– يايموت: ما قام به المغرب جاء خارج “صفقة القرن” التي أفضت إلى اتفاقات دولية مكتوبة مع دول عربية
– فلولي: ما أقدم عليه المغرب مقايضة غير مشرفة بقضية فلسطين
غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قبل أيام، تغريدتين متتاليتين؛ الأولى حول اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه، والثانية حول استئناف العلاقة بين المملكة المغربية و”إسرائيل”؛ مما أشعل فتيل الجدل على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المغربية انتشر صداه على الصعيد الدولي، وذلك لما لهاتين القضيتين من خصوصية كبيرة بين المغاربة، وارتباطهما الوثيق في الوجدان المغربي وأيضاً في الموقف الرسمي على مدى سنوات.
وبادر الديوان الملكي إلى إصدار بلاغين، يعلن في الأول فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي، وفتح الأجواء للرحلات المباشرة لأول مرة بين “تل أبيب” والرباط، مقابل تشديده على أن هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط حسب تعبير البلاغ.
ويبرز البلاغ الثاني أن المكالمة التي أجراها الملك محمد السادس مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تشدد على أن المغرب يضع دائماً القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.
في المقابل، أوضح البلاغ أن ملك المغرب له وضع خاص، وتربطه علاقات متميزة بالجالية اليهودية من أصل مغربي، ومنهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة الموجودين في “إسرائيل”.
وبالرغم من البلاغين، تواصل الجدل بين من يرى أن القضية الوطنية أولى من أي أمر آخر وإن كانت القضية الفلسطينية، بل منهم من رحب بالتطبيع مع واعتبره مكسباً، وبين من يرى أنه لا يمكن مقايضة قضية عادلة بأخرى بقضية أخرى عادلة أيضاً، وأن الأمر سينتهي في نهاية المطاف بخسارة القضيتين معاً وتشجيع الجبهة الانفصالية والكيان الصهيوني لمزيد من التعنت في القضية الأولى، وتوسيع الاختراق على جميع المجالات في القضية الثانية.
صفقة القرن
يرى بعض المحللين أن “المقايضة” بين قضية الصحراء وقضية فلسطين تدخل في إطار “صفقة القرن” التي ووجهت برفض شعبي ورسمي، وقررت الولايات المتحدة الأمريكية تمريرها “قطرة قطرة” بدل جرعة واحدة.
لكن المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية د. خالد يايموت يرى غير ذلك، ويبرز في تصريح لـ”المجتمع” أن ما قام به المغرب فيما يخص العلاقات مع الكيان الصهيوني جاء خارج “صفقة القرن” التي أفضت إلى اتفاقات دولية مكتوبة مع دول عربية معينة.
ويعتبر المغرب الدولة المغاربية الوحيدة وسادس دولة عربية تعلن إقامة علاقات مع “تل أبيب”، وكان قد أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي عام 2001، إثر “الانتفاضة” في فلسطين.
ويقول الأستاذ الجامعي يايموت: فلأن السياق الدولي هو سياق تفكك المنظومة العربية، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي الذي مثل آخر تكتل عربي جدي وذي مصداقية، فإن المغرب طرح أوراقاً للتفاوض تهمه ولها صلة بالقضية الفلسطينية والقدس.
ويشدد يايموت على أن المغرب ربح الاعتراف بوحدته الترابية باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادته على صحرائه، وربح الإبقاء على موقفه تجاه القضية الفلسطينية، خاصة قيام الدولتين وعودة اللاجئين والحفاظ على مكانة القدس، وهذه الأمور تلغيها “صفقة القرن” بجرة قلم.
