احتفلت الجمهورية الإسلامية الموريتانية، أمس السبت، بالذكرى الـ60 لاستقلالها عن فرنسا الذي كان عام 1960م، وقد شهد الاحتفال إطلاقَ ألعاب نارية وعرضاً عسكرياً أشرفَ عليه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، كما شهد الاحتفال تكريمَ شهداء المقاومة الوطنية وقادة الجيش والدرك والجمارك، وألقى الرئيس بهذه المناسبة خطاباً شعبياً تقدّم فيه إلى المواطنين بـ”أحرّ التهاني”، كما قدّم “تحية إجلالٍ وتقديرٍ” لشهداء المقاومة الموريتانية وجميع أفراد القوات المسلحة.
قرارات لمكافحة الفقر والتهميش
بمناسبة الذكرى الـ60 لعيد الاستقلال، أعلن الرئيس الموريتاني من خلال خطاب الاستقلال عن 10 قرارات حكومية جديدة تسعى إلى مكافحة الفقر والتهميش في أوساط الموريتانيين، من أهمها: زيادة المعاش الأساسي بنسبة 100% لجميع المتقاعدين، ومضاعفة معاش أرامل المتقاعدين، وزيادة رواتب عمال الصحة بنسبة 30%، وزيادة علاوة التأطير بالنسبة لمفتشي التعليم الأساسي والثانوي والفني، وزيادة التكفل بحصص التصفية لفائدة مرضى الفشل الكلوي، والتأمين الصحي لذوي الاحتياجات الخاصة، وصرف تحويلات نقدية للأطفال متعددي الإعاقات.
وقد عبَّر بعض الموريتانيين عن إعجابهم وترحيبهم بهذه القرارات باعتبارها تمثل تجسيداً لجزء من “برنامج تعهداتي” الذي أعلن عنه الرئيس الحالي أوانَ حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز من خلالها برئاسة موريتانيا، فيما اعتبر آخرون أن هذه القراءات لا تضيف جديداً، بل تمثل تكراراً لنفس السيناريو الذي كان يتم في كل ذكرى خلال السنوات الماضية.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، قال النائب البرلماني محمد الأمين ولد سيدي مولود: إن القرارات التي أعلن عنها الرئيس الموريتاني “بعضها مفيد، مع أنها في مجملها دون المؤمل، فالقالب الذي أخرجت من خلاله يعكس جانباً دعائياً أكثر من كونه يمثل إنجازاً وطنياً جديداً”.
مطالب بالعدالة وكشف القبور
في كل ذكرى لعيد استقلال موريتانيا، تطفو على سطح المشهد المحلي مجموعة من المظالم، على رأسها مشكلة العسكريين (الزنوج) الذين تم تصفيتهم ليلة عيد الاستقلال عام 1990م في “إينال” خلال عهد حكم العقيد معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، لذلك دائماً ما يتظاهر ذوو هؤلاء الضحايا للمطالبة بالتحقيق في ملابسات هذه الجريمة وتقديم الجناة إلى العدالة، وبمناسبة الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال الـ60، تظاهرت جمعية أرامل وأيتام العسكريين الذين كانوا ضحية جريمة التصفية، وطالبوا بالإنصاف والعدالة ومحاكمة الضالعين في عملية التصفية التاريخية، والكشف عن مكان مقابر ضحايا “مجزرة إينال”، وأثناء الاحتفال، قامت الشرطة الموريتانية باعتقال مجموعة من ذوي ضحايا الإرث الإنساني الذين تجمهروا قرب المنصة المخصصة للاحتفال بعيد الاستقلال، من أجل التعبير عن قضيتهم الإنسانية والمطالبة بالتحقيق والعدالة، إذ يعتبر هؤلاء المواطنون أن مظلمتهم لا تسقط بالتقادم ولا يمكن أن يطويها النسيان، بالتالي لا بد لها من حل نهائي.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، قال الناشط الحقوقي ورئيس هيئة الساحل إبراهيم بلال، الذي شارك في تظاهرة ضحايا الإرث الإنساني، أمس السبت: “تحتفل موريتانيا الرسمية بعيد الاستقلال الوطني ونحن نتابع استعراضات عسكرية والعاصمة نواكشوط مزينة بألوان العلم الوطني، لكنْ هناك جزء من الشعب يبكي موتاهُ ويتألم لذكرى الإعدام التي وقعت خارج القانون، حيث تمت تصفية 28 فرداً من الضباط وضباط الصف والجنود كلهم من فئة “الفلَّان” بدمٍ باردٍ ليلة عيد الاستقلال 1990م في “إينال” قرب نواذيبو.. اليوم يحتفل البعض ويفرح، ويبكي البعض ويتحسّر”.
