يشهد العالم وبخاصه الشرق الأوسط حالة من الترقب مع قدوم رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرئيس القادم من الحزب الديمقراطي جو بايدن، الذي يحمل تاريخاً طويلاً في السلك السياسي والدبلوماسي، الذي كان آخره توليه منصب نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية من توقف للنشاط الاقتصادي وتراجع معدلات النمو وارتفاع البطالة، تحبس عدة دول في الشرق الأوسط أنفاسها مع هذه الإدارة الأمريكية الجديدة، في انتظار معرفة أجندتها وسياستها وبخاصة الاقتصادية منها في الشرق الأوسط.
وتنبع تلك المخاوف من تصريحات بايدن التي جاءت خلال حملته الانتخابية التي تمثلت حول إعادة تقييم العلاقات مع السعودية ومصر والإمارات، بالإضافة إلى موقف بايدن من حرب اليمن التي قال فيها: إنه “سيُنهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن”، وأيضاً الحديث عن إعادة بايدن للاتفاق النووي مع إيران مما يدفعها مجدداً لبسط نفوذها الإقليمي.
كما شملت توقعات الخبراء لسياسة بايدن، فيما يخص القضية الفلسطينية، بأنه لا يكترث كثيراً إلى “صفقة القرن”، بل ربما يميل أكثر إلى حل الدولتين، على أساس دولتين متجاورتين قابلتين للحياة.
أما تركيا، فيتوقع معلقون أن تتدهور العلاقات الأمريكية -التركية في عهد بايدن، بسبب المواقف السياسية والعسكرية لأنقرة بينما أبدى البعض تفاؤلاً، حيال التوصل إلى توافقات من أجل حماية العلاقات الثنائية بين البلدين.
تبقى تلك العلاقات السياسية رهينة العلاقات والمصالح الاقتصادية بين أمريكا ودول الشرق الأوسط، مما يتطلب نظرة أكثر واقعية لفهم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن.
3 مجموعات
وبحسب الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، لـ”المجتمع”، فإن دول الشرق الأوسط يمكن أن نقسمها إلى 3 مجموعات، تتعلق المجموعة الأولى بالدول المصدرة للبترول التي تحتفظ بمعظم احتياطياتها النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية في شكل صناديق سيادية مثل الكويت والسعودية والإمارات وغيرها من الدول الخليج العربي، مشيراً إلى أن تلك الدول ستستمر في دعم الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أكد أن تشابك الملف السياسي مع الملف الاقتصادي سيزداد حدة في إدارة بايدن عن إدارة ترمب مع دول الخليج، وبخاصة في ظل وجود بعض الملفات الشائكة لدول الخليج كالمصالحة الخليجية، بالإضافة إلى الشؤون الداخلية في تلك الدول، التي تزعج الإدارة الأمريكية الجديدة، مما سيدفع الطرفين إلى إحداث مساومات وخفض جناح أمريكا لبعض المصالح الخليجية.
وذلك لدفع مشروعات تنموية قد يحتاجها بايدن بصورة شديدة لتلافي التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية، وأيضاً لإظهار خلال العامين الأولين في فترة حكم الرئيس الأمريكي أنه يستطيع أن ينجز ويهرب من الأزمة الاقتصادية الحالية التي سببها “كوفيد- 19”.
ومن المتوقع أن تبلغ خسائر الولايات المتحدة نحو 16 تريليون دولار بسبب جائحة كورونا؛ مما يعادل نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في العام القادم، وذلك حسب دراسة نشرتها مجلة “الجمعية الطبية الأمريكية”.
بينما تتوقع وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” للتصنيف الائتماني، أن ترتفع ديون حكومات دول الخليج برقم قياسي يبلغ حوالي 100 مليار دولار هذا العام فقط، في ظل تنامي متطلبات التمويل بسبب أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى تفاقم العجوزات في موازنات تلك الدول وتراجع الاستثمارات الغير نفطية.
أما المجموعة الثانية، التي أطلق عليها الخبير الاقتصادي بالمجموعة المتلقية، ويأتي في مقدمتها مصر، فهي لا تدفع شيئاً للولايات المتحدة الأمريكية، وإنما تأخذ منها معونات ومساعدات مثل العراق والأردن ولبنان وسورية واليمن، التي يتسم أغلبها بالحكومات السلطوية، لذلك من المتوقع أن يستخدم بايدن ورقة المعونات للضغط على تلك الدول لما تقوم به من انتهاكات وتجاوزات فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
مشيراً إلى أن مصر ستساومها إدارة بايدن من باب القروض الخارجية أيضاً، فمصر تعتمد على القروض ليس فقط من أجل إقامة مشروعات أساسية في البنية التحتية، بل أيضاً في سداد عجز الموازنة العامة للدولة وعجز الميزان التجاري الذي لم تفلح مصر حتى الآن في زحزحته عن عجزه المزمن خلال الفترة الماضية.
ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن حجم الدين الخارجي لمصر بلغ نحو 112.67 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2019م، إلا أن مصر لم تتوقف عن الاقتراض الخارجي خلال العام الجاري، حيث جاءت في المرتبة الأولى ضمن الدول العربية المقترضة من البنك الدولي، ووفقاً لتقديرات الخبراء؛ فإن حجم الدين الخارجي بلغ نحو ما يزيد على 126 مليار دولار خلال عام 2020م.
وأخيراً المجموعة الثالثة التي تأتي خارج النطاق العربي، وهما تركيا وإيران، وأشار ذكرالله أن الاقتصاد التركي عانى مؤخراً نتيجة تداعيات أزمة كورونا، بالإضافة إلى تذبذب كبير في سعر الصرف الليرة التركية، وعلى الصعيد السياسي لطالما اتخذت تركيا مواقف تظهر فيها استقلاليتها عن الهيمنة الأمريكية والأوروبية بصورة رئيسة، وبالتالي “أنا أعتقد أنه سيكون هناك نوع ما من أنواع الضغط لا سيما التوتر الحاصل الأن بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ولكن تركيا احترفت اللعب السياسي خلال الفترة الماضية، وتستطيع أن تتجاوز تلك الأمور؛ مما يعني أنه لن تكون هناك مشكلات كبيرة”.
أما فيما يخص الاقتصاد الإيراني، فأوضح ذكرالله أنه يتوقع أن تقوم إدارة بايدن بمراجعة الملف الإيراني بالكامل والعمل على زحزحة وحلحلة بعض الأمور المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية التي توالت على الإدارة الإيرانية، مما يساهم في تحسين الوضع الإيراني في الداخل، إلا أن هذا الملف مرهون أيضاً بالموقف الإيراني مع المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تمتلك رؤية لا تخرج كثيراً عن الرؤية التي تم تنفيذها في حقبة أوباما.
وفي 26 سبتمبر 2020م، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني: إن العقوبات الأحادية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية على بلاده كلفتها خسائر لا تقل عن 150 مليار دولار، منذ عام 2018م.
ووفق الرؤى المهتمة بالشأن الأمريكي، فإن إدارة بايدن لا يمكن القول: إنها ستعمل على تسوية النزاعات، ولكن يمكن أن تتخلى عن بعض الحلفاء الذين نشؤوا وتربوا وترعرعوا على أيدي ترمب خلال الفترة الماضية.
النفط العربي
ويعد أبرز ما يميز منطقة الشرق الأوسط هو الذهب الأسود الذي عانى مر المعاناة نتيجة توقف النشاط الاقتصادي عالمياً وتراجع الطلب العالمي على المحروقات بسبب تداعيات أزمة كورونا، وتأمل الأسواق النفطية تنامي الطلب العالمي خلال عام 2021م، وذلك بعد ظهور عدة لقاحات.
ولكن تلك الأموال تصحبها عدة مخاوف منها احتمالية إعادة بايدن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وفنزويلا وعودة نشاطهم النفطي، مما قد يحدث تخمة نتيجة كثرة المعروض بالأسواق العالمية في وقت تراجع فيه المعدل الطبيعي للمحروقات.
ويرى الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، خلال حديثة لـ”المتجمع”، أن بايدن رجل برجماتي وغير صدامي وتوافقي، مشيراً إلى أن هذا سينعكس على موقفه السياسي والاقتصادي إزاء الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات “وليس دولة فرد كترمب يفعل ما يريد دون مشاورة الكونجرس والخبراء”.
ويتجلى ذلك في تصريح وزير الخارجية الأمريكي المقبل، أنتوني بلينكن، حيث قال: “لا يمكننا بمفردنا أن نعالج مشكلات العالم، علينا أن نعمل مع الدول الأخرى”، مشدداً على الحاجة إلى “التعاون” و”الشراكة”، وأضاف: “الآن علينا أن نتصرف بتواضع وثقة”.
وأشار إسماعيل إلى أن بايدن ليس صديقاً لمنظمة “أوبك” النفطية وصناعة النفط، وذلك وفقاً لتصريحاته الانتخابية، فالرئيس الأمريكي المنتخب يشجع ما يسمى بالطاقة النظيفة، كما أنه وعد باستثمار نحو تريليوني دولار لتطوير الأبحاث والاستثمار في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة مع الابتعاد تدريجياً عما يسمى بالطاقة الأحفورية كالغاز والنفط.