خسائر
من جهته، يقول رشيد فلولي، المنسق الوطني للمبادرة المغربية للدعم والنصرة (منظمة غير حكومية داعمة للقضايا الإسلامية على رأسها قضية فلسطين): إن الأمر يظهر أن المغرب حقق إنجازاً كبيراً من خلال الحصول على اعتراف من أعلى سلطة لأكبر دولة في العالم وهي أمريكا بنفوذ مركزها في العلاقات الدولية وتأثيرها في القرار الدولي على مستوى النزاعات الإقليمية في ظل ميزان قوى مختل تغيب فيها قوة دولية منافسة باستطاعتها الدفع في اتجاه معين من الحل بقضية الصحراء المغربية.
وأضاف، في حديث لـ”المجتمع”: من جهة أخرى، فإن الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء بعد تحقيق مكاسب جديدة من خلال النقاش الذي كان خلال أشغال اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن الدولي الأخير، في 30 أكتوبر الماضي، الذي اعتبر إيجابياً بالنسبة للقضية الوطنية، وما تلا ذلك من فتح قنصليات لعدد من الدول بمدينة الداخلة، وتتويج ذلك بقرار ترمب يزكي انتصاراً للمغرب على الأطروحة التي يتبناها البوليساريو بدعم وإسناد من النظام الجزائري.
وأشار فلولي إلى أن كل ذلك يبدو ربحاً كبيراً، متسائلاً في الوقت نفسه: ماذا ننتظر من موقف الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية؟ وكذلك رد فعل الجزائر من خلال استغلال علاقتها واستثمارها في الموقف الروسي وموقف الأمين العام للأمم المتحدة؟ مبرزاً أن التفاعل مع القرار الأمريكي ورئيسها الذي بات من المؤكد أنه يعد أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وبالتالي تأكيد الاعتراف الأمريكي من طرف الرئيس الجديد لا توجد ضمانات نهائية بحكم تجربة الحزب الديمقراطي مع قضية الصحراء ودوره في القرار الذي كان معروضاً على مجلس الأمن والمتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء، دون الحديث عن أصوات قوية من داخل مجلس النواب الأمريكي التي لا تكنّ وداً كبيراً للمغرب فيما يخص قضية الصحراء المغربية.
فرحة غير مكتملة
مقابل ذلك، يرى عدد من الباحثين والمحللين أن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه فرحة غير مكتملة بعد اقترانها بعودة العلاقات مع “إسرائيل”.
وأبرز فلولي بهذا الخصوص أن الجميع يتذكر موقف المغرب من إعلان ترمب القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية ومن “صفقة القرن” وغيرها من المواقف القوية ضد الكيان الصهيوني، لكن اليوم بإقدامه على إجراءات تدخل بشكل مباشر في دائرة التطبيع مع الصهاينة، وهو لذلك يشكل ضربة قوية في جدار الممانعة، وتبعاً لذلك خسارة للقضية الفلسطينية، دون الحديث عن فتح المغرب للاختراق الصهيوني وتهديد التماسك الاجتماعي والأمن والاستقرار بالمغرب من خلال إعطاء شرعية لليهود من أصل مغربي المقيمين في الكيان الصهيوني بصفتهم محتلين ومغتصبين تم تشريد شعب بكامله من أجل أن يستعمروا الأرض بقوة السلاح.
وتساءل فلولي: هل تحققت الدولة الفلسطينية؟ وهل عاد اللاجئون وأطلق سراح الأسرى؟ وهل تم إقرار الدولة الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لفلسطين؟ هل انسحب العدو الصهيوني من الجولان العربية؟ هل توقف عدوان الكيان الصهيوني على أهلنا في فلسطين؟ قبل أن يشدد المتحدث ذاته أن الكيان الصهيوني ما زال يمارس أبشع الجرائم ضد المدنيين، ويفرض حصاراً ظالماً على أهل غزة، ويهدم بيوتهم ويصادر أراضيهم ويوسع المستوطنات ويعمل بالليل والنهار على تدنيس المقدسات الإسلامية بالقدس ويستبيح قطعان المستوطنين باحات الأقصى دون الحديث عن مصادرة أوقاف المغاربة وهدم حارة المغاربة، وبالتالي ما أقدم عليه المغرب فيه مقايضة غير مشرفة بقضية فلسطين وتفريط في أمانة القدس وفلسطين.
