– “الإخوان” كانت تسعى لبناء دولة ديمقراطية ولكن جرى خنقهم بالمشكلات لإفشالهم
– أمريكا اعتبرت فوز الإسلاميين “خطراً” فكيف يقال: إنها نسقت لوصولهم للسلطة؟
– مرسي كان مستقلاً تماماً عن مكتب الإرشاد.. والمرشد تراجع في الخلفية ليدعمه
كم هائل من المعلومات المضللة نشرتها صحف ومواقع معادية لـ”الربيع العربي”، وهي تستعرض ما جاء في “إيميلات هيلاري كلينتون”، بغرض تشويه التيار الإسلامي، وإظهار –زوراً -أنه كان هناك تنسيق تام بينه وبين أمريكا، لإزاحة أنظمة عربية قائمة.
وبرغم أن أغلب الرسائل المنشورة حالياً من بريد هيلاري كلينتون على موقع وزارة الخارجية الأمريكية قديمة، ونشرت بين عامي 2015 و2016، ضمن دفعة تقدر بـ35 ألف رسالة تم نشرها، ويسعى ترمب لنشر المزيد منها، متصوراً أنها ستضعف موقف مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات.
الوثائق الحقيقية أكدت –على لسان المسؤولين الأمريكيين– أن الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموماً في العالم العربي كان صادقاً في سعيه لتأسيس حكم ديمقراطي حقيقي، ولكن كان هناك، داخل مصر وخارجها، من يسعون لإفشال التجربة الديمقراطية لمجرد أن صناديق الانتخابات جاءت بالإسلاميين للبرلمان والسلطة.
وأظهرت قراءة بعض الرسائل ببريد هيلاري كلينتون عن ظلم هائل تعرض له الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي انتهت حياته بنهاية محزنة ومؤلمة، وأنه كان يسعى لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي وأفسح المجال للجميع للمشاركة وللنقد، وحاول استرضاء المعارضة (رغم أنها خسرت الانتخابات)، ووضع برنامجاً للنهضة، ولكن الجميع داخل وخارج مصر، كان يضع أمامه العراقيل لإفشاله، وعودة الحكم العسكري لمصر الممتد منذ عام 1952م.
أبرز الحقائق في الرسائل:
أولاً: لا تنسيق بين الإخوان وأمريكا
أحد الموضوعات المزعومة التي ركز عليها الإعلام المعادي لـ”الربيع العربي” في مصر أو دول عربية أخرى، الحديث عن أنه كان هناك تنسيق تام بين أمريكا والإخوان المسلمون لهدم الأنظمة القائمة والحلول محلها، ووصل الأمر لنشر فبركات في صورة ترجمات للرسائل على خلاف الحقيقية.
حيث ركزت الصحف العربية على الحديث عن “التنسيق الدائم بين أمريكا والإخوان المسلمين”، بغرض تصدير انطباع بأن أمريكا هي من أتت بهم، وهو أمر يبدو متناقضاً إلى حد بعيد مع الإيميل الوارد إلى وزيرة الخارجية الأمريكية بتاريخ يناير 2012م حول الولايات المتحدة والصعود الإسلامي في مصر، بعنوان “كيف يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع الصعود الإسلامي في مصر؟”.
فقد وصف هذا الإيميل الوضع القائم في مصر قبيل وصول الإسلامين إلى حكم البلاد بـ”الكابوس”، وحين حصل حزب الحرية والعدالة وحزب النور على حوالي ثلثي مقاعد البرلمان المصري، الذي يعد أول مجلس بعد ثورة يناير، ورغم التزام الحزبيين بشكل علني بجميع المعاهدات المصرية الدولية؛ فإن القادة الأمريكيين يوقنون –بحسب الإيميل-أن “التعاون الأمني الذي استمر بين واشنطن ومصر على مدار 30 عاماً هو الآن في خطر”.
فلو كان هناك تنسيق بين أمريكا والإخوان لإيصالهم للحكم، كما يتردد زوراً، فكيف تصف أمريكا فوز الإسلاميين بـ”الخطر” في تقديرات مسؤولي المخابرات الأمريكية التي وردت في إيميل لهيلاري كلينتون؟!
ثانياً: الإخوان كانوا يسعون لبناء دولة ديمقراطية
حفلت وسائل الإعلام المصرية وغيرها بسلسلة أخبار لا أساس لها من الصحة عن سعي التيار الإسلامي لبناء دولة دكتاتورية إسلامية، وأنهم استغلوا الديمقراطية للوصول للحكم ولن يغادروه بالانتخابات مرة أخرى، ولكن من يقرأ الرسائل الحقيقية لهيلاري كلينتون سيكتشف أن هذه مزاعم يسعى أصحابها لغسيل مخ القراء اعتماداً على أن القارئ لن يزعج نفسه بالعودة للأصل والغوص في قراءة 35 ألف برقية.
