أفريقيا، قالوا عنها: إنها القارة البكر، أرض المعادن والخيرات، بكر في كل شيء؛ تربتها، خيراتها، كنوزها المخبأة رغم عذابات قرون كثيرة مرت عليها والاستعمار جاثم فوق أرضها.
الاستعمار العجوز، كما يلقبونه، ما زال يتشبث بالحياة، يحاول بسط نفوذه في القارة السمراء، معتقداً أن الزمان هو الزمان، وأنه قادر على اللعب بحرية دون مناوئين، ويبدو أنه لم يدرك أن دورة الزمان قد عملت عملها، وطفت على السطح قوى أخرى تحاول الإطاحة به بكل قوة.
هي اللعبة إذن، فرنسا، إيطاليا، إنجلترا، بلجيكا، إسبانيا، ملوك الاستعمار القديم، وعناوين الإمبراطوريات الكبرى خارج حدودها، لم تعد كما كانت، وأضحت أفريقيا ساحة مفتوحة، يدرك أهلها طبيعة مصالحهم، ويلعبون من أجلها مع الجميع.
فهناك الصين والهند والبرازيل، وحتى الكيان الصهيوني، ثم ظهرت تركيا، صاحبة النفوذ المتنامي، وأحد اللاعبين الأساسيين في الملعب الأفريقي، ظهرت بقوة أمام الاستعمار العجوز، هذا النفوذ المتنامي يدفع إلى العديد من الأسئلة حول النفوذ التركي بأفريقيا وتبعاته وقدرته على تغيير معادلة القوة هناك.
وقد طرحت «المجتمع» هذه التساؤلات وغيرها على محللين إستراتيجيين ومتخصصين في الشأن الأفريقي والتركي، فكان هذا التحقيق.
في البداية، يشير د. السيد فليفل، العميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، إلى أن توسع تركيا يثير قلقاً أوروبياً، ولا سيما من الجانب الفرنسي، إذ تقترب محاولات التمدد التركية نحو مناطق كانت تقع تحت النفوذ الفرنسي؛ لذا هاجم الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» توجُّه الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ووصفه بالطامع في ثروات أفريقيا، وبرهن على ذلك بما قال: إنه عدم وفاء بالوعود التي قطعها بشأن إنهاء التدخل في الأزمة الليبية، ومع هذا فمن المعروف أن العلاقات الدولية تقوم على التعاون المبني على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة.
وأوضح فليفل أن من حق تركيا وغيرها من الدول أن تضع إستراتيجية لمصالحها بشرط ألا تكون عدائية، مع العلم أن أفريقيا قارة لم تُستغل بشكل صحيح حتى الآن بما فيها مصالح شعوبها؛ لأنها عانت كثيراً من المستعمرين عبر التاريخ.
ولهذا، لا مانع من علاقات قائمة على الحفاظ على ثرواتها باعتبارها غنية بالموارد والثروات الطبيعية التي هيمنت عليها دول استعمارية غربية لقرون طويلة؛ حيث عانى الأفارقة من السياسات الاستعبادية التي طالت العنصر البشري، لهذا تسعى حالياً لتأسيس تعاون مبني على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، ليربح الجميع، لا طرف واحد فقط، كما كان الأمر في السابق.
ويوضح د. فليفل أن الإستراتيجية التركية تجاه أفريقيا استفادت من تجارب الدول الأخرى التي سبقتها؛ فحاولت التقليل من السلبيات وتعظيم الإيجابيات، وربطت الجوانب السياسية بالاقتصادية والعسكرية والثقافية في إطار العلاقات الإستراتيجية البينية، مع ترتيب الأولويات في التنفيذ.
ويرى فليفل أنه في الوقت الذي تولي فيه تركيا اهتماماً بكل أفريقيا من خلال خلق المنافع والمصالح المشتركة، فإنها تركز على الدول ذات المواقع المميزة والأهمية الإستراتيجية؛ لإنشاء القواعد العسكرية والمشروعات التنموية والتجارية، ولا مانع من إظهار التعاطف مع الدول التي بها مسلمون يعانون، فتعمل على التعاون لتخفيف معاناتهم المعيشية وتوفير التعليم الديني، وكذلك دعم الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، وهناك مطالبات تركية متكررة بأن تكون الدول الأفريقية ضمن «مجموعة العشرين السياسية» لعدم وجودها بين الدول الخمس الدائمين في مجلس الأمن.
