– بعضهم اعتبره إنزالاً خلف خطوط العدو (عدو موهوم)
– بعضهم اعتبره بعد الاجتهاد في التهوين من القرار مستفزاً
– الفرجاني: الوطن للجميع فما أجمل أن نلتقي في خدمته بدون داحس والغبراء والبسوس وتقسيم الشعب
– حراث: من لا يتغيّر يطرأ عليه التغيير رغم أنفه فالأرض تدور
كعادته في صنع الأحداث وتفاعل الساحتين السياسية والإعلامية معها، شدّ زعيم حركة النهضة رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، راشد الغنوشي، الأنظار لقرار جديد مثير للجدل وهو تعيينه لآخر أمين عام لحزب التجمّع المنحل محمد الغرياني، مستشاراً بديوانه بمجلس نواب الشعب مكلف بملف “المصالحة الوطنية”.
تفسيرات مختلفة
وقد أسال القرار الكثير من الحبر، وفسّر تفسيرات شتّى، فهناك من اعتبره إعلان حرب من قبل الغنوشي على أطراف سياسية داخل البلاد، من بينها الأمينة العامة للحزب الحر الدستوري، عبير موسي، وأنه بتعبير بعضهم إنزال خلف خطوط العدو.
وهناك من اعتبره تشجيعاً لمن انخرطوا في مظالم النظام السابق ولو بالصمت أو اللامبالاة والعجز للدخول في المصالحة الوطنية بشروطها، ومن بينها الاعتراف والاعتذار، والمحاسبة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، واستكمال مسار العدالة الانتقالية، والانخراط في الانتقال الديمقراطي، وهو ما فعله محمد الغرياني، الذي يعد من التجمعيين الذين أقدموا بقناعة على القيام بمراجعات مريرة بخصوص أدوراهم صلب نظام الاستبداد قبل الثورة، ومن ثمّ أعلنوا انخراطهم في مسار الثورة وما استتبعها من ملفات كالعدالة الانتقالية ثمّ تثبيت للمسار الديمقراطي.
درس التعيين
يعطي الغنوشي في هذا التعيين درساً في العلاقات السياسية، بل الإنسانية، وهي أن الاختلاف مهما كان يمكن أن يتحوّل إلى وفاق واتفاق أو بمنهجية الغنوشي نفسه “التوافق”، فعلاقة الغنوشي في الحقيقة بالغرياني هي في المقام الأول علاقة أستاذ بتلميذه.
وقال الناشط السياسي محمد علي حراث، لـ”المجتمع”: هناك محطات مهمة في علاقة الغنوشي بالغرياني، ففي السبعينيات كان الغنوشي أستاذاً بمعهد المنصورة بالقيروان (وسط)، والغرياني كان تلميذاً بنفس المعهد في نهاية السبعينيات، وكان الغنوشي وقتذاك أميراً للجماعة الإسلامية (النهضة اليوم وقبلها الاتجاه الإسلامي)، والغرياني كان وقتها إسلامياً، وكان يؤمنا في الصلاة بمسجد المعهد (حوّل في عهد بورقيبة إلى بيوت خلاء وإلى اليوم!).
وتابع: في الثمانينيات كان الغنوشي رئيساً لحركة الاتجاه الإسلامي، والغرياني عضواً في حزب بورقيبة آنذاك، أما في التسعينيات فقد كان الغنوشي رئيساً لحركة الاتجاه الإسلامي في المهجر، والغرياني أصغر والٍ (محافظ) في تونس.
وواصل حراث سرد العلاقة التاريخية التي تربط الغنوشي بالغرياني، وعلاقة الغرياني بالحركة الإسلامية في الألفية الجديدة، الغنوشي كان معارضاً في المنفى بلندن، والغرياني سفيراً لتونس في لندن، ثم الغنوشي زعيم الحزب المعارض، والغرياني أمين عام الحزب الحاكم، أما بعد الثورة فنجد الغنوشي زعيم حكومة الثورة، والغرياني رمز الأزلام والنظام البائد، وتغيّرت الصورة اليوم، فالغنوشي رئيس للبرلمان، والغرياني مستشار له، مما يفيد بأن الأيام لا تترك شيئاً على حاله، ومن لا يتغيّر يطرأ عليه التغيير رغم أنفه، فالأرض تدور.
توحيد الشعب
وقال عضو مجلس نواب الشعب، السيد الفرجاني، لـ”المجتمع”، عبر “ماسنجر”: القضية تكتسي بعداً إستراتيجياً وتكتيكياً، ليس الإعلام مجال الخوض فيها، وتابع: لقد أحسن الغنوشي باختياره للغرياني مستشاراً، الغرياني وبعد الثورة قام بمراجعات في منعطف تاريخي مهم.
وأردف: اختيار الغنوشي للغرياني فيه رسالة واضحة بأن النهضة لا تعادي أحداً ولا تستثني أحداً إلا من استثنى نفسه.
وأضاف: الوطن للجميع، فما أجمل أن نلتقي في خدمته بدون داحس والغبراء والبسوس وتقسيم الشعب، كما قال أحدهم: أنتم شعب ونحن شعب!
وختم قائلاً: نحن شعب واحد بكل اختلافاتنا وكل تاريخنا، فالحاضر والمستقبل يجبّ ما قبله إذا أحسنا التعامل مع الماضي وفق شروط المصالحة.
الإقصاء المستفز
المفارقة أن الذين قللوا من أهمية الغرياني ومن إمكانية تأدية الرسالة التي عيّن من أجلها من قبل الغنوشي لم يستطيعوا أن يخفوا مشاعرهم الحقيقية حيال الإجراء عندما اعتبروا الخطوة وبعد محاولة إفراغ التعيين من كل أهمية، واعتبار ذلك قفزة حرة في مسبح فارغ بتعبير بعضهم، لم يستطيعوا إخفاء غيظهم وغضبهم عندما عدوا تعيين الغنوشي للغرياني مستشاراً بأنه إجراء مستفز، وهي كلمة مفتاح في التحليل النفسي والسياسي تنسف كل ما تمخض عنه جبل الهجاء والتهوين من الرجل وقرار تعيينه مستشاراً.