فمن الفقرات الدالة برسائل كلينتون، قول مصدر رفيع (على صلة بالإخوان والمجلس العسكري معاً)، في رسالة بتاريخ 14 يوليو 2012م: “تستطيع إدارة يقودها الإخوان تطوير بناء إداري ديمقراطي فعَّال، ولكنهم يعملون وفقاً لجدول زمني وضع من قبل توترات سياسية خارجة عن سيطرتهم وإرادتهم”.
أي أن الإخوان كانوا يسعون لبناء دولة ديمقراطية في مصر، ولكن لم يتم السماح لهم بذلك، لوجود “فيتو” من قوى عسكرية وعلمانية داخل مصر، وقوى عالمية معادية للتيار الإسلامي خارج مصر.
وقد اعترف المسؤولون الأمريكيون في وثيقة أخرى، في سبتمبر 2011م، في بريد كلينتون أن “الإخوان” معتدلون وليسوا متطرفين.
ففي تحليل لمصادر أمريكية أبلغوا كلينتون أن الجيش يدرك أن عليه التوصل إلى تسوية مع جماعة الإخوان المسلمين، التي يصفها بأنها “لا يوجد بها متطرفون مثل الخميني أو نصر الله”، ويقول: “عليه فالجيش سيجد معتدلين يتحدث معهم”؛ ما يعني أن المشكلة ليست الإخوان المسلمين.
لهذا قال المحلل السياسي المقيم في أمريكا علاء بيومي في تعليقه على بريد كلينتون عبر حسابه على “فيسبوك”: “الانقلاب العسكري كان قراراً إقليمياً ودولياً أكثر منه قرار مصري”.
ثالثاً: مرسي تعرض للظلم ولم يكن يحركه مكتب الإرشاد
يمكن القول: إن بريد كلينتون الإلكتروني هو أكبر دليل حتى الآن على استقلالية الرئيس مرسي عن مكتب الإرشاد، عكس كل ما تنشره الصحف المصرية، حيث تشير رسائل كلينتون إلى أن مكتب الإرشاد نفسه لم يصدّق مدى استقلالية مرسي، وأنه بمرور الوقت بات متعلقاً بمرسي وقدرته على إنقاذ البلاد والإخوان معاً.
بل إن قراءة بعض الرسائل ببريد كلينتون تكشف عن ظلم هائل تعرض له الرئيس الراحل محمد مرسي، سواء فيما يخص تعامل المعارضة معه وعدم صبرها أو إعطائه فرصة لتحقيق أهداف الثورة.
فوفقاً لبريد كلينتون (26 نوفمبر 2012م)، أخبر الرئيس محمد مرسي وزير دفاعه بالإعلان الدستوري الذي حصّن به مجلس الشورى وقراراته، قبل إصداره، طالباً تأكيدات بدعم الجيش، وأن وزير الدفاع أخبر الرئيس محمد مرسي بأن الجيش سيدعمه وسيتدخل لو اضطر للحفاظ على الأمن العام، وذلك وفقاً لـ”مصدر حساس”، كما تقول الرسائل.
ووفقاً لبريد كلينتون، أخبر الرئيس مرسي قادة المعارضة العلمانية-الليبرالية، في أوائل ديسمبر 2012م، استعداده تأجيل الانتخابات كلها حتى كتابة مشروع دستور أكثر إرضاء للجميع، بشرط أن يدعموا جهوده لاقتلاع رجال مبارك على كل مستويات الحكومة (ولكنهم استمروا في العمل ضده ودعم الانقلاب).
ووفقاً لبريد كلينتون: “مرشد جماعة الإخوان محمد بديع قرر منذ نهاية يوليو 2012م التراجع في الخلفية وترك مهمة قيادة الإخوان وحزبهم للرئيس مرسي باعتباره رئيس الجمهورية مما يجعله الأقدر على ذلك، وذلك على أن يراقب ويدعم في الخلفية مع شعور بديع بأن الرئيس محمد مرسي لن يستشيره حفاظاً على استقلاليته”، وهو ما يؤكد أن مكتب الإرشاد لم يكن يحرك الرئاسة ويوجه التعليمات لمرسي كما زعمت المعارضة ووسائل الإعلام المصرية.
رابعاً: تخفيض التعاون مع الكيان الصهيوني
أيضاً وفقاً لبريد كلينتون كان أول بند أراد الإخوان العمل عليه مع المجلس العسكري بعد فوز الرئيس مرسي بالرئاسة كان تخفيض التعاون الأمني والاستخباراتي مع الكيان الصهيوني، ولعل هذا يفسر بعض من أسباب الانقلاب عليهم خاصة من القوى والدول الحليفة للكيان في المنطقة.
