تبقى الدولة العميقة أساساً موجوداً في كل المجتمعات، وتحرص كل المؤسسات على المحافظة عليها رغم اختلافاتها الداخلية بالتنازلات تارة، والمفاوضات تارة أخرى، فقد تنقسم المعارضة المتسقة لاختلاف الرؤى، إلا أنها تخضع للأقوى حرصاً على بقائها واستمرارها، وأقوى تنسيق عادة يكون بين القوى الاقتصادية والسلطة السياسية، حفاظاً على استقرار البلاد سياسياً واقتصادياً.
فعلى سبيل المثال، نجد أن «غرفة التجارة» لا تتغير سياستها منذ نشأتها، فهي تدعم المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية الكبرى حفاظاً على الاقتصاد الوطني الذي لا يراه عموم الناس، كما أنها تحظى بدعم الحكومات والبرلمانات مهما تغيرت اتجاهاتها من اليمين واليسار لذات الهدف، ومتجاوزين المناوشات التي تحدث بين الحين والآخر لأسباب مختلفة، تنتهي بالنهاية بينهم بالتصالح من خلال الدولة العميقة.
ولعل أكثر ما يزعج الدولة العميقة أمران: الضغوط الدولية والحروب وما شابه، والاختراق الأمني والاستخباراتي، الذي يقدم معلومات مغلوطة أو منقوصة للضغط على الدولة العميقة، أو المشاركة في عملها وابتزازها.
وكما ذكرت، الآن الأمور آخذة بالاحترافية أكثر من السابق، فإذا كان ذلك على مستويات محلية بسيطة، فما بالك بمن يدير العالم كله بأسلوب الدولة العميقة؟! أعتقد أننا لا شيء أمامهم، فنحن كمن يدير سوقاً مركزية (سوبر ماركت) أمام من يدير العالم عبر الأقمار الصناعية التي لو أوقفوها للحظة لضعنا جميعاً.
إنه المال يا سادة، سيطر على العسكريين والمدنيين واشترى الكرامات، واحتوى صغار التجار، ومن يخرج عن طوعهم مصيره الإفلاس والخروج من ساحة الصراع كحد أدنى، هذا إن لم ينته بالقتل أو التنكيل، فالمال يبدأ بدخول ناعم لكل مكان، بعدة لغات وأساليب، حتى إذا تمكن تكون تحت سيطرته وقوته.
وبما أن الدولة العميقة أمر واقع بمسميات وأشكال عديدة، فعلينا أن نتعامل معها بحذر وتوعية، وأن يتقي كل فرد ربه فيما يقوم به من دور على أي مستوى؛ رسمي أو باطني أو حزبي أو وظيفي أو قبلي أو عائلي أو تجاري أو استخباراتي أو أمني فيما لا يضر الآخرين، عمداً أو بغير عمد، فإن أراد أن يستفيد فذلك شأنه، ولكن عليه ألا يضر البشر ولا الوطن.
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من سيطرة الدولة العميقة السلبية، ويرزق ولاة أمورنا البطانة الصالحة، ويمتعنا بدولة عميقة إيجابية تحقق الأمن والأمان للجميع، وحرس قديم محب للخير ولوطنه.
_______________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.