خدعونا فقالوا إن فرنسا هي بلاد النور.
وضللونا فقالوا إن فرنسا هي أصل الجمال، والموطن الأصلي لأزكى العطور وأروع الأزياء وبيوت الموضة.
وأوهمونا بقولهم بأن فرنسا هي بلد الحريات وحقوق الإنسان.
إن كل هذه الأقوال البراقة الخادعة والعبارات المُضللة والمزاعم الباطلة حول فرنسا جعلت كثيرين يتوقون لزيارة فرنسا لرؤية ما يسمعون من أساطير عنها، بل وقام كثيرون بالهجرة إليها، وبذلوا جهوداً مُضنية وقدموا تنازلات لا حصر لها من أجل الحصول على الجنسية الفرنسية.
إن كل من انخدعوا بكل ما سبق من عبارات وشعارات ما إن وصلوا إلى فرنسا حتى صُدِموا صدمة الشاب القوي الوسيم ليلة زفافه، حين اكتشف أن عروسه عجوز شمطاء هتماء بلهاء قد غرَّرت به بالمساحيق وأوقعته في حبال شَرَكِهَا بالتصابي والدلال.
في السطور القليلة التالية سنلقي الضوء على بعض المجازر والإعدامات التي تمت في الداخل الفرنسي، مع التنبيه على أن ما سنلقي عليه الضوء ما هو إلا قليل من كثير، وغيض من فيض المستنقع الآسِن الذي انخدع به من انطلى عليهم ترويج السَّحرة البطلة.
نماذج من المذابح والإعدامات التي تم تنفيذها ضد الفرنسيين.
1– قتل عشرات الآلاف في “مذبحة باريس” التي عرفت بـ “مذبحة سان بارتيليمي” التي دبرها الكاثوليك ضد البروتستانت في فرنسا:
شهدت العلاقة بين الكاثوليك والبروتستانت تاريخاً طويلاً من العداء والحروب الدموية، منها على سبيل المثال ما عرف في التاريخ باسم “مذبحة باريس” أو “مذبحة سان بارتيليمي”.
كان الهدف من المذبحة هو القضاء على البروتستانت في فرنسا حيث صدرت أوامر من الملك “تشارل التاسع” ووالدته “كاترين دي ميديشي” بالقيام بهذه المذبحة خوفاً من سطوة وانتشار المذهب البروتستانتي.
بدأت أحداث “مذبحة باريس” بدعوة الملك “تشارل التاسع” لجموع “الهوجونوت” وهم من البروتستانت إلى باريس بدعوى موافقته على زواج زعيمهم من أخت الملك تشارل.
جاءت بالفعل جموع البروتستانت لحضور حفل الزواج في باريس، وذلك في يوم 24 أغسطس سنة 1572، وهو يوم عيد القديس “بارثلميو”.
وفي منتصف الليل دق ناقوس كنيسة (سان جرمان) مؤذنا ببدء المذبحة، فلما جاء الصباح كانت شوارع باريس تجري بدماء الآلاف من البروتستانت.
انتقلت أنباء “مذبحة باريس” إلى الأقاليم، فإذ بالأقاليم تتحول هي الأخرى إلى مجازر تجري بدماء آلاف آخرين من البروتستانت، وقيل إن هذه المذبحة قد أودت بحياة أكثر من ستين ألف شخص.
تسببت “مذبحة باريس” في فرحة كبيرة في أوربا المسيحية الكاثوليكية كلها، وفرح البابا “جريجوري الثالث عشر” وأمر بسَكِّ أوسمة لتخليد ذكرى مذبحة باريس، وكتب على هذه الأوسمة (إعدام الملحدين)، وأمر البابا بإطلاق المدافع وإقامة القُدَّاس في شتى الكنائس، ودعا الفنانين ومنهم الرسام الإيطالي الشهير “فازاي” إلى تصوير مناظر المذبحة على حوائط الفاتيكان واللوحة لا تزال موجودة حتى يومنا هذا وتحمل اسم “مذبحة سانت بارتيليمي”، وقد ذكر “فرانسوا فولتير” تفاصيل المذبحة في كتابه “رسالة في التسامح”.
2– انتهاكات “ماكسيمليان روبسبيير” القمعية وإعدامه للآلاف من معارضيه:
ماكسيمليان روبسبيير هو محام فرنسي ورجل دولة أثناء الثورة الفرنسية، لعب روبسبيير دورًا بارزًا في إثارة الرأي العام الذي تسبب بسقوط المَلَكية الفرنسية في أغسطس عام 1792م.
