شهدت العاصمة العراقية بغداد، أمس الأحد، استنفاراً أمنياً غير مسبوق، شمل إغلاق كامل للمنطقة الخضراء المحصنة التي تضم السفارة الأمريكية وبعثات دبلوماسية غربية، في الذكرى السنوية لمقتل زعيم فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، والقيادي بـالحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس العام الماضي بالقرب من مطار بغداد الدولي، بقصف طائرة أمريكية مسيّرة سيارة كانا يستقلانها.
وقد احتشد لإحياء المناسبة الآلاف من عناصر الحشد الشعبي، وسط ساحة التحرير، وبهدف السيطرة على الأوضاع عمدت الحكومة العراقية إلى تعطيل الدوام الرسمي، وأغلقت عدداً من جسور نهر دجلة الرابطة بين ضفتي العاصمة؛ الكرخ والرصافة، وخصوصاً القريبة من المنطقة الخضراء.
المطالبة بإخراج القوات الأمريكية
وشارك في التظاهرة زعماء فصائل الحشد الشعبي، ورؤساء أحزاب مقربة من إيران.
وطالب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في كلمة له الحكومة العراقية بتنفيذ قرار البرلمان بإخراج القوات الأمريكية رداً على اغتيال سليماني والمهندس وقال: إن الردود الشعبية والسياسية توالت ضد جريمة الاغتيال، مشيراً إلى أن وحدة العراق وجمهور الحشد الشعبي هي سر قوة البلد.
واللافت في كلمة الفياض قوله: لسنا دعاة حرب ولا دعاة عنف، الأمر الذي اعتبره المراقبون تلويحاً بغصن الزيتون في وجه إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي سيتسلم مقاليد الحكم خلفاً للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب.
كما دعا هادي العامري، زعيم منظمة بدر، إلى تطبيق قرار إخراج القوات الأمريكية، مبيناً، في كلمة له من ساحة التحرير، أنه لا يمكن أن يكون استقرار في العراق من دون خروج القوات الأمريكية منه، داعياً إلى ما وصفه بالاستمرار بدعم المقاومة، والتصدي لمشاريع الهيمنة والاستكبار.
من جهته، أكد زعيم كتائب حزب الله العراقي أبو حسين الحميداوي، أن فصيله لن يتخلى عن سلاحه مهما كان، مؤكداً عدم وجود نية لدخول السفارة الأمريكية خلال التظاهرات.
وقال الحميداوي، في بيان: إن سلاحنا أكثر ضبطاً وتنظيماً من أرقى الجيوش والمؤسسات العسكرية على مر التاريخ، وهو أكثرها شرعية وعقلانية، وسيبقى بأيدينا إلى أن يشاء الله.
وأضاف: لن نسمح لأحد، كائناً من كان، أن يعبث بهذا السلاح المقدس الذي حفظ الأرض والعرض وصان الدماء.
تبدد مخاوف الحكومة
انتهاء التظاهرات دون حصول أي تصعيد بدد مخاوف الحكومة العراقية، التي راقبت فعالياتها عبر انتشار أمني مشدد، ومراقبة جوية لساحة التحرير، وبالتزامن انتشرت قوات الأمن العراقية عند مداخل المنطقة الخضراء، التي تضم مبنى السفارة الأمريكية والبعثات الدبلوماسية الأخرى، ومقار الحكومة والبرلمان العراقي.
ووسط مخاوف من خروج التظاهرات عن السيطرة، تعاملت عناصر الأمن مع المتظاهرين بحذر شديد بعد تلقيهم توجيهات صارمة من مراجعهم العليا، بالحذر وعدم اتخاذ أي خطوة من دون استلام أوامر عليا.
وأبرز الفصائل التي شاركت في إحياء الذكرى، هي الفصائل التي يطلق عليها تسمية الفصائل الولائية وأبرزها كتائب النجباء، وكتائب حزب الله، وكتائب البدلاء، وعصائب أهل الحق، وكتائب بدر، وكتائب سيد الشهداء، بالإضافة إلى فصائل مسلحة أخرى ضمن “الحشد الشعبي” مرتبطة بالنجف.
وعد تحالف الفتح، الجناح السياسي لـلحشد الشعبي، التظاهرات “بداية لاستعادة السيادة العراقية”، وقال النائب عن التحالف فاضل جابر: إن أبرز الشعارات التي رفعها المتظاهرون المنددون بجريمة اغتيال سليماني، والمهندس، هي شعارات تطالب باستعادة السيادة العراقية.
وأضاف، في تصريح صحفي، أن رفع تلك الشعارات هو بداية الشروع لعودة السيادة الوطنية، فضلاً عن أنها بمثابة الثأر الأول لسليماني، والمهندس ورفاقهما، مطالباً الحكومة بالكشف عن المتورطين بجريمة الاغتيال، وكشف نتائج التحقيق بالحادث.
وقتل قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، و8 أشخاص آخرين، فجر الثالث من يناير 2020، في ضربة استهدفت عربتين قرب مطار بغداد، وأثارت تلك الضربة العداء القديم الذي يمتد لأربعين عاماً بين طهران وواشنطن.
واتهمت طهران الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب بالسعي إلى اختلاق ذريعة لشن حرب قبل خروجه من البيت الأبيض، في 20 يناير الجاري.
وكان ترمب اتهم طهران بالوقوف وراء هجوم صاروخي استهدف السفارة الأمريكية في بغداد، في 20 ديسمبر الماضي، وكرر ترمب موقفه الثابت بأنه “إذا قتل أمريكي سأحمّل إيران المسؤولية” في إشارة إلى تكهنات بتعرض أمريكيين لهجمات أخرى في العراق.
وأثارت المواقف المتشددة لطهران وواشنطن طوال العام الماضي مخاوف الحكومة العراقية من اندلاع صراع بين الطرفين يكون العراق مسرحاً له كما توعد مسؤولون عسكريون إيرانيون بالثأر لمقتل سليماني.