إستراتيجية نشطة
من جانبه، أكد د. محمد محمود، الباحث بالشؤون الأفريقية، أن الإستراتيجية التركية تجاه القارة الأفريقية بدأت عام 1998م، ونشطت بقوة مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002م، حيث وضع إستراتيجية متكاملة لدعم الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التركية مع الدول الأفريقية التي تشكل عمقاً إستراتيجياً قوياً في القارة، التي تضم ما يقارب 54 دولة يزيد عدد سكانها على مليار نسمة.
ويرى محمود أن البعض يربط اهتمام تركيا بالقارة الأفريقية بتراجع آمالها بالالتحاق بالسوق الأوروبية، بعد محاولات متعددة لسنوات طويلة، ولهذا قررت تركيا البحث لنفسها عن تجمعات جديدة تكون لها القيادة فيها، ووجدت ضالتها المفقودة في القارة الأفريقية، وخاصة من الناحية الاقتصادية، حيث تتيح فرصة فتح أسواق جديدة لشركاتها المصدرة؛ مما يسهم في إنعاش الاقتصاد التركي، ولا شك أن من امتلك النفوذ الاقتصادي في منطقة أو قارة فقد دعم وجوده العسكري والسياسي والثقافي والإستراتيجي فيها.
وأوضح أن النفوذ التركي في القارة السمراء بدأ بقوة حيث أصبحت تركيا منافساً قوياً للقوى الحديثة المسيطرة على أفريقيا، وهي: الصين والهند والبرازيل و»إسرائيل»، فضلاً عن استمرار النفوذ الاستعماري الأوروبي السابق، وخاصة فرنسا وبعض الدول الغربية الأخرى، التي لها إرث استعماري بالقارة السمراء، وتزيد استثماراتها على 100 مليار دولار.
ويشير محمود إلى أن المراقب للمؤشرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية يجدها تؤكد صعود تركيا بشكل مطرد على الخريطة الجيوستراتيجية بالقارة؛ مما أدى إلى إزعاج شديد لفرنسا التي ما زالت متطلعة إلى استعادة أطماع وممتلكات الماضي الاستعماري.
ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية أن الإستراتيجية التركية بالقارة تعتمد بشكل أساسي على 4 أدوات رئيسة، هي: الاقتصاد، وتزايد التمثيل الدبلوماسي بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث وصل التمثيل الدبلوماسي إلى أكثر من 40 دولة، وكذلك تزايد القوة الناعمة التي تعتمد على التعاون الثقافي والإنساني والإغاثي والديني، كما تربط الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى أكثر من 60 مدينة أفريقية؛ مما يسهم في دعم النشاط الاقتصادي بشقيه التجاري والسياحي، وأخيراً الحضور العسكري المباشر من خلال القواعد العسكرية.
وأشار محمود إلى أن الطموح التركي يستهدف تزايد المبادلات التجارية مع الأفارقة إلى أكثر من 50 مليار دولار بحلول عام 2023م، وقد بدأت مؤشرات مع الدول الأفريقية الكبرى في التحقق، فمثلاً مع نيجيريا تقارب 3 مليارات دولار، وتضاعف مع السنغال 3 مرات خلال سنوات قليلة.
ويؤكد أن الحال نفسها بالنسبة للدول العربية الأفريقية، فمثلاً رغم الخلافات السياسية مع مصر، فإن هناك تعاوناً اقتصادياً لمصلحة البلدين، وكذلك نجد تعاوناً متنامياً مع الجزائر وليبيا والمغرب، وكذلك السودان الذي به قاعدة عسكرية، كما قام الرئيس «أردوغان» ومسؤولوه بزيارة أكثر من 30 دولة أفريقية، مما جعله الرئيس الأكثر تواصلاً مباشراً بالقارة السمراء.
ولم تنسَ الإستراتيجية التركية أهمية التعليم؛ حيث تقدم الجامعات التركية سنوياً عشرات آلاف المنح الدراسية للطلبة الأفارقة، كما قامت مؤسسة «وقف المعارف التركية» بإنشاء شبكة مدارس قوية ومتميزة في مختلف دول القارة، ويكفي أن نعرف أن القارة الأفريقية هي الأكثر استقبالاً من المدارس التركية، حيث يصل أعدادها إلى 23 مدرسة من أصل 43 على مستوى العالم، مما يؤدي لتكوين قيادات أفريقية متميزة، وقادرة عملياً على التقارب السياسي والاقتصادي والثقافي بين تركيا والقارة الأفريقية.
