ثارت منذ أسابيع محاولة جديدة للنيل من شرف مقام سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جانب فرنسي مدعوم حتى أعلى مستوى في الدولة؛ إذ زعم رئيسها إيمانويل ماكرون أن الرسومات التي “تحاول” الإساءة للرسول العظيم تعبير عن حرية الرأي في بلاده؛ لاحقًا اتضح أن مقاطعة العالم الإسلامي للبضائع والمنتجات الفرنسية أثمرت محاولة ملتوية من “ماكرون” للاعتذار على شاشة فضائية عربية مشهورة اختارها لحوار معه؛ وإن حاول تجديد ذلك بصورة أوضح في لقائه مع رئيس عربي معروف باستيلائه على السلطة؛ وإن لم تخل محاولة الاعتذار الأخيرة من افتعال لعدم إيقاف استمرار استيراد الرئيس العربي “المفترض” لصفقات أسلحة فرنسية باهظة التكاليف.
سبقت دولة غربية أخرى فرنسا إلى “محاولة” النيل من مقام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبر جريدة دنماركية في سبتمبر/أيلول من عام 2005م؛ ورغم اعتراض الجالية المسلمة في البلاد إلا أن المسيرة العطنة استمرت بدعم حكومي حتى قامت دول عربية إسلامية حينها بسحب سفرائها وأغلقت بعض الدول سفارات الدنمارك في بلادها؛ ورغم حملة مقاومة السلع والبضائع الدنماركية في العالم العربي والإسلامي إلا أن أزمة الرسوم تكررت بعد سنوات قليلة في حملة صحفية دنماركية مرة أخرى.
من المعروف والمسلم به أن الشعوب العربية الإسلامية لا تملك أمام هذه المحاولات المتكررة للنيل من مقام خاتم الأنبياء والمرسلين الذي حرص على هداية البشرية ونشر حضارة تضمن لها الأمن والسلام والعدل والمساواة مما يفتقده عالم اليوم الذي يموج بالظلم والعنصرية؛ لا تملك شعوبنا المغلوبة على أمرها المقهورة “ظاهريًا” سوى المقاطعة الاقتصادية للدول التي تحاول النيل من رسولها العظيم؛ على أن المكاشفة الشديدة تقتضي أن نقر بأن حملات المقاطعة لا تلبث أن يأخذ بها مرور الأيام والليالي الذي يُنسي؛ وهي أمور بشرية معتادة في عالم تزداد الهموم فيه ليل نهار وتقسو أحداثه على المستضعفين ـ وما أكثرهم في أمتنا ـ حتى لتكاد تفقدهم حياتهم؛ إن لم تفعل بالبعض من أهلينا بالفعل؛ بالإضافة لتنوع وتدرج السلع المطلوب مقاطعتها والحاجة إليها على جميع المستويات، فما الحل والسبيل الدائمين لرد محاولات الإساءة عن رسولنا العظيم مع التسليم بأثر المقاطعة الاقتصادية الوقتي”؟
بداية ينبغي أن نسلم بأمر من جانب الغرب وآخر يخصنا ـ أيضًا ـ ويخص أعظم إنسان أتى إلى الأرض وخطا فوق التراب وزار عالمنا وعمل على هداية الحائر وعصمة دماء الضعفاء والأخذ بيد التائهين نحو خيري الدارين؛ وأما الأمر الذي يخص الغرب فهو أن هذه الحملات التي تبدو لنا منظمة تدفع إليها جهات رسمية بل تحميها إنما هي دليل غير خفي على أن الإسلام يتقدم ويزداد رسوخًا في تلك البلاد حتى ليوغر ذلك صدور الذين يحبون استمرار الظلام والعتمة فيجدون لذتهم ولقمة عيشهم فيها من تجار الثقافات الضالة المضلة حتى المتربحين من بيع الأسلحة لزيادة الدماء؛ وأما الأمر الذي يخصنا بشكل أكثر التصاقًا فهو أن ما نسميه “إساءة” للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو خطيئة غربية ومجرد ترديد نفس اللفظ خطأ منا؛ وإنما الأصل والأساس أن الله في علاه حفظ مقام الرسول العظيم وأعزه ورفعه فلا ينال منه بشر أيًا مَنْ كان وإنما الأصل أنه يحاول ويسعى ما استطاع ولكنه يفشل والآيات الكريمة الدالة على ذلك كثيرة منها: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” الآية 67 من سورة المائدة.
بقي أن الأساس في التصدي لمحاولات النيل من المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أن يعمل المسلمون بجد واجتهاد واتقان في سبيل الرقي بما يقدمونه وينتجونه للبشرية اقتداء بسيرة وحياة الرسول العظيم وبما حث عليه أتباعه حتى يوم القيامة؛ وفي ذلك منجاة لهم من التبعية الاقتصادية والحاجة للسلع الغربية من الأساس بدلًا من الاكتفاء بالمقاطعة كلما ثارت أزمة ومحاولة للنيل منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأيضًا بعملهم وتقدمهم وعودة حضارتهم المأمولة يعصمون دماءهم ومستضعفيهم.
ثم إن على المسلمين ـ بصورة عاجلة ـ أن يحسنوا التعريف بالرسول العظيم سواء في بيوتهم وبين صغارهم وفي حياتهم بوجه عام وأن يجتهدوا في الاقتداء بسنته وسيرته طوال حياتهم لا أن يتذكروه صلى الله عليه وسلم كلما حان حين ثم يتناسى بعضهم الأمر وما يجب أن يترتب عليه فيما بعد؛ ولعل من المهم المفيد هنا أيضًا أهمية التعريف بالرسول العظيم في الغرب نفسه، وهو مجهود قام ويقوم به البعض ولا ينفي ذلك وجوب تكاتف وتكثيف الجهود من أجله.
إننا لسنا بحاجة لمناقشة “أشقياء” يقبلون بمحاولة الإساءة من رسولنا وهم يرفضون في الوقت نفسه تذكيرهم بمساوئهم وديكتاتوريتهم ويعتبرونهما “خطًا أحمر”؛ بل إننا بحاجة ـ أولًاـ لنعمل ونبذل المزيد من الجهود ونقدح أفكارنا لنغير من موقعنا وموضعنا الحضاري ونبتعد عن كوننا نحتاج للغرب إلى مكتفين بما وهبنا الله من قدرات ونعم لنحسن استثمارها لرفعة ديننا ومن ثم رسولنا ودنيانا.