م. أحمد اللوغاني
هذه سلسلة مقالات نستجلي من خلالها منهجية النبي صلى الله عليه وسلم من إمعان النظر في التصرفات والاستراتيجية ومشروعه في التغيير الحضاري في سياق العلاقات الإقليمية والدولية إبان البعثة وحتى الفتح الأكبر، فتح مكة وبروز الإسلام كقوة عالمية قائدة وفاعلة ذات رسالة عالمية جوهرها التوحيد وأساسها الأخلاق.
رسالتي للعام الجديد
الخير يسكن المستقبل {إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِ} (سورة ص: ٨٧-٨٨).
لا أجمل من أن يستظل المرء بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إنها لحظات تصلنا بأصل راسخ من أصول اعتقادنا ورسالتنا وبنيتنا المعرفية.
إننا بحاجة ماسة -والبشرية كذلك- للسيرة في واقعنا الإنساني؛ فكثير منا تجذبه وتدهشه السيرة العطرة بجمالها وجلالها، لكنه يصطدم بواقع؛ فيراه بغيضاً، ثم يطل على المستقبل من نافذة الخيال فيراه مخيفاً، فيقع في حيرة لفك شيفرة هذه المعادلة التي لا تنتج إلا أجيالاً من الحالمين أو الحائرين، لا ينتشلها إلا وعي مستبصر بحقائق الوجود وعبر التاريخ وسنن الخلق الناظمة للفعل البشري في ظلال المشيئة الإلهية التي تجسدت في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا المقام سنلقي الضوء على ملامح المنهجية التي تفسر وتحل لغز تلك الشيفرة؛ لتكون بمثابة المصباح المضيء لاقتفاء نور “السراج المنير” صلى الله عليه وسلم، وفهم مقاصد وروح الفعل النبوي الإنساني والاستراتيجي وغاياته، والمعاني الفريدة بالإمامة للوعي الإنساني في مجالات الحياة.
أولا- تحرير الإنسان من قيود الشرك والجاهلية والاستبداد؛ فالتوحيد الذي قامت عليه أصول الرسالة الإسلامية هو الانعتاق التام والبراءة الناصعة من كل ارتهان لغير الخالق العلى العظيم، وهذا التصور تحديداً هو الذي صنع المد الهائل والعميق من الوعي الإنساني، وفجّر طاقات الصحابة، ونقلهم من جمود الجاهلية إلى حركية الإسلام، ولا أجمل ولا أعظم من آية الكرسي التي وصفت جلال المقام الإلهي بأبهى صورة، وإحاطة مطلقة بمقاليد الأمور، والملكوت الوجودي التام والعظمة المطلقة، تلك المعاني العميقة ترسخت في أعماق قلوب وعقول الصحابة، فنقلتهم من رعاة غنم إلى سادة أمم.
وللحديث بقية من الخير، نستأنفها لاحقاً إن شاء الله.
ودمتم بخير وعافية.