اختلاف الآراء
ويشير د. ناصر عيسى، الباحث في الشؤون الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية، إلى أن الآراء اختلفت حول الدوافع التركية من التوجه الأفريقي؛ حيث يرى المؤيدون لها أنها أقرب إلى «قوّة خيّرة» تتبنى مبادرات إنسانية ودعم الوجود الإسلامي السُّني، في حين يرى المعارضون أن خطوات الرئيس «أردوغان» تعكس إعادة إحياء «عثمانية جديدة» من خلال دبلوماسية دفع المال للدول الفقيرة التي تعاني من المجاعات، مثل الصومال الذي مزقته الحرب، حيث تقدم مساعدات وتطلق مشاريع تنموية وتعليمية.
ويعلق عيسى قائلاً: وأياً ما كان الرأي والتفسير، فإن الإستراتيجية التركية نجحت في تقوية نفسها دبلوماسياً، حيث قامت بافتتاح السفارات والقنصليات الأفريقية بأنقرة وإسطنبول، ليصل عدد هذه البعثات الأفريقية إلى 35 تمثيلية دبلوماسية، وفي عام 2008م استضافت تركيا أول قمة تركية – أفريقية حضرها ممثلون عن 50 دولة أفريقية، ليتم انطلاق عجلة التعاون المشترك في مختلف المجالات، وفي عام 2010م استضافت تركيا مؤتمراً للمصالحة الصومالية ودعم السلام فيها، وأعقب ذلك فتح سفارات في كثير من الدول لدفع عجلة التنمية فيها واستثمار مواردها الطبيعية وتحقيق مصالح مشتركة، تعزز مواقفها السياسية على الساحة الدولية وخاصة في ظل الانقسام العالمي حول سياستها.
ويوضح عيسى أن القادة الأتراك يحاولون تقديم أنفسهم للقادة الأفارقة على أنهم وسيلتهم للتخلص من الهيمنة الغربية، سواء الأوروبية التي لها جذور استعمارية، أو الأمريكية التي تمثل قائداً للهيمنة الغربية الحديثة بعد التخلص من الاستعمار الأوروبي المقيت الذي استغل خيرات أفريقيا، واستبدال علاقات صداقة وتعاون حقيقي بها، قائمة على تحقيق المصالح المشتركة للجميع، حيث نفذت الشركات التركية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة أكثر من 1150 مشروعاً، قيمتها أكثر من 65 مليار دولار، بل تضاعف التعاون التجاري التركي الأفريقي أكثر من 6 مرات، ويحاول الرئيس «أردوغان» تغليف الإستراتيجية التركية باللمحة الإنسانية، حيث جعل نفسه مدافعاً عن المستضعفين في العالم الإسلامي، ولا ينبغي الفصل بين أهمية الاستثمارات التركية ومخططاتها السياسية والعسكرية في القارة السمراء.
ونبه عيسى إلى انتقال المعركة بين فرنسا وتركيا من شرق المتوسط إلى منطقتَي الساحل والصحراء، التي هي من الملاعب التقليدية للسياسة الفرنسية منذ أيام الاستعمار، رغم أنها مناطق فقيرة، وأبرز مثال على ذلك زيارة وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» إلى النيجر التي تعد من أفقر دول العالم، وتوقيع اتفاقيات التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، حيث تجيد الإستراتيجية التركية الاستثمار في مناطق الأزمات، ولعل هذا ما نلاحظه في ليبيا، والنيجر، وتشاد، ومالي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا؛ حيث المعاناة المزدوجة من الفقر وانتشار الجماعات الإرهابية والصراعات الداخلية بين المتعصبين القبليين والعرقيين والإثنيين.
ويرى عيسى أنه يجب ألا ننسى أن في القلب من الإستراتيجية التركية محاولتها محاصرة المدارس الإسلامية المؤمنة بفكر الداعية التركي المعارض «فتح الله كولن»، وقد نجحت في إعادة البرامج التعليمية لها في العديد من الدول الأفريقية، خاصة أن مدارس «وقف المعارف» التركي تعد الذراع التعليمية الخارجية، حيث يوجد 333 مدرسة في 43 دولة، منها 23 في القارة الأفريقية.
