصري بسيط في الحياة، وحتى لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات مجددا لكونها تنتهك أبسط حقوق الإنسان الأساسية وهي الحق في الحياة”، وكذلك إظهار الحقائق للرأي العام المصري.
بالمقابل ظهر بنيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة، الأحد الماضي خمسة عشر مواطناً من محافظة الأقصر، تقرر حبسهم خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيقات على خلفية احتجاجات 20 سبتمبر الماضي بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون والدستور، والتظاهر بدون تصريح، بينهم أكثر من شقيق من عائلة واحدة، بحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، كما جرى اعتقال الصحفية بموقع المنصة القاهري فور نزولها لمدينة الأقصر لإجراء تحقيق استقصائي عن الواقعة، قبل أن يفرج عنها في ساعة متأخرة من مساء الاثنين.
ويمثل استمرار اعتقال المتظاهرين الأقصريين مزيداً من التصدع في الاتفاق الذي كان يقضي بالإفراج عن المعتقلين على ذمة قضايا التظاهر، بحسب مراقبين.
وكانت قرية العوامية بمحافظة الأقصر وبعض القرى الأخرى في مصر قد شهدت احتجاجات مناوئة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وكشفت مصادر محلية في تصريحات صحفية أن عدداً من شيوخ القبائل التقوا أسرة الشاب القتيل لتهدئة حالة الغضب ونزع فتيل الاحتجاجات، ونجحت الجهود في إقناع أسرته بفتح دار المناسبات للعائلة لتلقي العزاء، وفض الاحتجاجات كافة، واللجوء إلى القضاء المصري للمطالبة بالقصاص القانوني عبر شكوى قضائية ستتقدم بها الأسرة بعد أيام العزاء.