أمريكا والصين
مقابل ذلك، يرى الأكاديمي خالد يايموت أن الحديث عن المقايضة المزعومة يجاري الرواية “الإسرائيلية” وجبهة البوليساريو الانفصالية لأنهما يتقاطعان في الغاية من طرح مثل هذه التصورات المغلوطة والمنافية للتاريخ والجغرافية معاً.
ويشير إلى أنه في العلاقات الدولية الأمور تجري في سياقات، والسياق الحالي يشهد غياباً مروعاً لأي منظومة عربية دولياً، بل وهناك دول عربية الآن تتحالف مع “إسرائيل”.
ويضيف: وللمغرب كما لكل دول قضايا ومصالح، ولذلك اختار المغرب تقديم مصلحته الوطنية، دون أن يتخلى عن مواقفه ودوره الرائد فيما يخص نصرة فلسطين دبلوماسياً وعملياً.
ويؤكد المتحدث ذاته أن تطبيع العلاقات تزامن مع تفعيل أمريكا لخطة جديدة تخص إعادة التموقع في البحار والمحيطات والممرات المائية، وقد تلكأ ترمب في تنفيذ هذه الخطة ووقع في ضغط وزارة الخارجية ووزارة الدفاع أخيراً، ولأن للمغرب موقعاً جيوستراتيجياً مهماً، فقد تجدد النقاش القديم حول الاعتراف بالصحراء، والفضل في إحياء هذا النقاش وربطه بالتطبيع تعود للرئيس أوباما في ولايته الأولى الذي ربط بين التقدم في قضية الصحراء بإعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية لما كانت عليه عام 1994.
واليوم، يشير يايموت إلى أن أمريكا تريد سد الطريق على الصين من المحيط الأطلسي، ومنع بكين من الوصول لغرب أفريقيا والسيطرة عليه ببناء طريق الحرير، وهنا وجدت أمريكا فرصة لتشبيك وربط قضية الصحراء بالتطبيع مع “إسرائيل”، لذلك من المهم أن القضية يجب فهمها من زاوية الصراع الصيني الأمريكي؛ لأن زاوية التطبيع لا تفسر حقيقة ما يقع.
مخاطر
من جهة أخرى، يبرز رشيد فلولي، المنسق الوطني للدعم والنصرة، أن ما وقع شكَّل صدمة ومفاجأة غير سارة بالنسبة للشعب المغربي المساند دائماً لفلسطين الذي عرف بخروجه في مسيرات مليونية من أجل دعم المقاومة الفلسطينية.
وأوضح أن ما تم الإعلان عنه من إجراءات خطيرة تفتح المغرب على التطبيع المباشر مع عدو الأمة الكيان الصهيوني، وإن كانت تطمينات وتصريحات وزير الخارجية المغربي حاولت نفي كون ما أقدم عليه المغرب لا يعتبر تطبيعاً، إلا أن واقع الأمر هو غير ذلك، معتبراً أن قرار المغرب تراجع خطير وسقوط مباشر في حضن الصهاينة، وفتح المغرب على أخطار وتهديدات محققة.
وشدد المتحدث ذاته أن العلاقة مع الكيان تؤثر بشكل سلبي على القضية الفلسطينية، فحينما يقرر المغرب الذي يرأس لجنة القدس التطبيع مع الصهاينة فهو يقر ويعطي مشروعية للاحتلال وأفعاله العدوانية، أما المغرب ظل طيلة السنين الأخيرة يعبر بشكل رسمي عن مواقف مشرفة من القضية الفلسطينية، وينحاز بشكل كبير إلى خيار الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه في المحافل الدولية وفي كل المناسبات التي شهدت قرارات خطيرة تستهدف حقوق الشعب الفلسطيني.