ويؤكد عيسى أن الإستراتيجية التركية لم تهمل التعاون الاقتصادي مع الدول الكبرى بالشرق الأفريقي مثل كينيا وإثيوبيا، باعتبارهما من بين أكبر اقتصاديات شرق القارة الأفريقية، حيث يؤدي المستثمرون الأتراك دوراً مهماً لمساعدتهما ووضعهما في قائمة الدول ذات الأولوية لدى الحكومة التركية، وأعلنت القيادة التركية في «منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الأفريقي، الذي عقد مؤخراً، بأن الاستثمارات التركية في قارة أفريقيا وفرت أكثر من 100 ألف فرصة عمل، وقيمة المشاريع التركية المنجزة فيها بلغت نحو 70 مليار دولار، ولم يتخل المستثمرون الأتراك عن مشروعاتهم خلال فترة انتشار وباء «كورونا» الذي أدى إلى فرار الكثير من الشركات الأجنبية؛ بل عملت تركيا على تدعيم التعاون التجاري مع الدول الأفريقية؛ فقامت بتوقيع اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي مع 13 دولة أفريقية، وكذلك توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع 5 دول أخرى؛ ما أدى إلى ارتفاع التبادل التجاري إلى 27 مليار دولار، منها صادرات تركية أكثر من 17 مليار دولار، ومستهدف وصوله خلال السنوات المقبلة إلى 50 مليار دولار.
وينهي د. عيسى كلامه مؤكداً أن تركيا استفادت من النموذج الصيني في التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري مع القارة الأفريقية، بجعلها سوقاً لتصريف منتجاتها وتوريد الخامات الأفريقية الزراعية والمعدنية والطبيعية إليها، وكذلك نجاحها في فصل خلافاتها السياسية مع مصر عن المصالح الاقتصادية.
ويرى عيسى أن هذا النموذج من ازدواجية العلاقات يعد أمراً طيباً، حيث لم يتوقف التعاون الاقتصادي بين البلدين عند حدود التبادل التجاري، فقد قدرت وزارة التجارة والصناعة المصرية حجم الاستثمارات التركية في مصر بنحو 5 مليارات دولار، وتقدر أعداد مصانعها بحوالي 418 منشأة صناعية، يعمل بها 52 ألف عامل مصري، وهو ما يشير لرغبة متبادلة من الطرفين على إبقاء المصالح الاقتصادية بعيدة عن أي توتر سياسي، وإعلاء مصالح الشعبين الاقتصادية، وهو نموذج يجب الإشادة به والتشجيع على أهمية استمراره وتحديه لأي صعوبات متوقعة.
دولة محورية
من جانبه، يشير الباحث محمد سليمان الزواوي، المشرف على موقع قراءات أفريقية باللغة الإنجليزية، أن القارة السمراء لا تزال حتى الآن قارة بكراً بالرغم من سنوات الاستعمار الطويلة، من حيث المصادر الطبيعية والمعادن ومصادر المياه والأرض القابلة للزراعة، كما أن منطقة جنوب الصحراء لا تزال تتكون من دول فقيرة ومهمّشة استغلتها القوى الإمبراطورية في السابق، وتطحنها الرأسمالية الطاغية والديون والاتفاقات الدولية حالياً، وهذا ما أعطى الفرصة للسياسة الخارجية التركية لممارسة قوتها الناعمة وكسب أصواتها في المنظمات الدولية، وعقد اتفاقيات لتسويق البضائع التركية مع محاولة استثمار العلاقات التاريخية ببعضها؛ حيث كانت مصر وليبيا وتونس والجزائر وإريتريا والصومال والسودان تابعة لها في الفترة ما بين عامي 1536 و1912م.
