أول من أطلق مصطلح «الدولة العميقة» في الكويت هو الكابتن سامي النصف بعد حل مجلس إدارة الخطوط الكويتية، وتجميد مشاريعه التطويرية لشراء طائرات جديدة، وتأجير طائرات بشكل عاجل تخدم الكويت، في حين اعتدنا سماع المصطلح في الدول ذات الأنظمة العسكرية والدكتاتورية.
ولا يعني ظهور المصطلح أنه أمر جديد، بل هو قديم المعنى قدم وجود المجتمعات الإنسانية، بمسميات مختلفة، وتظهر وتختفي بحسب استمرار قوة تلك السيطرة العميقة على مقدرات البلاد، فقد تكون عسكرية أو اقتصادية أو دينية، وهي موجودة في جميع دول العالم القديم والحديث بأشكال مختلفة.
ولا ينحصر المعنى في الدول فقط، إنما في الأحزاب والتيارات السياسية والقبائل والعوائل والشركات الكبرى، التي غالبًا يديرها «الحرس القديم» لأن عندهم الخبرة والتفاصيل الدقيقة والعلاقات المتجذرة وكثير من الأسرار، إضافة إلى التمويل.
ولكن.. هل يمكن تفكيك هذه الدولة العميقة أو السيطرة العميقة؟!
أثبت التاريخ أنه لا يوجد شيء دائم، فكل دولة أو قوة لها عُمْر محدد وإن طالت ظاهرًا، وهذه سنة الحياة، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140)، ولقصر أعمارنا فإننا نراها طويلة، خصوصًا إذا ارتبطت السيطرة بأشخاص محددين، فبزوالهم تزول السيطرة والسلطة.
لذا.. تجاوزت العديد من الدول العميقة مركزية القرار، وأسست لها مطابخ تدير العمل مستعينة بمراكز دراسات وهياكل تنظيمية وإدارية وإشرافية أخطبوطية، قد لا يعرفون بعضهم بعضًا، وجعلوا لهم واجهات متعددة من رؤساء حكومات وقيادات عسكرية، ورموز سياسية واقتصادية واجتماعية، وحتى حكام وملوك، لذلك لا غرابة أن نجد تصريحات رؤساء دول غربية كبرى بوعود وإنجازات سياسية وعسكرية وغير ذلك (إغلاق جوانتانامو نموذجًا)، ثم لا يتم تنفيذها لأن المطبخ (الدولة العميقة) لا يريد ذلك، ويستخدم كلام الرؤساء والأحزاب للاستهلاك الإعلامي، والضغط والابتزاز السياسي والاقتصادي.
أذكر في إحدى الوزارات أن الصراع بين الوكلاء المساعدين كان على أوجه، كل يريد فرض سياسته ورأيه، ويطعنون ببعضهم البعض، ما أدى لتعطل كثير من الأعمال، فلما تم تعيين وزير قوي (بلدوزر) وأراد الإصلاح، اتحد الوكلاء المساعدون ضده، وأصبحوا متفقين في تعطيل قراراته -وهو الوزير- بأساليب سخيفة ومستفزة، والوكيل ضايع بينهم، حتى اضطر الوزير لأن يستقيل.
وما ذلك إلا أحد نماذج الدولة العميقة المبسطة، التي ستزول بزوال الوكلاء المساعدين، ولكن سيأتي غيرهم.. وهكذا هي المستويات.
طيب.. هل ممكن تكون الدولة العميقة إيجابية ومفيدة؟!
الجواب.. نعم، ممكن تكون الدولة العميقة إيجابية ومفيدة لو حسنت النوايا، وتحققت «العدالة»، التي هي بلا شك مفقودة في العالم أجمع، فكل الحرس القديم في الأحزاب والتيارات يعتقدون أنهم يحاولون تحقيقها، إلا أن قدراتهم لا تستطيع تحقيق العدالة لوجود أطراف نزاع متعددة تختلف بالرأي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نفتقد العدالة في التعيينات الوظيفية، والتسهيلات الائتمانية والتمويلية والتشغيلية، وتجد وظيفة براتب 800 د.ك، ونفس الوظيفة بمكان آخر براتب 2000 د.ك، وكل حسب واسطته ودولته العميقة.
وتصور نهاية خدمة وظيفة ما 10 آلاف د.ك، ووظيفة أخرى موازية 350 ألف د.ك! وغيرها من نماذج فقدان العدالة غير المحدودة.
وللحديث بقية.
______________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.