يوما بعد يوم يسير الاقتصاد التركي بخطى ثابتة متحديا كل العقبات بدءا من أزمة “كورونا”، وليس انتهاء بالضغوطات التي واجهتها الليرة التركية خلال الأسابيع القليلة الماضية، لتتصدر أخبار الاقتصاد واجهة المشهد في عموم تركيا وخارجها حتى، وليصف مراقبون شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنه “شهر الإصلاحات الاقتصادية التركية”.
المؤشرات على انتعاش الاقتصاد تزامنت مع الإصرار والتصميم الذي أكدت عليه جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي جعل الملف الاقتصادي من أبرز أولوياته في هذه المرحلة إلى جاتب ملفات أخرى لا تقل أهمية.
وكان النجاح الاقتصادي حليفا للجهود التي بذلها أردوغان، ليثبت للشارع التركي أولا وللعالم الخارجي ثانيا، أن تركيا اليوم باقتصادها ليست كما كانت قبل أسابيع، وليؤكد، منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن تركيا بدأت عهدا جديدا بالإصلاحات على صعيد الاقتصاد والقوانين، داعيا المستثمرين للوثوق بتركيا وضخ استثمارتهم فيها بسرعة.
ولم يقف أردوغان عند حد الإعلان عن بدء تلك الإصلاحات، بل وجه تحذيرا شديد اللهجة لكل من يحاول النيل من الاقتصاد التركي، ووجه ذلك رسائل لتلك الأطراف بأن كل ألاعيبكم مكشوفة، ومؤكدا أيضا أن “الذين حاولوا إخضاع تركيا عبر الوصاية والإرهاب والانقلابات العسكرية والأزمات السياسية والاجتماعية، أدركوا فشلهم فتوجهوا بالهجوم على اقتصادنا”.
ووسط كل ذلك، بدأت تحركات أردوغان وجهوده تنعكس على أسواق العملات والبورصة، لتحقق وفي فترة قصيرة جدا مستويات إيجابية وانتعاشا في أسعار صرفها مقابل العملات الصعبة وخاصة الدولار، الأمر الذي أثار استغراب وإعجاب كل من توقع عكس ذلك بالنسبة لسوق العملات وتداولاتها في تركيا.
الأمر الآخر، كان انتعاش قطاع الصادرات والذي بات بين الفترة والأخرى يسجل أرقاما قياسية إيجابية مهمة، الأمر الذي يدل على متانة الاقتصاد التركي وقوته وبشهادة الديبلوماسية التركية.
وكان ما أعلنته هيئة الإحصاء التركية، الإثنين 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن الاقتصاد التركي حقق نموا بنسبة 6.7%، في الربع الثالث من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت رغم تأثيرات جائحة “كورونا”، أكبر دليل على الخطوات الناجحة التي يسر نحوها الاقتصاد التركي.
وتمكن الاقتصاد التركي من حجز مقعد له في صدارة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وتحقيق نتائج إيجابية رغم جائحة “كورونا”، متقدما بذلك على الاقتصاد الأمريكي والفرنسي واقتصاد الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت مؤشرات وبيانات اقتصادية حديثة، نسب النمو في الربع الثالث من العام الجاري 2020، التي حققتها عدد من الدول الأوروبية والغربية، مبينة تقدم تركيا وبمستويات ملحوظة.
وجاءت تركيا في المرتبة الأولى محققة نسبة نمو 6.7%.
وحول النتائج التي يحققها الاقتصاد التركي، قال أستاذ الاقتصاد في المجلس العام للبنوك والمصارف الإسلامية، المستشار خالد شبيب لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “السبب يعود بتقدريرنا إلى قوة الاقتصاد التركي المتنامي، نجاعة المعالجات الحكومية بشأن الاقتصاد، التنسيق العالي على مستوى البنك المركزي ووزارات المالية والاقتصاد والتجارة وإدارة الاستثمار الأجنبي، ونجاح الإجراءات الصحية التي اتخذتها الدولة في القطاع الصحي، والتي كانت مستعدة لها تركيا من قبل”.
وأضاف شبيب أن من الأسباب الأخرى أيضا “مقاومة الاقتصاد التركي لجائحة كورونا، حيث تجاوزها متعافيا ومتناميا”، موضحا أن “تذبذب العملة كان مصطنعا بسبب المضاربات السلبية التي لا تعكس النمو الحقيقي في الاقتصاد”.
وأشعلت أخبار تحسن الاقتصاد وانتعاشه بما سينعكس بالفائدة على كل القطاعات، موجة من ردود الفعل المشجعة لذلك، سواء من قبل وزير المالية والخزانة التركي، لطفي ألوان، الذي أكد أن “مؤشرات النمو تدل على الأداء القوي للاقتصاد التركي خلال الربع الثالث من العام الجاري”، في حين أكد وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي، مصطفى ورانك أن “تركيا تمتلك بنية تحتية متينة للإنتاج”.