ويشير الزواوي إلى أن السياسة الخارجية التركية تنظر إلى العالم بوصفه دولة مركزية ومحورية فيه، خاصة المناطق الغنية بالمصالح والثروات مثل قارة أفريقيا، فمثلاً في عام 1998م أصدرت تركيا وثيقة عن توجهها الجديد تجاه ما أطلقت عليها اسم «السياسة الأفريقية» التي تهدف لتدعيم الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية معها في ظل سياسة أطلقت عليها «تصفير المشكلات»، لتستطيع تركيا أن تتمدد في جوارها القريب أو البعيد، وتعقد اتفاقيات شراكة في كل المجالات حيث ترى نفسها دولة ذات اهتمامات «أفروأوراسيا»
وقد كشفت تقارير تركية عن الحضور العسكري المباشر أو غير المباشر باعتباره جزءاً أساسياً من الإستراتيجية التركية بأفريقيا، حيث لها قواعد وجنود في ليبيا والصومال والسودان وجيبوتي والنيجر، فقد زاد التواجد العسكري التركي ابتداء من الشمال الأفريقي حيث ارتبط الحرص على استغلال الغاز والموارد الطبيعية بالمتوسط، وصار أكثر تعقيداً وحساسية بعد توقيع تركيا لمعاهدة التعاون الأمني وترسيم المناطق البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، إضافة إلى قاعدتي الوطية ومصراتة في ليبيا هذا العام، بموجب هذا الاتفاق أصبح الوجود العسكري التركي على الأراضي الليبية جزءاً من المعادلة العسكرية، حيث أرسلت تركيا عدداً من قواتها يقدر بـ3 آلاف جندي، مسلحين بعتاد عسكري مصنوع في تركيا ومتقدم تكنولوجياً.
وفي عام 2017م، قام الرئيس «أردوغان» بزيارة جزيرة «سواكن» السودانية التي لها تاريخ قديم حيث كانت نقطة انطلاق المسلمين الأفارقة إلى مكة لأداء الحج والعمرة، واستمرت مركزاً تجارياً عثمانياً لفترة ثم توقف نشاطها كميناء منذ فترة طويلة، وتم توقيع اتفاق لمدة 99 عاماً لإعادة تأهيل الميناء عسكرياً وتجارياً، واستئناف الرحلات منه إلى بلاد الحرمين الشريفين بتكاليف 650 مليون دولار، كما تم الاتفاق على دعم التعاون العسكري، إلا أن هذا الاتفاق على المحك حالياً بعد خلع الرئيس السوداني عمر البشير وسقوط نظامه؛ ولهذا فإن البعض اعتبر سقوط البشير ضربة إستراتيجية للنفوذ التركي في السودان.
كذلك هناك القاعدة العسكرية في الصومال التي أنشأتها في عام 2016م، وهي ثالث المحطات العسكرية، حيث افتُتحت قاعدة «تركسوم» رسمياً بتكلفة بلغت 50 مليون دولار تقريباً، على مساحة بلغت 400 هكتار، بقوام 1500 جندي تركي كدفعة أولى، بموجب اتفاقية عسكرية بهدف إعادة تأهيل وتدريب الجيش الصومالي، بدأت بـ10 آلاف جندي صومالي.
كما أنها القاعدة الكبرى لتركيا في الخارج، وهي قادرة على استقبال قِطع بحرية وطائرات عسكرية وقوات «كوماندوز»، وقد أُلحقت بالقاعدة 3 مدارس عسكرية يشرف عليها 200 ضابط تركي تولوا عمليات التدريب.
ولم ينتهِ عام 2017م إلا وكانت تركيا قد توصلت لاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، حيث جرى الاتفاق بين البلدين عليها بالإضافة لعدة اتفاقيات اقتصادية، حيث تنظر تركيا إلى جيبوتي باعتبارها مركزاً أفريقياً مهماً للتجارة التركية، فموقعها الإستراتيجي على البحر الأحمر دفع الرئيس التركي «أردوغان» إلى زيارتها أكثر من مرة، وقام بإنشاء منطقة اقتصادية فيها عام 2014م، على مساحة 5 ملايين متر مربع.
ورابع المحطات العسكرية التركية في غرب أفريقيا بجمهورية النيجر؛ حيث وقَّعت اتفاقاً معها لإنشاء قاعدة عسكرية برية وجوية تهدف لتدريب جيش النيجر وتزويده بالسلاح، فضلاً عن اشتمال الاتفاقية على بنود حول تطوير قطاعات النقل والبناء والطاقة والتعدين والزراعة وغيرها.
ويبقى السؤال: هل ستحمل الأيام القادمة تبعات على تركيا جراء هذا النفوذ المتنامي، أم أن حزب العدالة والتنمية أعد عدته لكل المواجهات؟ هذا ما ستكشف عنه الأحداث لاحقاً.