منذ أيام، بدأت موريتانيا تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد– 19)، حيث بدأت الإصابات تقترب من مستوى لم تصل إليه في البلاد منذ انتشار الفيروس فيها، وهو حاجز 300 إصابة يومياً، الأمر الذي تسبب في قلق شعبي وحكومي من خروج الوباء عن السيطرة في الدولة التي تملك بنية صحية ضعيفة مقارنة بالدول المجاورة، ولا تتوفر على الوسائل القادرة على مكافحة هذا الفيروس الفتاك.
وقد دفع هذا الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات الحكومة الموريتانية، أمس الأول الأحد، إلى الإعلان عن حزمة إجراءات جديدة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وعبَّرت الحكومة الموريتانية عن قلقها من خطورة الموجة الثانية من الفيروس على لسان بعض الوزراء مثل وزير الصحة، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الشؤون الإسلامية، فيما عبَّر المدونون الموريتانيون عن قلقهم من الفيروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وطالبوا بالالتزام بالإجراءات الاحترازية.
إعلان حظر التجوّل على امتداد البلاد
ولمواجهة الموجة الثانية من كورونا في البلاد، أعلنت وزارة الداخلية الموريتانية عن بدء سريان حظر التجول على امتداد التراب الوطني ابتداء من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً، وقالت وزارة الداخلية في بيانها: إنه يتم استثناء الطواقم الطبية من قرار حظر التجول في حال اصطحابهم للبطاقة المهنية من أجل تسهيل مهامهم، ودعا محمد سالم ولد مرزوك، وزير الداخلية واللامركزية الموريتاني، الجميع إلى الالتزام والتقيد بالضوابط المطبقة في مثل هذه الظروف.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، قالت السنية سيدي هيبة، وزيرة موريتانية سابقة: إن المجتمع الموريتاني يتميز بالتهاون مع كل شيء وفي أغلب الأحيان عن حسن نية، لكن المواطن الموريتاني اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بالإقلاع عن الكثير من السلوكيات الاجتماعية الضارة التي قد تشكل سبباً في تفشي الوباء، مثل التجمعات والمناسبات الاجتماعية والزيارات غير الضرورية والمصافحة والعناق وشرب الشاي الجماعي وغيرها؛ كلها سلوكيات تشجع الفيروس على التمدد والانتشار، وتحد من فاعلية حزمة الإجراءات المتخذة للحد من تداعياته، مؤكدة أن الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المختصة لن تكون ذات جدوى كبيرة بغياب التجاوب الفعال للمواطنين معها.
تعليق صلاة الجمعة في جميع المساجد
بدورها، أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي ثلاثة قرارات جديدة، هي: نزع أفرشة جميع المساجد، وإقامة صلاة الجماعة في المساجد بالإمام والمؤذن فقط، وتعليق صلاة الجمعة حتى إشعار آخر، وجاء الإعلان عن هذه القرارات الثلاثة بعد تقييمٍ لوضعية الوباء المتجددة، والتنسيق مع الجهات الصحية المعنية، والتشاور مع هيئة كبار العلماء في البلاد.
وقال محفوظ ولد إبراهيم فال، نائب مدير مركز تكوين العلماء وعضو هيئة علماء موريتانيا وإمام جامع أسامة بنواكشوط: إن الأصل جواز تعليق الجمعة أو الحد من صلاة الجماعة إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ولكن إذا كانت المؤسسات العامة والأسواق لم تُغلق واتخذت فيها بعض التدابير التي ترفع الضرر، فينبغي أن يكون ذلك في المساجد ولا تعطل، ولكن تؤخذ فيها الاحتياطات اللازمة التي تؤخذ في غيرها من المرافق العامة، واستدرك قائلاً: لكن إذا اتخذت السلطة المختصة في أي بلد قراراً في هذا المجال، فالواجب الالتزام به والانسجام معه، لأن هذا هو الذي تقتضيه اللحظة والمصلحة العامة، ولا ينبغي أن يُشوش عليه بالخلافات الفقهية.
من جهته، قال الإمام والأستاذ الجامعي د. محمد محمد غلام، في تصريح لـ”المجتمع”: أرى أن الحكم الشرعي في هذا الظرف هو انتصاب الأئمة والعلماء والدعاة والمفتين قدوة لمجتمعاتهم وأسوة للمقتدين بهم، تذكيراً بالله عز وجل، وتوكلاً عليه جل وعلا وتوبة له وإنابة إليه، وتوعية بخطورة الوضع وحقيقة الجائحة كما بينها المختصون، وتمسكاً بالتوجيهات الصحية والشعائرية والميدانية العملية التي أصدرتها مؤسسات الدولة ذات الاختصاص.
