ما أن وجّه رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد، مساء الخميس 29 أكتوبر 2020، انتقادات شديدة اللهجة إلى فرنسا، ورئيسها إيمانويل ماكرون، على خلفية نشر رسوم تهدف للإساءة للنبي محمد في صحيفة فرنسية، وتصريحات الرئيس ماكرون المسيئة للإسلام، حتى أثيرت ضجة شديدة في العالم العربي والغرب بدعوى أنه قال: من حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين.
فما حقيقة ما قاله باني نهضة ماليزيا الحديثة حول أحقية المسلمين في قتل الفرنسيين لأنهم أهانوا الإسلام ونبيه؟ وما حقيقة فبركة صحف ومواقع عربية نص تصريحاته ضمن دفاعها عن فرنسا وماكرون، لاختلاق معارك مع التيار الإسلامي وادعاء أن الإخوان في العالم العربي وراء الأزمة؟
ماذا قال مهاتير؟
القصة بدأت بنشر رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد 13 تغريدة على “تويتر” ينتقد فيها رئيس فرنسا لإلقائه باللوم على دين الإسلام وكل المسلمين، على ما فعله شخص واحد متطرف غاضب، وأكد رفض المسلمين لمنهج القتل أو “العين بالعين”.
وفي سلسلة تغريداته التي حملت عنوان “احترموا الآخرين”، عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، أكد مهاتير (95 عاماً) إيمانه بحرية التعبير “التي ينبغي عدم استخدامها في الإساءة للآخرين”، في إشارة إلى إصرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تأييد نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، وما أثاره ذلك من غضب في العالم الإسلامي.
وجاءت تغريدات رئيس الوزراء الماليزي السابق بلهجة حادة قاسية؛ حيث وصف فيها الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه شخص “لا يظهر أنه متمدن (متحضر)”، وأنه ظهر “بدائي للغاية” بسبب تأييده رسوماً مسيئة لنبي الإسلام.
مهاتير قال: إن “الفرنسيين خلال تاريخهم قتلوا الملايين من الناس، ومنهم الكثير من المسلمين”، وأنه “كان يحق للمسلمين أن يغضبوا ويقتلوا ملايين الفرنسيين بالمثل رداً على مذابح الماضي، لكن المسلمين بشكل عام لم يطبقوا قانون العين بالعين”، ولكنه أكد بوضوح أن “المسلمين لا يفعلون ذلك”، و”لا ينبغي للفرنسيين بالتالي، بل عليهم، تعليم شعبهم احترام مشاعر الآخرين”.
وقال بوضوح، في هذه التغريد رقم (12) التي أثارت الجدل: “يحق للمسلمين أن يغضبوا ويقتلوا ملايين الفرنسيين على مذابح الماضي، لكن المسلمين بشكل عام لم يطبقوا قانون “العين بالعين”، المسلمون لا يفعلون، لا ينبغي للفرنسيين، بدلاً من ذلك، ويجب عليهم تعليم شعبهم احترام مشاعر الآخرين”.
وختم مهاتير تغريداته بالقول: “على الفرنسيين أن يعلّموا شعبهم احترام مشاعر الآخرين، بما أنكم حمّلتم جميع المسلمين وديانتهم مسؤولية ما قام به شخص واحد غاضب (قاتل نيس)، فللمسلمين الحق في معاقبة الفرنسيين (يقصد بالمقاطعة)، رغم أن المقاطعة لا يمكن أن تعوض الأخطاء التي ارتكبها الفرنسيون طوال هذه السنوات”.
وهنا رابط التغريدات مجمعه على موقعه الشخصي:
http://chedet.cc/?p=3203&fbclid=IwAR3wQqi7apmij62Xv2SawhsokaforqPjU3fygky5V-AWf9zCYf_akQvnsDY
كيف تم تحريف كلامه؟
على طريقة “لا تقربوا الصلاة”، قامت مواقع وصحف عربية بنشر أخبار تحرض على مهاتير، باجتزاء نص تصريحاته وترك النص الآخر، بنشر ما قاله في التغريدة رقم (12) عن “حق المسلمين في قتل الفرنسيين عن جرائم الماضي”، وعدم نشر ما قاله عن أن المسلمين متسامحون، ولم ولن يفعلوا ذلك (القتل)، ولن يطبقوا قانون “العين بالعين”.
حيث نشر موقع “يورونيوز عربية”، الذي اشتري رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، 53% من أسهمه عام 2015، الخبر بعنوان “مهاتير: من حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين”، كما نشره موقع “سكاي نيوز عربية” بعنوان “مهاتير محمد: للمسلمين الحق في قتل الفرنسيين”، وخلا الخبران من أي تفاصيل عن أن المسلمين لن ولم يفعلوا ذلك ولا يؤيدون القتل.
رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير: من حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين https://t.co/U7orrcX3YE
— euronews عــربي (@euronewsar) October 29, 2020
تغريدة غريبة لمهاتير محمد: للمسلمين الحق في قتل ملايين الفرنسيين#سكاي_أخبار#سكاي_نيوز_عربيةhttps://t.co/CEtXmblKd5
— سكاي نيوز عربية (@skynewsarabia) October 29, 2020
والمفارقة أن الموقع البريطاني الأصلي “سكاي نيوز” باللغة الإنجليزية، وكذا الأوروبي “يورونيوز” باللغة الإنجليزية والفرنسية لم ينشرا ذلك.
وقد نقل عشرات المغردين العرب ما نشرته المواقع العربية من تشويه، وسعوا لمهاجمة مهاتير، كما استغلت لجان إلكترونية معادية للتيار الإسلامي الحدث للترويج لما تم اجتزاؤه من تصريحات مهاتير، وشن هجوم عليه والرابط بينه وبين الإخوان المسلمين والتطرف في العالم.
وانتشرت على “تويتر” و”فيسبوك” تعليقات تنتقد مهاتير وتستغرب قوله، وهو الدبلوماسي المحنك: “من حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين”! دون قراءة التغريدات الأصلية بالإنجليزية.
وتبع هذا حملة “بلاغات” لـ”تويتر” عن مخالفة ما قاله للقيم والتحريض على القتل، ومع هذا لم يحذف “تويتر” التغريدة رقم (12) التي جاء فيها الكلام عن حق المسلمين في الثأر وقتل فرنسيين عن جرائم الماضي، واكتُفي بالتنويه أنها مخالفة لقواعده، ولكن مع تزايد البلاغات، حذف “تويتر” الجزء الأول من تغريدته رقم (12) التي يقول فيها: “من حق المسلمين” وأبقوا على كل كلامه الذي يؤكد فيه “ولكن المسلمين لا يفعلون ذلك حتى لو فعل متطرف غاضب واحد ذلك”!
But by and large the Muslims have not applied the “eye for an eye” law. Muslims don’t. The French shouldn’t. Instead the French should teach their people to respect other people’s feelings.
— Dr Mahathir Mohamad (@chedetofficial) October 29, 2020
ودافعت صحف ومواقع عربية معادية لـ”الربيع العربي” والتيار الإسلامي عن فرنسا والرئيس الفرنسي، واعتبرت نشر الرسوم المسيئة “حرية تعبير”، وزعمت أن التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان استغلت ما يجري في فرنسا لاختطاف الإسلام، وأن معركة فرنسا مع “الإسلام السياسي” لا الدين الإسلامي.