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد حاج بكري قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن نتائج الاقتصاد التركي “لا تقتصر على الربع الثالث بل كان أيضا في الربع الأول والثاني وذلك بسبب سياسه الحكومه الدقيقه والسلامه في معالجه وباء (كورونا) وقيام وزارة الصحه بتوفير كافه المستلزمات التي قيدت انتشار الفيروس، والنظام الصحي الواسع الانتشار في تركيا والشامل لكل أفراد الشعب التركي”.
وأضاف حاج بكري أنه “لم تتوقف عجله الإنتاج واستمر دعم وسائل الإنتاج بمختلف قطاعاتها من الحكومة، وزاد الطلب المحلي ليستمر الإنعاش الاقتصادي، وحقيقه تستطيع تركيا أن تكون دوله جاذبة للشركات الأجنبية التي ترغب في تنويع منتجاتها، ومهيئة لتكون من أكبر قواعد الإنتاج في العالم”.
وأكد أن “الاقتصاد التركي اقتصاد قوي ومنافس، لكنه يتعرض لضغوطات سياسيه تأثر بالمجمل عليه، وهو يحاول تجنب تأثيراتها على الاقتصاد، ومنها التزام تركيا الجدي للعقوبات الامريكيه والتوقف عن استيراد النفط الإيراني، وقد اتخذت الحكومه التركيه عدة تدابير مهمه ومنها رفع الفائدة والذي سينعكس مفعوله تدريجيا على تحسن سعر صرف الليرة، بالاضافه إلى مؤشرات سياسيه مهمه ومنها التقارب الذي يجري مع السعوديه اليوم، وتوفر السيولة بكافه البنوك سواء المحليه أو الأجنبية”.
وقال حاج بكري أيضا إنه “كان للخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صدى جيد حول سياسه جديدة ستنتهج لتشجيع الاستثمار، ومطالبته للشعب بالثقه في عملته الوطنيه ووعد بالاستقرار المالي واستقرار الأسعار، وكذلك الاقتصاد الكلي، وكان لتعيين وزير مالية جديد وكذلك رئيس جديد للبنك المركزي أيضا سبب في تحسن قيمه الليرة”.
وفي كل مناسبة يؤكد أردوغان، أن “هناك الكثير من الخطوات التي تهدف إلى ضمان تسريع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وأنهم عازمون على إدخال تركيا في مرحلة صعود جديدة اقتصاديا وديمقراطيا، وأنه يهدف لضمان تسريع الاستثمارات لتوفير نتائج دائمة في الإنتاج والتوظيف عبر تنشيط المستثمرين المحليين والأجانب”، الأمر الذي جعل الأنظار تتوجه بشكل أكبر نحو القطاع الاقتصادي التركي، بعد التطمينات المستمرة التي أطلقها وما زال الرئيس أردوغان.
ومع كل تصريح لأردوغان، يترقب المستثمرون ورجال الأعمال تأثير ذلك على الليرة التركية، التي يتراوح سعرها اليوم ما بين 7.82 و7.86 تقريبا، بعد أن وصلت خلال الأسابيع الماضية إلى أكثر من 8 ليرات للدولار الواحد.
الكاتب والمهتم بالشأن التركي سياسيا واقتصاديا، مصطفى النعيمي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تحسن الليرة التركية مرهون اليوم بقضية أزمة (كورونا)، ففي حال تم فتح المجال الجوي والبحري فكلها ستساهم بشكل مباشر برفع قيمة الليرة، ولا ننسى أيضا قضية السياح ودخول العملة الصعبة إلى البلد”.
وأضاف النعيمي أن “انتعاش الليرة التركية له أسباب أخرى وأهمها الملاحة البحرية وارتباط الاقتصاد التركي بالتنقيب عن النفط سواء في البحر المتوسط أو في ليبيا أو حتى في حقول الغاز المكتشفة حديثا، وكل ذلك يساعد في تنمية السياحة كبداية ورفع المستوى الاقتصادي، وجلب الاستثمارات من دول العالم وحتى من دول الخليج”.
ورأى النعيمي أن “تحسن العلاقات السعودية التركية الذي سيؤدي بالنتيجة إلى رفع قيمة الليرة التركية، وهناك معلومات غير مؤكدة عن أن هناك مشروع سعودي تركي لاستيراد طائرات مسيرة تركية لاستهداف الحوثيين في اليمن، وفي حال البدء بهذا المشروع فأعتقد أن الليرة التركية سترتفع إلى مستويات جيدة، وسيساهم الأمر بنسبة استقرار كبيرة على الأقل في المرحلة الحالية”.
ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلن أردوغان، عن الركائز الأساسية الثلاث للسياسة الاقتصادية التركية الجديدة، مؤكدا أن تركيا ستقدم المزيد من الدعم للمستثمرين.
وأضاف أن “ثلاث ركائز لسياساتنا الاقتصادية: استقرار الأسعار والاستقرار المالي واستقرار الاقتصاد الكلي”، مضيفا “نعتبر أرباح المستثمرين المحليين والدوليين الذين يثقون بالاقتصاد التركي والليرة التركية مكسبا لنا أيضا، وسنقدم جميع أنواع الدعم للمستثمرين”.