إلا أن خبير الطاقة يرى أن هذا لا يعني أن الأمور ستتغير خلال شهور قليلة، بل ربما لن يستطيع بايدن تحقيق هذا الأمر حتى بعد أربع سنوات، وذلك لأن صناعة النفط والغاز مهمة جداً في الاقتصاد الأمريكي، فهي تحوي نحو 200 ألف وظيفة للأمريكيين يعمل نصفهم في ولاية تكساس، كما أن هناك ولايات أمريكية تعتمد على إنتاج النفط الغاز مثل ولاية تكساس ولويزيانا وأوكلاهوما وداكوتا الشمالية، بالإضافة إلى ولاية بنسلفانيا التي تعمل في صناعة الفحم بشكل قوي.
وتملك تلك الولايات لوبيات قوية جداً، بالإضافة إلى النواب في مجلس النواب ومجلس الشيوخ عن تلك الولايات سوف يطالبون ويناضلون للضغط على بايدن الذي لن يتعاطف مع شركات النفط، ولكن سيتعامل معها بطريقة برجماتية كونها عنصراً مهماً في الاقتصاد الأمريكي.
وأوضح إسماعيل أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتج حالياً 11 مليون برميل يومياً من “الزيت الصخري”، بالإضافة إلى أنها لا تزال تستورد نحو 8 ملايين برميل يومياً من دول العالم المختلفة منها الدول العربية، وبالتالي “لن تتأثر العلاقة الاقتصادية بشكل كبير بين أمريكا والشرق الأوسط على المدى البعيد”.
عودة إيران
وكان بايدن قد أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يريد إقامة علاقات جيده مع إيران دون توتر، على أن تلتزم إيران بالاتفاق النووي، وأن تسمح بسد الثغرات به، وذلك نظراً لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع أوباما حمل ثغرات ونواقص كثيرة.
وأوضح إسماعيل أن وضع الاقتصاد الإيراني الحقيقي على عكس ما يشاع من قبل الإعلام الإيراني فهو سيئ للغاية نتيجة انهيار العملة والقدرة الشرائية للمستهلك وارتفاع نسب الفقر والبطالة، بالإضافة إلى عزلها عن النظام المصرفي العالمي مما يضطرها إلى اللجوء إلى طرق ملتوية لدفع ثمن بضائع تستوردها أو لتسديد ما عليها من التزامات، وبالتالي فمن المتوقع أن يتجاوب الإيرانيون سريعاً مع بادين من أجل إنقاذ اقتصادهم ورفع تلك العقوبات.
وسجل الريال الإيراني تراجعاً كبيراً خلال عام 2020م فقط، بنحو 49% من قيمته، مما يعكس مدى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران في ظل أزمات متوالية تراكمت على إيران التي شهدت أكبر عدد للوفيات بفيروس كورونا في الشرق الأوسط.
ويعتقد إسماعيل أن عودة النفط الإيراني لن تكون قبل عام على الأقل من تولي بايدن الحكم إن لم يكن عامين، نظراً لأن المرحلة الانتقالية ستأخذ عدة أشهر، مشيراً إلى أن عودة النفط الإيراني تعني عودة نحو مليوني أو مليون ونصف مليون برميل نفط يومياً إلى الأسواق.
مشيراً إلى أن عودة النفط الإيراني تتزامن مع عودة النفط الليبي وزيادة إنتاجه إلى 870 ألف برميل قابلة للزيادة إلى مليون وربع أو 1.7 مليون برميل يومياً مع نهاية عام 2021م، مما سيجلب صداعاً كبيراً لمنظمة “أوبك” التي تعمل على خفض الإنتاج النفطي للتخلص من حالة الإشباع التي يعيشها العالم؛ مما يسهم في عودة ارتفاع أسعار المحروقات.
ولكن يكمن حل أزمة النفط الخليجية في تنامي الاقتصاد العالمي مما يزيد من الطلب العالمي وبخاصة الآسيوي، وبالتالي في هذه الحالة لن يؤثر التواجد الإيراني في السوق النفطية على الاقتصادات العربية، وهذا ما يراه الخبير النفطي، الذي يتوقع أن يتوصل بايدن إلى حل النزاع التجاري مع الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم)، مما سيؤدي إلى نمو الحركة الاقتصادية العالمية ويصب في مصلحة الدول الخليجية التي تستورد الصين منها النفط.