تعليق العمليات الجراحية بالمستشفيات
بدورها، أعلنت وزارة الصحة الموريتانية عن قرارات لمكافحة كورونا، حيث قررت تعليق الاستشارات الطبية وبرمجة العمليات الجراحية بالمستشفيات، والتعاقد مع أطباء وفنيين جدد، وقالت الوزارة، في بيانٍ بهذه المناسبة: “نظراً إلى تصاعد جائحة “كوفيد” وخاصة في مدينة نواكشوط، فإن المراكز الصحية مدعوون إلى تعليق برنامج العمليات الجراحية”.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، قال د. أحمد سالم ولد الخاطر، اختصاصي التخدير والإنعاش: إن تعليق العمليات غير المستعجلة في هذه الفترة أمر إيجابي من ناحيتين، تتمثل الأولى في أن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في البلاد كانت مكتظة في الفترات العادية بسبب الإقبال الكبير، وازدادت اكتظاظاً في فترة الجائحة، أما الناحية الثانية فتتمثل في أن الطواقم الطبية في وقت الجائحة تكون في حالة استنفار، ويكون عليها بذل جهد مضاعف، وبالتالي فإن توقيف العمليات الجراحية سيؤدي إلى توفير طاقات وأوقات معينة، ومن ثم الاستفادة من الطاقم الطبي في استقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا والعناية بهم ريثما يتم تجاوز هذه الفترة الحرجة.
وفي خطاب موجَّه للموريتانيين، قال د. سيدي ولد الزحاف، المنسق الوطني لمواجهة جائحة كورونا: إن نسبة الأسرَّة المشغولة في المستشفيات وصلت 60%، وفي حال استمرت الوتيرة على هذا النحو سنصل لقدراتنا القصوى، وبالتالي قد نشهد مشكلات في استقبال المرضى والتكفل بهم، مؤكداً أن تدارك الأمر في النهاية يتوقف علينا جميعاً، كما أن تزايد الحالات يرجع لسلوك كل واحد منا.
إيقاف الدراسة في المؤسسات التعليمية
بعد حوالي أسبوع من انطلاق العام الدراسي في موريتانيا، تفاجأ طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس بإعلان الحكومة تعليق الدراسة لمدة 10 أيام، ثم تفاجأ الطلاب والتلاميذ بعد مضي حوالي أسبوع آخر بإعلان الحكومة عن تمديد تعليق الدراسة حتى يوم 4 يناير 2021.
وفي تصريح لـ”المجتمع”، قال موسى ولد أعمر، المدير العام لمحظرة خير الورى: إن جائحة كورونا تؤثر بشكل مباشر على العملية التعليمية بشكل واضح، وقد أحدثت اضطراباً في مستوى المؤسسات التعليمية والمحاظر النموذجية وحتى حياة العديد من الأطفال والتلاميذ والطلاب المستهدفين وأهاليهم ومعلميهم، وفي محظرة خير الورى صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا القرار مفاجئاً وإن كان مؤثراً، وكان بالإمكان -ونحن نشاهد العالم وتأثير الوباء عليه وخاصة دول الجوار- أن نأخذ وسائل وآليات احترازية صارمة تبقي على العملية التعليمية المباشرة بعيداً عن التعطيل الكلي.
من جهتها، قالت د. زينب بنت عابدين، أستاذة في مدرسة ناصر الدين بنواكشوط، في تصريح لـ”المجتمع”: في نظري أن قرار تعليق الدراسة قرار يفرضه الوضع الوبائي الحرج الذي تعانيه البلاد هذه الأيام، غير أن لهذا القرار تبعاته وآثاره السلبية التي ينبغي السعي لتلافيها أو الحد منها، وذلك من خلال التفكير في إيجاد حلول بديلة تكفل للتلاميذ والطلبة مواصلة الدراسة عن بُعد أو عن قرب بطريقة تناوبية مدروسة ومأمونة.
حملات تحسيسية لمواجهة الموجة الثانية
وتشهد موريتانيا هذه الأيام حملات تحسيسية بخطورة الموجة الثانية من وباء كورونا، تأتي في إطار مواكبة الجهود التي تقوم بها السلطات الموريتانية من أجل التصدي لفيروس “كوفيد– 19”.
وفي هذا السياق، نظمت بلدية لكصر بنواكشوط حملة توعوية لمكافحة انتشار كورونا قامت خلالها بتوزيع بعض مواد التعقيم والكمامات لصالح سكان البلدية، وأطلقت “مجموعة أزويرات في وجه كورونا” الحملة الثانية من حملات التوعية بفيروس كورونا، فيما أعلن “شباب وسطاء من أجل السلام” عن تنظيم حملة تحسيسية حول وباء كورونا، يوم السبت 19 ديسمبر، سيقوم خلالها بتوزيع مساعدات شتوية لبعض المحتجين في العاصمة نواكشوط، كما أطلقت بلدية عرفات في نواكشوط الجنوبية حملتها الرابعة لمواجهة الموجة الثانية من فيروس كورونا.
ولا تزال جائحة فيروس كورونا تزرع القلق في نفوس الناس بأرجاء دول العالم، رغم الإعلان عن تجريب أول لقاح لكورونا في بريطانيا، والجهود الدولية المتعددة الساعية إلى القضاء على هذا الوباء الخطير.