بعد حسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح المرشح «جون بايدن» أخيراً، حيث إنه من المؤكد أن الجاليات العربية والإسلامية كان لها دور في نجاح الرئيس الأمريكي الجديد وخصوصاً في ولاية ميشيغان، لكن من المعروف أن تصريحات المرشحين الأمريكيين للرئاسة أثناء الانتخابات هدفها النجاح والتكسب الانتخابي، فلا عبرة بالشعارات والوعود التي يطرحها المرشحون أثناء الانتخابات.
ولكن تظهر مصداقية الرئيس حال فوزه في تنفيذ شعاراته من عدة أمور، منها: إصدار القوانين التي وعد بها ناخبيه، وإحداث تغييرات في إدارته بتعيين الداعمين له أو من يمثلهم، وينحاز لقضاياهم الداخلية، أو تنفيذ سياسات خارجية تنسجم مع مطالبهم تجاه القضايا العادلة التي طالبوا بها أثناء دعمهم للمرشح في فترة الانتخابات.
فهل ستحصد الجاليات العربية والإسلامية من تلك الوعود شيئاً؟ فالجميع ينتظر «بايدن» وسياساته وقراراته الجديدة.
لكن في الواقع هناك تحديات أمام الإدارة الأمريكية الجديدة في قدرتها على تنفيذ وعودها ما بين مصلحة الولايات المتحدة ومبادئ العدل والحق والقانون، فمنذ أن دخلت الولايات المتحدة المنطقة بدلاً من الاستعمار البريطاني، فإن السياسة الخارجية الإستراتيجية للولايات المتحدة لم تتغير في 3 أهداف رئيسة:
1 – انسياب النفط إلى المجمع الغربي بأسعار معقولة وبأمان.
2 – الحفاظ على أمن «إسرائيل» كدولة حليفة للولايات المتحدة.
3 – مقاومة النفوذ الدولي لأي قوة ضد الولايات المتحدة.
وعليه، فإن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة التي سيطلقها «بايدن» قد تستخدم أسلوب الدبلوماسية الخشنة، لكنها لن تسعى للحرب أو إرباك المنطقة بحروب كبيرة قد تورطها في ظل تراجع الاقتصاد الأمريكي وجائحة «كورونا»، وضعف اليقين للتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وازدياد حجم التقدم الصيني في منطقة الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا ودول شرق آسيا.
ستظل المنطقة العربية تحت بصر الولايات المتحدة ممسكة بأزماتها دون حل، وأيضاً دون الدخول في الفوضى غير المسيطر عليها.
لكن المنطقة ستكون ذات أولوية ثانوية بسبب تراجع أهمية النفط كعامل متحكم في السياسات والاقتصاد بالولايات المتحدة، وأيضاً بسبب التزام الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني متفوقاً إستراتيجياً على جيرانه العرب؛ مما لن يعطي العرب أي خيرة أو أولوية.
أما موضوع إيران والاتفاق النووي، فمن المتوقع أن يعيد «بايدن» المفاوضات مع إيران والتفاهم معها، واستثمار الضغوطات والحصار الاقتصادي التي خلفها «ترمب» لإعادة إنتاج اتفاق جديد ولكن على حساب المنطقة، والتفاهم مع إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، خصوصاً أن «بايدن» يعارض الحرب في اليمن؛ وبالتالي فإن هناك تحدياً أمام الإدارة الأمريكية الجديدة في كيفية تنظيم مصالحها مع دول الخليج ومصر وليبيا، ومن أهم التحديات أمام «بايدن» هو كيف يتعامل مع الملف السوري والليبي وحصار قطر في ضوء التواجد التركي المباشر بها؛ مما يضع الرئيس الأمريكي الجديد في توازنات مصلحية ذات خيار مضطرب، وبما يتنافى مع كل ما وعد به ناخبيه متعددي التوجهات والمطالب من الأقليات المختلفة، فهو حليف قوي للجالية اليونانية التي تطالب بالضغط على تركيا الحليف الإستراتيجي في «الناتو».
سيجد «بايدن» نفسه أمام خيارات صعبة للتعامل مع المستجدات والأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وسينتظر العرب كالعادة 4 سنوات أخرى بدون عمل أو رؤية سياسية توحدهم وتنقذ واقعهم السياسي والاقتصادي المتردي.