فوفقاً لبريد كلينتون، “سعى الإخوان، بعد إعلامهم بفوز مرسي، للاتفاق مع المجلس العسكري على طبيعة العلاقات مع “إسرائيل”، حيث طالب الإخوان بسياسة تقوم على الإبقاء على اتفاقية السلام كما هي، ولكن الحد من التعاون المشترك في القضايا الأمنية الحساسة مع دولة الاحتلال”.
خامساً: حزب النور سعى لإفشال مرسي أيضاً
لم يعان الرئيس محمد مرسي من ظلم معارضيه الليبراليين واليساريين فقط، ولكنه عانى من ذوي القربى من التيار الإسلامي السلفي بدلاً من دعمهم له.
فوفقاً لبريد كلينتون، عبَّر الرئيس مرسي لمصدر دبلوماسي غربي رفيع، في سبتمبر 2012م، عن غضبه وقلقه من نشر بعض السلفيين لأفكار متشددة ومعادية للغرب ولهجومهم على السفارات الغربية، ومن ثم السعي لإحراجه وزعزعة الاستقرار، وعبر تحديداً من غضبه من أنشطة حزب النور، لأنه من المفترض أن يكونوا شركاءه في الحكم، ولكنهم كانوا يزايدون ويثيرون غضب المواطنين.
وتقول إحدى الرسائل: إن الرئيس محمد مرسي كان يحاول تهدئة الأمر معهم على أن يجد حلاً سياسياً في المستقبل.
فقد كشفت رسالة، بتاريخ 14 سبتمبر 2012م، بعنوان “محادثات سرية لمرسي”، أن الأخير عبر لدبلوماسيين أوروبيين أثناء اجتماعه بهم في بروكسل عن قلقه المتزايد تجاه العنف ضد الولايات المتحدة والغرب المنتشر في القاهرة وباقي محافظات مصر، وأن هذا العنف ربما يكون جزءًا من جهد خصومه السياسيين السلفيين لزعزعة استقرار حكومته، التي يعتقد الكثير منهم أنها معتدلة جدًا في مواقفها.
حيث يرى مرسي، بحسب الإيميل، أن هجوم بعض الجهاديين الإسلاميين على قاعدة لقوة حفظ السلام الدولية في سيناء بها 1500 جندي تابعين للأمم المتحدة، يريد من ورائه بعض المعارضين الإسلاميين من السلفيين والجماعات الراديكالية المناهضة للحكومة إظهاره بأنه غير قادر على حماية الأفراد والمنشآت الأجنبية في مصر.
4 حقائق عن بريد كلينتون:
1- تلك الإيميلات صادرة عن الخارجية الأمريكية نفسها، ومنشورة على موقعها تحت قسم “FREEDOM OF INFORMATION ACT”، وبالتالي فلا يجوز إطلاق كلمة “تسريبات” عليها، فهي ليست تسريبات، وإنما مجرد تقارير وآراء من جهات رسمية وغير رسمية، فهي رسائل متنوعة ولعل أهمها تلك التي تحتوي تقارير استخباراتية ورسائل من مسؤولين أمريكيين كالسفيرة الأمريكية لواشنطن.
2- المعلومات الواردة في بريد كلينتون لا تعتبر معلومات سرية كما يقال عنها، فالوثائق الأمريكية (ومن ضمنها المراسلات) أنواع، منها ما هو سري؛ وهذا لا يمكن الكشف عنه قبل مرور 25 عاماً عليه، وقد لا يكشف عنه أبداً، ومنها ما هو غير سري ويجوز الكشف عنه في أي وقت وفقاً لقانون حرية تداول المعلومات، ومراسلات كلينتون من النوع الثاني، أي أن أي صحفي أو جهة تحقيق لهم الحق في طلبها والاطلاع على تلك المراسلات، وبالتالي فهي ليست أسراراً، وبعضها مجرد تقارير صحفية منقولة لهيلاري للاطلاع عليها.
3- الإيميلات المعلنة لا تختص بالشرق الأوسط فقط، فهناك ما يقرب من 40 ألف رسالة بريد إلكتروني، تتناول أموراً شتى، منها ما هو داخلي ومنها ما هو دولي في بلدان العالم المختلفة، والشق المصري فيها عبارة عن 79 ورقة فقط، منهم 26 ورقة عن الإخوان.
4- الإيميلات عبارة عن مخاطبات إدارية بين الوزيرة والوزارة في واشنطن، وتقارير متابعة لما يحدث بعضها صحفية وبعضها تقارير لمصادر دبلوماسية واستخبارية، وأغلب ما جاء فيها منشور قبل ذلك، خاصة عامي 2015 و2016م، أي أن تلك الإيميلات لم تكشف عن خطط سرية أو مؤامرات كما تحاول بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية إيهام القارئ، وما نشر تقديرات عادية، أما الأخطر والأهم فلم يكشف عنه بعد.