انتُخِب روبسبير لرئاسة لجنة الأمن العام التي تم تشكيلها خصيصى للإشراف على الحكومة من خلال فرض سيطرة افتراضية ديكتاتورية.
بدأ ما يسمى بـ “عهد الإرهاب” في فرنسا في سبتمبر من العام نفسه، وذلك لمواجهة الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها الحكومة، وفي أقل من عام من هذا التاريخ تم إلقاء القبض على 300 ألف شخص من أعداء الثورة المُشتَبه بهم، وتم إعدام أكثر من 17000 شخص عن طريق المقصلة خلال تسعة أشهر.
أصبح روبسبيير هو المسيطر على الحكومة الفرنسية، حيث كانت فرنسا وقتها تعاني من الإضرابات السياسية والاجتماعية.
أدت ممارسات روبسبير القمعية إلى خوف عدد من كبار رجال الدولة على سلامتهم الشخصية، ولذلك دبروا مؤامرة ضده وأعوانه.
تم إلقاء القبض على روبسبير في السابع والعشرين من شهر يوليو عام 1794م، وأُلقِيَ القبض على العديد من حلفائه أيضًا، وزُجَّ بهم جميعهم في السجون، ولكن تمكن روبسبير من الفرار بمساعدة أحد السجَّانين المُتعاطِفين معه.
حاول روبسبير الانتحار حينما علم بالقرار الصادر في شأنه من المؤتمر الوطني باعتباره رجلاً خارجاً عن القانون، لكنه لم ينجح في ذلك، وبعد فترة وجيزة اقتحمت قوات من المؤتمر الوطني المبنى الذي اختبأ فيه وقامت باعتقاله هو وأتباعه، وتم إعدامهم على المقصلة.
فقدت لجنة الأمن العام الفرنسية مصداقيتها بعد ذلك الانقلاب وأصبح جليًا أن الثورة الفرنسية قد اندثرت لتشهد فرنسا بعد ذلك عودة البرجوازية والفساد والفشل العسكري، لكن في عام 1799م قام نابليون بونابرت بقيادة انقلاب عسكري، وأطاح بالحكومة ونَصَّبَ نفسه القُنصل الأول على فرنسا، وذلك مع صلاحيات ديكتاتورية، وأعلَن نفسه إمبراطورًا لفرنسا عام 1804م.
3– إعدام “جان سيلفان بايي” عمدة باريس بالمقصلة في ميدان عام:
جان سيلفان بايي هو فلكي ورياضياتي فرنسي، وأحد زعماء الثورة الفرنسية السياسيين في أول اندلاعها.
كانت لـ”بايي” إنجازات بارزة ومركز مرموق في علم الفلك، ولكن تسبب اندلاع الثورة الفرنسية وانشغاله بالسياسة في توقفه عن البحث العلمي.
تدرج “بايي” في المناصب السياسية إلى أن تم انتخابه أول عمدة لباريس وذلك في 15 يوليو 1789م .
تعرض “بايي” لانتقادات من منافسيه اضطرته إلى إحكام قبضته وأعلن أن اليهود مواطنون فرنسيون، لهم ما للمواطنين الفرنسيين من الحقوق والمزايا.
وفي أثناء فترة ولاية “بايي” حدثت العديد من الاضطرابات التي أدت إلى انهيار شعبيته وخسارة منصبه، وهو ما اضطره للهرب من باريس.
قام أعداء “بايي” بتتبعه إلى أن تمكنوا من القبض عليه، وفي 10 نوفمبر 1793 مثل “بايي” أمام محكمة ثورية في باريس، فحوكم محاكمة عاجلة وحُكم عليه بالإعدام في اليوم التالي.
وفي 12 نوفمبر أُعدم “بايي” بالمقصلة في ميدان عام وسط سخرية وإهانات من كل من شهدوا عملية إعدامه.
وأخيراً أقول:
إن المجازر والأحداث الدموية البشعة في فرنسا لم تتوقف ولكن تغير أسلوبها، فبدلاً من المجازر الجماعية التي رأيناها في الماضي أصبحنا نرى القتل المعنوي لآلاف المخالفين ومقاومتهم بشتى وسائل المقاومة الباردة التي تقتل بلا دماء وتمثل بالأجساد بلا أشلاء.
* المصدر: موقع بصائر (بتصرف يسير).