وأضاف ولد بلال: “لقد حضرتُ تظاهرة ضحايا الإرث الإنساني أمس السبت، وقد منعتهم الشرطة من تنظيمها لكنه عبروا وساروا في اتجاه المنصة الرسمية، لا بد من حل نهائي مرضٍ من طرف الضحايا لهذه المعضلة، يصون وحدة الشعب ويضمن استقراره وأمنه، ويبدأ هذا الحل بالاعتراف بما حدث وطلب الصفح من خلال الحقيقة والمصالحة، أما تجاهل الحدث وقمع الضحايا فلن يساعد في الحل بل سوف يبعده أكثر”.
وفي تدوينة على “فيسبوك”، قالت زينب منت التقي، النائب البرلماني عن حزب تواصل المعارض: إن هناك من ينتهز ذكرى عيد الاستقلال المجيد للدعوة إلى “الشحن والتحريض والنبش والحفر بانتقائية في ذاكرة أراد لها أن تكون لونية عرقية، ويجنح البعض إلى تسفيه وطنه وتبخيس تاريخه بل يصل لدرجة مدح المستعمر المنقذ وفق مخيلته المريضة”، موضحة أن التأجيج لن يأتي بخيرٍ، “ولن يجلب حقوقاً بل يحرق الوطن بمن فيه، ولن يكون تدمير رموز البلد وتاريخه سوى هرولة في نفق مظلم”، حسب تعبيرها.
تكريم شهداء المقاومة الموريتانية
تعتبر المقاومة الموريتانية قضية من أهم القضايا الكبرى في تاريخ البلاد، ويتم الحديث عنها دائماً في سياقات متعددة خاصة في نوفمبر الذي حصلت موريتانيا على استقلالها في اليوم الثامن والعشرين منه، ونظراً لأهمية المقاومة ومكانة ورمزية المقاوِمِين، فقد شهد الاحتفال بالذكرى الـ60 تكريمَ شهداء المقاومة الموريتانية، حيث سلَّم الرئيس الموريتاني -على هامش رفع العلم- وسام “كوماندوز بنظام الاستحقاق الوطني” لبعض أبطال المقاومة الموريتانية.
وتعليقاً على تكريم شهداء المقاومة الموريتانية من طرف الرئيس، قال د. محمد سيد أحمد فال (بوياتي) أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة نواكشوط، في تصريح لـ”المجتمع”: “شكل ويشكل التكريم الرمزي الذي حصل عليه بعض أبطال المقاومة من خلال تكريم أبنائهم رسالة طيبة للعودة بقوة إلى تبني خطاب التصالح مع الذات والتاريخ، وستكون فرصة أيضاً لرسملة تاريخنا الثقافي واستثماره لبناء المشترك، ولتجذير الثقافة الوطنية، وتكريس الشعور بمفهوم الدولة وتملك الشعور الوطني المفعم بالعزة والكرامة”.
بدورها، أشادت الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة بتكريم الرئيس الموريتاني لشهداء وأبطال المقاومة الوطنية، وقالت الرابطة في بيانها إن الموروث الجماعي يشكل “حصناً منيعاً لوحدة وتلاحم الشعب الموريتاني خلف ثوابت الأمة والوطن”، كما ثمَّنت خطاب الرئيس وشكرته على “المكانة المقدسة التي حظيَّ بها جيل المجد من أبطال المقاومة الوطنية”.