– غياب مظاهر التنافس على الانتخابات بعدما تم حظر الأحزاب القوية الفعلية واعتقال مسؤوليها
– نافعة: القانون الانتخابي الحالي ضيّق مساحات المنافسة وزاد من سطوة المال السياسي
مع انطلاق المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري، يومي السبت والأحد 24 و25 أكتوبر الجاري 2020، وهي ثاني انتخابات برلمانية منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، تتعاظم الدلائل على أن “المال السياسي” يهيمن على هذه الانتخابات، بحسب تأكيدات صحفية وحزبية وفيديوهات على مواقع التواصل ترصد الظاهرة.
ويتمثل المال السياسي في صورتين؛ الأولى: توزيع أموال على كل ناخب يقوم بالتصويت لصالح مرشحين محسوبين على السلطة، خاصة “القائمة الوطنية” التي تضم 12 حزباً بقيادة حزب “مستقبل وطن” الموالي للسلطة، في صورة مبلغ مالي قدره 50 أو 100 جنيه (3.2 دولار أو 4.4 دولار) من أشخاص يصفون أنفسهم بأنهم مندوبون عن مرشح لحزب مستقبل وطن إذا صوتوا لصالحه.
والشكل الثاني لهذا المال السياسي يتمثل في توزيع كراتين مواد غذائية تشمل الأرز والسكر والزيت والشاي، مكتوب عليها “حزب مستقبل وطن”، وهو ما تكرر في انتخابات برلمان 2015 وانتخابات الشيوخ الأخيرة وأيضاً انتخابات الرئاسة والتصويت على التعديلات الدستورية.
واختفى التنافس السياسي المعروف الذي كان في انتخابات برلمان الثورة (عام 2011) في انتخابات 2020 الحالية، ولا توجد مظاهر حادة لهذا التنافس، بعدما تم حظر الأحزاب القوية الفعلية واعتقال مسؤوليها وتشكيل حزب مقرب من السلطة «مستقبل وطن».
وتُجرى الانتخابات للمرة الأولى وفقاً لقانون انتخابي جديد تم إقراره في أعقاب التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2019، وبموجبه يتكون مجلس النواب من 568 مقعداً، يتم انتخاب 284 منهم بنظام القوائم المغلقة المطلقة بنسبة 50%، و284 ينتخبون بالنظام الفردي بنفس النسبة، على أن يخصص للنساء 142 مقعداً من إجمالي عدد المقاعد بنسبة 25%، فيما تعين السلطات 28 نائباً وفقاً لنسبة الـ5% المقررة له.
ويتنافس أكثر من 4 آلاف مرشح فردي و1100 مرشح على 4 قوائم حزبية على 568 مقعداً من المفترض أن يضمها المجلس الجديد إلى جانب المعينين الـ28.
وقائع تؤكد المال السياسي
منذ بدء الانتخابات، أمس السبت، وما قبلها، بث نشطاء ونواب برلمان سابقون فيديوهات وصوراً تؤكد أن السمة الأبرز المسيطرة على الانتخابات الحالية هي المال السياسي الذي تستخدمه الأحزاب أو المرشحون الفرديون خاصة رجال الأعمال، للحصول على مقعد في البرلمان المقبل.
وخلال انتخابات مجلس الشيوخ السابقة (الغرفة الثانية للبرلمان)، تحدث مرشحون عن مطالبتهم بالتبرع بمبالغ تقدر بما بين مليونين و10 ملايين جنيه لقبول ترشيحهم على قوائم بعض الأحزاب، بحسب تأكيد أحد المرشحين لـ”المجتمع”، وتردد أن هذه النسبة ارتفعت في انتخابات النواب الحالية لتصل إلى أكثر من 10 ملايين جنيه.
وقالت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، في تقرير نشرته في 23 أكتوبر الجاري، تحت عنوان “انتخابات زائفة أخرى تسلط الضوء على مشكلات مصر”.
وذكرت أنه حتى بمعايير مصر، حيث من المعتاد شراء الأصوات وسَجن مرشحي المعارضة، تبدو هذه المنافسة في هذه الانتخابات غير ديمقراطية تماماً، فمن خلال الاعتقالات والترهيب والعقبات البيروقراطية، أخلت السلطات الساحة من معظم منتقديه، ويتنافس المرشحون على من يكون الأكثر تأييداً للسلطة، بينما يضخ رجال الأعمال الأغنياء الأموال في الأحزاب المدعومة من الدولة.
وأضافت أن “بعض الأماكن في القوائم الانتخابية بيعت بملايين الجنيهات المصرية (عشرات الآلاف من الدولارات)، حتى إن إحدى الصحف الموالية للدولة استهزأت بالمدفوعات المزعومة، في رسم كاريكاتيري يُصوِّر نائباً يحمل كرسيه الخاص إلى البرلمان، لأنَّ المقاعد الموجودة بداخله باهظة الثمن”.
وحزب مستقبل وطن هو الأوفر حظاً لاحتلال الصدارة في انتخابات مجلس النواب، وكان الحزب فاز في أغسطس، بما يقرب من ثلاثة أرباع المقاعد المنتخبة في مجلس الشيوخ، وهو مجلس استشاري جرى استحداثه ويتألف من 300 مقعد، من بينها 200 مقعد بالانتخاب و100 بالتعيين.
ويمكن رصد أبرز الوقائع فيما يلي:
- في مقطع مصور، اتهم النائب، رئيس نادي الزمالك الرياضي (المُقال)، مرتضى منصور، المرشح على دائرة ميت غمر بمحافظة الدقهلية (شرق)، المنضوين تحت “القائمة الوطنية من أجل مصر” بدفع أموال وصلت لـ 50 مليون جنيه (نحو 3.2 مليون دولار أمريكي) لدخول الانتخابات ضمن القائمة.
- أيضاً تحدث محامٍ مؤيد للسلطة، يدعي طارق جميل سعيد، في مقطع فيديو، عن أن المقاعد البرلمانية تُعطى لـ”كل من يستطيع الدفع”، وانتقد طريقة توزيع مقاعد مجلس الشيوخ والنواب عبر “القائمة الوطنية” لمن يدفع، وقد اعتُقِل بعدها سريعاً ثم أفرج عنه بكفالة 300 ألف جنيه بعدما اعتذر والده المحامي.
- نشرت نائبة سابقة في البرلمان ومرشحة عن دائرة بمحافظة الإسكندرية تدعى مي محمود فيديو لمواطنين يقفون لتسلُّم أموال من مسؤولي الحزب الداعم للرئيس، أمام اللجان الانتخابية، وقالت مصورة الفيديو، باللهجة المصرية، مخاطبةً شخصاً يوزع أموالاً ويقوم بـ”تبصيم” الناس: “خلّص وزّع فلوس وبصَّمهم”، موضحةً أن الحزب يوزع 100 جنيه على كل ناخب.
- قال 7 مرشحين برلمانيين اتصلت بهم “رويترز”: إنهم كانوا مطالَبين بتقديم تبرعات كبيرة لحزب “مستقبل وطن” أو صندوق عام، لإدراج أسمائهم على قوائم الحزب.
- قال اللواء طارق المهدي (70 عاماً)، وهو عضو سابق في المجلس العسكري الذي تولى السلطة عندما أُطيح بمبارك في عام 2011، وشغل منصب القائم بأعمال وزير الإعلام ومنصب المحافظ في عدة محافظات، في مقابلة مع “رويترز”: إنه حاول تشكيل قوائم انتخابية لتنافس في انتخابات مجلس النواب رداً على “فكرة الاستحواذ والتعالي” التي اتسمت بها انتخابات مجلس الشيوخ، لكن تم استبعاد القوائم التي شكَّلها بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو القرار الذي أيده حكم قضائي، ولا تزال محكمة تنظر طعن المهدي على الحكم، وقال: “أنا ماقدرش أدخل في صراع الفلوس أو صراع الكرتونة (صندوق يحوي سلعاً غذائية)، لكن أقدر أدخل في فكرة أن أنا اختار أفضل الموجودين”.
- قال 5 ناخبين داخل مقر انتخابي في إمبابة بمحافظة الجيزة، لوكالة “رويترز”: إنهم تلقوا وعوداً بالحصول على مبلغ مالي قدره 50 أو 100 جنيه (3.2 دولار أو 4.4 دولار) من أشخاص يصفون أنفسهم بأنهم مندوبون عن مرشح لحزب مستقبل وطن إذا صوتوا لصالحه.
- رؤية أشخاص يرتدون قمصاناً عليها شعار الحزب، وهم يوزعون بطاقات على حشد بالقرب من المقر الانتخابي، وقال ناخبون: إنه يمكن استبدال هذه البطاقات بأموال، بحسب “رويترز”.
- اشتكى مواطنون من الاحتيال عليهم وعدم حصولهم على “رشى انتخابية” وعدوا بها مقابل تصويتهم لمرشحين بعينهم أمام عدد من اللجان الانتخابية في الجيزة، وقالوا في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل: إنهم وُعدوا بالحصول على مبلغ 100 جنيه مصري لقاء تصويتهم لمرشحين بعينهم، إلا أنهم فوجئوا بعد إدلائهم بأصواتهم بعدم حصول ذلك، وقالت إحدى المواطنات: إنها نزلت للانتخاب فقط من أجل المائة الجنيه، موضحة أن أبناءها وزوجها عاطلون عن العمل وأنها في أمسّ الحاجة لهذا المبلغ، (فيديو ثان لتوزيع الفلوس) (فيديو ثالث لشراء أصوات المصريين) (فيديو رابع لتوزيع كراتين وفلوس).
- قال النائب المرشح للانتخابات الحالية عن دائرة مدينة نصر (شرق) اللواء حمدي بخيت لموقع صحيفة “إندبندنت عربية”: إن “الانتخابات الحالية يطغى عليها المال السياسي داخل الأحزاب بنسبة كبيرة، وهذا له خطورته على مدى إمكانية اختيار نواب حقيقين لممارسة المهمات الموكلة لهم”.
- قال النائب عن البرلمان المنتهية ولايته، سمير غطاس، الذي قرر عدم خوض الانتخابات الحالية: إنه “لا توجد أحزاب حقيقية في مصر”، و”مشاركة الناخبين منطلقة بالأساس من دوافع عائلية ومالية وخدمية”.
- قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة: إن ما ضيّق مساحات المنافسة وزاد من سطوة المال السياسي هو القانون الانتخابي الحالي الذي اعتمد نظام “القائمة المغلقة”؛ ما يعني استحواذ قائمة واحدة على كل المقاعد دون النظر إلى نسبة التصويت للقائمة المنافسة، فمثلاً إذا حصلت إحدى القوائم على 51% من نسبة التصويت والثانية 49، فإن الثانية تخسر كل المقاعد لصالح الأولى؛ ما يعني، بحسب نافعة، “تحول الانتخابات لنظام التعيينات”.